الثلاثاء، 13 يناير 2015

سالفة قصيرة مع إبنتي ميثا

إبنتي تربت في كنفي بعد وفاة والدتها .
إبنتي ميثا كانت صغيرة ولكن ذكية، عنيدة ولكن واعية، لا تحل واجباتها مرات .. ولكن درجاتها الدراسية في التسعينات ... إبنتي ميثا تستعجل عمرها أم فقط أنا أعتقد ذلك؟ هي تكبر وتكبر وتكبر سريعاً ... إبنتي أنهت الثانوية بتفوق ... إبنتي أنهت الجامعة أيضاً بتفوق  With Distinction .... إبنتي تعمل وتخدم وطنها ..... تولد لديها حب المسئولية ... إبنتي تدير شؤون المنزل .... وتدير شؤون شقيقتها فاطمة واشقاؤها ... إبنتي لا تزال تعتقد بأن هناك نواقص كثيرة لابد من توفرها في حياتنا .

ماذا تقصدين يا ميثا ؟ لديكم كل شيء لله الحمد ... المنزل والعمل مع باقي الخدمات .... وعموماً هكذا هي الحياة ... هذا بالأضافة إلى حب الاب وتفانيه في تربيتكم بعد وفاة والدتكم الله يرحمها .

ميثا: الله يخليك لنا يا الوالد ... نحن كبرنا ... وإلى اليوم مرت أربعة عشر سنة منذ غادرتنا الوالدة الله يرحمها ... ولكن سنبقى في احتياج لك مهما كبرنا ومهما أعتمدنا على أنفسنا ... ستبقى أنت المظلة التي نستظل بها والحماية التي لا نتخلا عنها في هذه الحياة يا أبي العزيز والغالي ... ومن لنا بعدك ؟

أنا يا عزيزتي يا ميثا .... أنتِ وأشقائكِ كل ما أراه في هذه الدنيا ... وكما تعلمين كم نصحوني بأن أتزوج بعد وفاة الغالية والدتكم .... إلا أني رفضت الفكرة خوفاً على مشاعركم وعلى أي شيء قد يؤثر على سير حياتكم .... ومعيشتكم ... وأيضاً على هذا السلام والوئام الذي نحياه ونتلمسه .

ميثا: ولكن يا أبي لابد من أن نرفع من مستوى المعيشة ليتسنى لنا وضع الكثير من الحلول في المستقبل ... وأيضاً هناك الكثير من الضروريات نحن في حاجة لها مستقبلاً .

أنا يا إبنتي لا توجد لدي ضروريات ... ضرورياتي هي أنتم ... وها أنتم لله الحمد كبرتوا ... وأنا مطمأن لتربيتي لكم ... ووصلتوا إلى مستوى أنكم حريم ... ولا أنتظر الا أبن الحلال الي بأمكانه أن يخطفكِ إلى بيت الزوجية .

ميثا: الي مثلك ... والي ممكن أن يتحملوا المسئولية مفقودين في هذا الزمن يا أبي !!  وكلهم (قوم اماية) .... صدقني أغلب صديقاتي المثقفات والمتعلمات والمشهود لهن ... تطلقن لأسباب تافهة .... وأنا لست على استعداد أن اتزوج صورة زوج أو جسد خاوي من العقل والروح والحب والفهم .

طيب يا إبنتي ماهو الحل ؟

ميثا: الحل بيد المولى عز وجل ... عموماً أنا لا أفكر في هذا الموضوع الان ... أنا لدي مستقبل تعليمي لا بد أن أصل إليه لأنهيه .

أنتِ تخرجتي من أرقى الجامعات يا ميثا ... والان تعملين بأحدى شركات الوطن ... ولم يتبقى الا الزواج ... وصراحة أنا ودي أن أرى أطفالكم كأي أب يبحث عن سعادة بناته .

ميثا: لا ... أنا أقصد أن أنهي الماجستير والدكتوراة .... وقدمت في جامعة السربون أبوظبي ... لديهم برنامج الماجستير حسب المواد المختاره من قبلي ... وسيبدأ البرنامج بعد ستة شهور من الان .

كما تعلمين ... أنا لا أتدخل فيما ترونه مناسب لكم ... لأنني على يقين بأن ثقافتكم هي التي ستحدد ... وممتازة وعقولكم كبيرة ... وأختياراتكم غالباً ما تقودكم للنجاح المضمون والتوفيق ... لأنكم اجتزتوا الكثير في سنوات عمركم القليلة الماضية .... وأنا مطمأن لله الحمد لكل أهدافكم التي في النهاية ستصب في مصلحتكم وستخدم متطلبات الوطن العزيز الغالي ... سوى كنت موجود بهذه الحياة أو غادرتها ... وثقي بأني كلي ثقة فيكم .

ميثا: قبل أن أنسى الموضوع ... أنا سمعت من صديقاتي بأن من اراد أن يرفع من دخله عليه مقابلة الشيخ في مجلسه ... ويقدم لهُ الطلب المكتوب متضمن شرح عن عدد افراد الاسرة وشرح عن المستوى المعيشي وهكذا ... وسمعت بأن الشيخ لم يرد أحداً أبداً ... وبعد اتمام عملية البحث من قبل الدوائر المختصة .... وقالت صديقتي بأن والدها تقدم بطلب أرض تجارية ... وبعد عدة شهور اتصلوا بهِ من الديوان ... وأول ما سمع كلمة مبروك ... الارض التجارية صرفت لك ... ولم تسعه الدنيا فرحاً كما قالت صديقتي ... وكم كنت أتمنى يا أبي أن تراسلهم او تقابل الشيخ ... لعل وعسى أن الله يوفقنا ونحصل نحن على الارض التجارية لنرفع من مستوى معيشتنا نحن أيضاً .
وأكملت ميثا: وأنت يا أبي لم تقصر في شبابك بخدمتهم وخدمة الغالي المرحوم أبو خليفة الله يرحمه ... وصورك معهُ ومرافقتك لهُ لسنوات طوال ... أنا اعلم بأنك عزيز النفس ولم تطلبه الله يرحمه مباشرة كما يفعل البقية ... ولهذه الاسباب فاتك الحظ في الماضي ... ولكن حاول من جديد لعل وعسى وبعون الله يضرب الحظ معك في هذه المرة ... علماً بأننا من بطنها وظهرها وأهل هذا الوطن الغالي .

يا إبنتي الغالية أنا حقيقةً تقدمت بطلبات كثيرة من خلال دائرة البلدية حسب الانظمة السابقة ... ولدي تلك البطاقات او بطاقات الانتظار للموعد ولكن عدت 27 سنة ولازلت أنتظر.... وأخيراً نصحوني بزيارة الشيخ بمجلسه ... وفعلاً ذهبت بعشرات الاوراق بيدي .... وقابلت شقيق الشيخ نيابةً عنه ... وستلم تلك الاوراق ... وخط بيده الكريمة بعض السطور وسلمها لأحد المساعدين ... وبتسم الشيخ مرحباً لأنهُ يعرفني واعرفه منذ ذلك الزمن ... أيام المرحوم أبوخليفة أوائل الثمانينات ... وسألني عن الاحوال وحتى تفاجأ بأني لا أملك التجارية ... زكرر كلمة فالك طيب .... ومرت أربع سنوات منذ أخر مقابلة ... وقمت يا إبنتي بزيارة أخرى وادخلوني في تلك القاعة أو قاعة الانتظار ليحين يأتي دوري ... الا أني أنتظر ونتظر وأتى المنادي ونادى بأسماء لم أسمع بها من قبل ولا تلك القبائل المعروفة لدينا ... وأنا أنتظر دوري بأبتسامة متفائلة بالأمل ... إلى أن أتى موعد صلاة العصر ولم يتبقى الا خمسة وأنا بينهم ... وكان الوقت قبل المغرب بقليل ... وأتى المنادي ليفاجئني بأن البرزة إنتهت !!

ميثا: ماذا يعني البرزة إنتهت ؟؟

يعني غادر الشيخ .
ولهذه الاسباب أنا توقفت ... هناك من نصحني بستعمال بوابة ال VIP وهي خاصة بالشخصيات المهمة والكبيرة ... الا أني فضلت الاستغناء عن كل شيء لأنني لست بشخصية مهمة أو صديق للشيخ مثلاً أو وزيراً ... فقط مواطن عادي لم يضرب معهُ الحظ فتوقف .

ميثا: هل هذا انهزام من نوع أخر يا الوالد ؟؟

لا .. يالغالية .... كما تعلمين هي عزة نفس مع انشغالي بكم بعد وفاة الوالدة والقليل من الخجل ... وبالأضافة إلى أن الاجيال تغيرت ومن يعملون هناك لا يعرفوننا ولا نعرفهم ... أما المعروفين فهم في مناصب بعيدة .... ولا اقبل أن اطلبهم بالمساعدة ... أي ما يقال بالمحلي (لا اسوم ويهي لهم) ....

ميثا: طيب .. يا الوالد وماهو الحل في رأيك ؟

الحل عند الحلال .... وثقي بأن الامور ستكون سعيدة وأجمل يوماً ... ويكفي أننا أهلها .... وعموماً بعد وفاة الوالد أبوخليفة الكل مضغوط بالمسئوليات الكبيرة والمهمة للوطن وإدارته يا إبنتي العزيزة .

ولكن اتركينا من الارض التجارية الان ... لماذا لا تكتفين بالبكلوريوس ؟

ميثا: حقيقة أتفقت وشقيقتي فاطمة بأن التخرج من الجامعة ماهو الا نصف الطريق ... اما اكتمالهُ فهو بالدكتوراة ... وبأصدار عدة كتب وبحوث نفيد بها من هم في الطريق يسعون للعلم .

هل هذه الفكرة لدى شقيقتك فاطمة أيضاً ؟

ميثا: نعم يا أبي ... وهي أكثر مني اقداماً وبأمكاني الحكم بذلك ... لأن كل بحوثها تدل على ذلك ... وتأييد الدكاترة لها وهناك شهدات مهم بذلك ..... ولا تحمل هم يا أبي .

وأكملت ميثا: خوفك هذا يذكرني عندما كنا صغار ... كنت تودينا (تأخذنا) الحدائق ومحلات تويزر أس  ومحلات الايس كريم و الالعاب بالميناء ... وكنت أنت الوحيد الرجل أما باقي العوائل كلها حريم تلاعب أطفالها .... أدري أتعبناك معنا كثيراً ... ولكن ها نحن نرفع رأسك اليوم وكل يوم يا أبي .

أنا يا إبنتي ميثا أب ولا أختلف عن الباقين في شيء لحبهم لأفراد أسرهم وتربيتهم بما بما يقدرني به الله سبحانه وتعالى، ولكن بعد وفاة الام صحيح بأن المسئولية تضاعفت عشرات المرات، وقبل ذلك أنا كنت بوظيفتي ولي بعض الممارسات الرياضية والاجتماعية ومن ضمنها التسويق للبنك الذي كنت أعمل بهِ ... وكما تعلمين هذا يحتاج إلى وقت كبير جداً بهدف الوصول للاهداف الموضوعة للبنك والمرسومة مسبقاً من الادارة العليا للبنك لكل سنة مالية على حذى ... وبعد وفاة زوجتي علي التضحية بعملي ومستقبلي أو الاستمرار مع العمل وعدم الاهتمام بكم ... وهنا أتخذت القرار وفضلت التضحية بالعمل والتفرغ لكم جميعاً ... وأبني مستقبلكم وأطمأن عليه .... ولله الحمد ها أنا اجتزت بكم مرحلة أربع’ عشر عام من وفاتها ... واليوم أنتم حريم وأشقائكم رجال وتزوج منهم من تزوج ولم يتبقى سوى شقيقكم زايد ... وكما ترين الحياة تعدو بشكل متسارع .

ميثا: أعلم كل ما ذكرت ... وثق بأننا نقدر تضحيتك الكبيرة ... لدرجة أنك لم تتزوج إلى اليوم خوفاً علينا من قيود وأي سوء فهم مع زوجة الاب .
ههههههه تضحك ميثا: الان تزوج إن اردت ذلك ولا تخاف علينا ... نحن مثقفات واكملنا دراستنا الجامعية ولا اعتقد بأن زوجة الاب ممكن أن تؤثر علينا ... ولا اعتقد بأن هناك زوجة أب كل هدفها هو هدم علاقة أب بأبنائه وبناته ... بل بالعكس قد تكون طيبة وحبوبة مع الجميع .
ميثا تكمل: تصور مرت ثلاث أسابيع على زواج شقيقي عبدالله وهو يصغرني ويصغر شقيقتي فاطمة ... صدقت يا أبي ... الحياة تعدو سريعاً ... ولكن أرجو أن يكون عدوها إلى الخير دائماً ... تصور يا أبي أصغر عضو في العائلة شقيقي زايد في السنة القادمة سيكون في الاول ثانوي ... أذكر عند وفاة الوالدة كان زايد في عمر العشرة أشهر ... ولم يقبل أن تلمسه الخادمة أو المربية ... وكنت أذكر درجة أهتمامك بذلك زايد الصغير ذو العشرة أشهر ... وأنت تستحم معه وتلاعبه بذلك الحمام الكبير ... والذي حولته إلى حمام وقاعة اللعاب ومملوء بكل أنواع الشامبو الخاص بالاطفال ... وكنا نسمع صوتك وأنت تغني لزايد كالاطفال ... كنا نضحك عندما نسمع زايد يرد عليك بتلك الكلمات المتعثرة والغير واضحة .... ومرات يبكي بسبب دخول الشامبو بعينيه ... وتكمل ميثا .. هل تصدق بأن زايد أطول فرد في العائلة اليوم ...ولكني أعتب عليه لعدم الانتباه لتقليم أظافر يديه ورجليه ... لا ينتبه للامور الصغيرة ... عموماً هكذا هم الشباب الصغار ... او الذين هم في عمره ... وغالباً هناك مرحلة يدخلها الشاب يكثر الاهتمام بنفسه عندما يكون في عمر المراهقة او بعده بقليل ... وهذا ينطبق على البنت ايضاً ... لهذه الاسباب هناك مراحل عمرية كما يقال ... ولكل مرحلة هناك سيئات وإيجابيات ... وتكمل ميثا ... كما تعلم أنت يا والدي أخذت المسؤولية بشكل جاد فعلاً وتحدي كبير أيضاً ... علماً بأن لدينا صديقات بالمدرسة وكانن يشتكن من كثرة سفر الاب إلى تلك الدول الجاذبة لألعابهم ومراهقتهم المتأخرة ... مثل بانكوك والمغرب وأوروبا ... لا لشيء مهم ولكن للمتعة فقط ... أما أنت حقيقة لم تكن لديك الفلتات المارقة تلك ... كنت دائماً معنا وبالصيف تأخذنا إلى سويسرى والاجازات القصيرة تذهب بنا إلى ليوا والهرمية وبراكة والعين و دبي ... وتمررنا لجميع المناطق الجميلة من الوطن الغالي ... لدرجة أنك تلقي محاضرة علينا ونحن صغار بالسيارة عن حب الوطن ومداراته وحمايته .

ذكرتيني بأيامي مع زايد ... الحقيقة يا ميثا أنا بطبيعتي أحب الاطفال ... وهتمامي لم يقتصر على زايد فقط ... ولكن قبل زايد كان هناك عبدالله وقبله فاطمة وقبلها أنتِ يا ميثا وقبلكم جميعاً الطيار عارف ... ولم نمر بأيام صعبة بل كانت أيام وشهور واعوام جميلة جداً ... وجميعكم متعاونين معي ... ولم أفضل أحداً على الاخر منكم ... وأنا يا إبنتي العزيزة لا أنتظر رد أي جميل من أحد ... كل القصة أني أب ومسئول عن عائلتي ... وجميع الامور كانت عبارة عن كتلة تحديات مجتمعة ... وعلي تطويعها لصالح الجميع مهما تخللها من بعض الصعوبات التي تمر على أي أسرة أو بيت في هكذا ظروف .

ميثا: الان يا والدي الغالي لابد لنا من اجازة فصيرة شتوية ... لمدة عشرة أيام لمدينة او قرية (قشتات) هناك فوق جبال الالب بسويسرا للتزحلق على الجليد ... حقيقة كل افراد الاسرة بحاجة لهذه الاجازة بعد كل هذه الخدمة الطويلة والدراسة الممتدة ... وأضافة لكل هذا هي فرصة لتكون طلعة شهر عسل لشقيقي عبدالله وزوجته ... أضني من حقهم ذلك.

لكِ ما تطلبين يا عزيزتي ميثا ... أنا كلي دعم للأفكار الايجابية ... وهذه عشمي فيكِ ... لا تأتين الا بالصواب دائماً ... حددي الموعد معهم ... بشرط أن لا يتعارض مع مسئولياتهم بوظائفهم ... كما تعلمين أنا حساس تجاه الوظائف والواجبات الحكومية الرسمية والوطن .

ميثا: لا تهتم الجميع لديهم أرصدة كبيرة من الاجازات ... وهناك تفاهم كبير بين زميلات العمل وأداراتهم ... أرجو أن لا يشغلك هذا الجانب ... ولكن في خاطري التزحلق على الجليد مع تساقط الثلوج ... واشعال النار بتلك الاخشاب بنفس الفيلا التي سكناها العام الفائت ... وجمعة الفطور (الريوق) في الصباح ... والابخرة تخرج من الافواه عند الضحك و عند الكلام ... بتلك القرية الصغيرة والجميلة (قشتات) المملوئة بالاوكسجين وبأجواء الطبيعة الخلابة وأيضاً على قمم جبال اللألب .

أنا كل ما يبسطني هو رؤية تلك الفرحة بعينيكم جميعاً ... وارى فيكم ذلك النشاط وتلك السعادة والابتسام الذي غالباً ما يتلاشى بمجرد احساسكم بفتقاد الام الله يرحمها ... لكل هذه الاسباب مجتمعة يا إبنتي الغالية ميثا أنا فقط أحاول التعويض عنها ... ولكن لا يوجد ما يعوض مكانها ومهما أنا حاولت ... ودعينا نتفق على أني فقط أحاول ... وأنتم تتلمسون كل هذه المحاولات الفردية ... ولكننا نجحنا وتفوقنا وجتزنا ووصلنا وكلها هانت بأذن الله .

ميثا: كيف عرفت بأنها هانت ونحن في أمس الحاجة لك يا أبي ؟

اقصد بأنكم كبرتوا ولستوا في ذلك الاحتياج ... اقصد احتياج الاطفال الصغار لوالدهم ... والدليل على ذلك هو أن الفراغ زاد لدي ... وعندما نحسبها بالنسبة نتوصل إلى نتيجة (كلما قل الاحتياج يرتفع الفراغ لدى الانسان) ليس بمراحله الكبيرة ... وأنما يبقى الطرف او اهمية وجود الوالد كقبة تأمينية لافراد اسرته مهما حصل او مهما زادت نسبة عدم الاحتياج ... ووجود الاب لهُ تأثير نفسي على جميع أفراد أسرته ومحيطه القريب ومجتمعه اليومي ... بالأضافة إلى أن هناك شيء نسميه الانتماء الاسري والذي تقويه اللحمة الاسرية المترابطة بسبب هذا الانتماء بين الافراد أنفسهم الذين يحيونه بشكل يومي او كل ساعة ودقيقة وثانية .

ميثا: ادخلتني في فلسفة اجتماعية اسرية ... تحتاج إلى خبرة طويلة لا أفهمها .

أنتم الجيل الجديد ... صحيح ... عشتوا في زمن البحبوحة الاقتصادية القوية ... والتعليم والثقافة الاجنبية ... وتؤمنون بالواقع أكثر من الخيالات التي عشناها نحن ... أي أن ثقافتكم لا تعترف بالوعود والمجاملات الفارغة ...أنتم حقيقية أكثر منا واقعية  ... وهذه كلها جيدة لكم ولوطنكم ... زمان كانت تأتي الوفود العربية وغيرها من تلك الدول ... وكنا نعطيها ونعطيها على أساس التعاون العربي ... ونستنزف الكثير من المدخرات والودائع في مشاريع بتلك الدول ... وكنا نحن كامواطنين نتأمل خيراً ولكن كل تلك المساعدات تذهب في مهب الريح وتتلاشى ... أما أنتم فلا أعتقد بأن تلك الوفود ستنجح معكم ... لأنكم أكثر واقعية وذكاء مننا وأكثر عملية ... تؤمنون بوجوب البديل ... او لماذا نعطي بدون ضمان ومقابل ..... ولكل هذه الاسباب نحن مطمأنين لكم يا جيلنا الجديد .

ردت ميثا بذكاء: ولكن أنتم الجيل المؤسس أو الجيل الذي بعدهُ ... وأكملتوا المسير وواصلتوا الاجيال ببعضها يعني لعبتوا دوركم ... والكثير لا يزال يعطي من جيلكم ويقود القافلة ... هناك شخصيات من جيلكم لا تزال تعمل والدليل على ذلك نحن نراهم رؤساء للشركات البترولية وغيرها ... وهم لا يزالون قادة في مراكزهم ... وعندما نراهم وأراك يا أبي يتولد لدينا نحن شعور الابناء والبنات بأبائهم ... وهم حقيقة يمدوننا بنصائحهم الهادفة ... ومن خلال تلك النصائح نستشعر بأنها لا تختلف عن نصائحك أنت يا أبي ... كما أنها تلعب دور إيصال تلك الرسالة من جيل لجيل أخر جديد بكل وعي وجدية .

ابتسمت وقالت: دعنا من هذا كله الان ... وأخبرني هل قررت ؟

قررت ماذا يا ميثا ؟

ميثا: أقصد هل ستمضي كل حياتك بعد وفاة الوالدة دون شريكة عمر ؟ تسعدك، تونسك، تبادلك الحديث والمشاعر، تسافر معك، تطبخلك شيئاً يعجبك من الاكلات اللذيذة ... يعني ترد الصوت عليك .
وأكملت ميثا: أنا وشقيقتي فاطمة فيما لو تزوجنا وغادرنا هذا المنزل الكبير ... ستبقى لوحدك ... الابناء (الاولاد) خروجهم من المنزل أكثر من مكوثهم فيه ... أو محتمل تصرف لهم الحكومة منازل وينتقلون إليها تحت ضغط زوجاتهم للأنتقال .

لا تستبقين الاحداث يا ميثا ... قد يحدث كل ما ذكرتيه وقد يحدث بعضهُ وقد أيضاً يحدث الكثير مما نتوقعه ومن لا نتوقعه ... عموماً زوجتي الجديدة قد أيضاً تأتي  ومحتمل لا تأتي ... لا تجعلينا نستبق الزمن والاحداث ... والله كبرتي وسرتِ تتحدثين في اعماق المواضيع والقصص !!

غيرت الموضوع ميثا وقالت: هل تعلم بأنهم افتتحوا ياس مول ... والان نحن سكان خليفة أ بأمكاننا أن نتسوق من ياس مول وأيكيا وأيس ... ونغير جو في نهاية الاسبوع ... يقال بأن سينما ياس مول تحتوي على شاشات او مسارح سينمائية كبيرة خيالية مقارنة مع باقي دور السينما بالدولة ... هذا بالأضافة إلى شركات الموضة وأخر الاصدارات العالمية والماركات الشهيرة .

ههههههه ضحكت وقلت : تقصدين تلك الشركات التي تنشف الجيوب وبطاقات الأتمان ؟؟!! 

الا تلاحظين بأن المؤسسات التجارية تنشأ وتفتتح بشكل سريع مقارنة فيما لو كانت المشاريع خدمية مثلاً ... حدائق للمواطنين ولراحتهم النفسية والوناسة ... هكذا مشاريع تتأخر في التنفيذ أو لا يتم الاهتمام بها ... كم أود أن أرى حديقة جديدة كبيرة تجمع مدينة خليفة أ مع مدينة خليفة ب .... حديقة كبيرة خضراء بزهورها ونوافيرها ومقاهيها ومطاعمها تلم العوائل ... وخصوصاً للجلسات الشتوية الشعبية للأهالي .
لا أود التطرق لأمور الخدمات المتشعبة والتي نتمنى توفرها ... كي لا نُفهم خطأ .

هل هناك نية لزيارة ليوا في هذه الاجواء الشتوية الجميلة؟ الله على تلك الحدب والعراقيب والنقيان والمزارع التي تتخللها ..... أضني تحتاجون أسبوع هناك (لتغيير جو) والانطلاق فوق تلك الطبيعة الغناء .

ميثا: ودنا ولكن هذه فترة الدورات القصيرة المتتالية بالعمل ... وهكذا دورات تكون شبه اللزامية للأنتهاء من برنامج التطوير الذاتي بالعمل حيث أن الترفيع بالدرجات يتوقف على إجتياز كل تلك الدورات وبرامجها .

فعلاً كما تقولين ضمان المستقبل لك وللوطن أهم من الانطلاق فوق الكثبان الرملية باليوا ... وفقكم الله جميعاً ... أما شقيقكِ زايد لديه اجازة طويلة نسبياً بسبب الاجازة المدرسية (الربيع) ونتصاف العام الدراسي .... زايد شرحلي بأنه مُتملل وقال لي بالحرف الواحد بأنه مملوء طاقة وعليه تفريغ كل هذه الطاقة باليوا يا أنه يلعب مع الاصدقاء أو ركوب الدراجات وتل مرعب والتخييم أو ماشابه .... كما تعلمين شباب الخامسة عشر عمراً كلهم حيوية ونشاط ... هههههههه هل تعلمين عن أخر مفاجأة قالها زايد وأضحكتني عشر دقائق ... كان عبارة عن سؤال ... وسؤاله كان (لماذا تزوجون شقيقي عبدالله ولا تزوجوني أنا أيضاً؟!!) ... يا زايد يا أبني يا حبيبي ملحوقة ولا تستعجل، نصيبك من العذاب والزحمة الحياتية قادم لا محالة ... كن صبوراً ... وقد ما تراه قريباً وماتتلمسه من خلال زواج وحياة شقيقك الزوجية سيجعلك تتريث في هذه الخطوة الكبيرة يا زايد ... الصبر جميل ...علينا جميعاً أن نجتهد ونجعل منك رجل نافع في كل شيء ومثقف ومتخرج وصاحب منصب كبير لتتمكن من حمل مسؤولية الزواج وتضاريسه ... وما عليك ألا أن تتجاوب معنا في هذا العمر يا بطل .
أنت فاجأتني وأخوفتني بطلبك هذا ... حقيقة لست أنت فقط من يبحث عن الزوجة ... سنتزوج نحن الاثنان من البنت وأمها يوماً ... أما الان ارجو منك أن تتزوج المدرسة والكتب والمراجعات ... أما الباقي فأنا اوعدك به يا زايد .

ميثا: تضحك على موقف زايد معي ... لا تهتم يا أبي هو يغار من شقيقه عبدالله فقط ... ويرغب في أي شيء يُقدم عليه عبدالله ... ولكن زايد درجاته الدراسية في جميع المواد والامتحانات تفوق درجاتهم جميعاً (عارف وعبدالله) عندما كانوا في عمره ومراحله الدراسية ... لديه قوة في شخصيته وذاكرته ما شالله عليه ... حجمه وطوله يجعل المدرسين أكثر احتراماً لهُ والعكس صحيح مما جعله أكثر ثقة في شخصيته وحتى في الجُمل التي يستعين بها في حديثه مع الاخرين ... ولكنها لم تأتي من فراغ بل أتت من خلال متابعتك لهُ وحرصك على تكوين تلك الشخصية لديه ... كما فعلت مع عبدالله وعارف ... وأيضاً في دفاعك عنه ، كلها وعلى بعضها ولدت لديه شيء إيجابي قلما يتوفر مع منهم في عمره ... والادلة واضحة دون ذكر أسماء .

يا عزيزتي جميعهم يهموننا سوى كان زايد أو غيره من أبناء الوطن ... كم أتمنى أن نراهم في تلك المراكز التي إقتصرت على الاجانب والوافدين في اوطاننا ... وأنا على يغين بأن ذلك اليوم سيأتي سوى طال أم قصر الزمن ... هم رجال المستقبل شئنا أم أبينا يا ميثا .

ميثا: واضح أن عبدالله وزوجته صغار في السن وكلنا نتلمس هذا الشيء ... نحن مجتهدين في دعمهم على المستوى الحياتي وعلى التعليمي ونوفر لهم كل مقومات التشجيع والحياة الكريمة لنبعد عنهم واقع المسؤولية وحقيقتها التراكمية إلى أن يتعودوها ويتأقلموا على بعض أكثر ويكونوا  رابط قوي  بينهم ... ونحن علينا تذليل أي صعاب قد تواجههم في هذه الحياة ... مادام نحن مع بعض وفي نفس المنزل أو البيت .

هذا عشمي فيكم ... أنتم أبناء حلال ... الله يرحم والدتكم ويسكنها فسيح جناته .... يا رب.
أنتم أهل الدار ... أبناء وبنات هذا الوطن الغالي ... أنتم الاصل والفصل ... أنتم لت تتواجدوا على هذه الارض بسبب خيراتها ... بل أنتم وأبائكم وأجدادكم من بنوا هذا الوطن وحموه ... يقبل من يقبل ويرفض من يرفض ... والوطن يزخر اليوم بسبب أبناءه ... وعلى رأسهم والمؤسس المرحوم الشيخ زايد الله يرحمه .

ميثا: قرأت مرة بأن لكل دولة ناجحة أعداء !

وأيضاً يا عزيزتي لكل دولة ناجحة أصدقاء مستمرين ... ولكننا جميعاً نتفق بأن لايوجد أعداء ولا أصدقاء لأي دولة فاشلة .... لأنها معدومة ... هل وضحت الصورة ؟
ولكن ندعو الله أن يحمي الجميع ويحمي هذا الوطن الغالي والعزيز علينا جميعاً .

وللاسف هناك من يعتقد بأن طبيعة هذا الشعب السلمية هي نوع من انواع الضعف ... لأنهم لم يعرفوا السلم في حياتهم او في دولهم فتكون أحكامهم فاقدة للصواب ... نحن لن نغير طبيعتنا كي لا نكون ظالمين مثلهم يا ميثا ... ولكن هذا لن يجعلنا متخاذلين في أتخاذ قرارات حازمة للدفاع عن الوطن .
لو توقفنا قليلاً وأعدنا النظر في حال العالم العربي لشاب شعر رؤوسنا ... والامثلة كثيرة ناظري دول الشام جميعها والعراق واليمن ... حقيقة لم يتبقى بالعالم العربي الا دول الخليج العربي التي تنعم بالسلام والمحبة .

ميثا: ما الذي جعلنا نتطرق لهذا الموضوع ؟

هو الحرص على كل ما بنيناه في هذا الوطن لا أكثر ولا أقل ... أنتِ بينكِ وبين نفسكِ ما رأيك في هذه النجاحات الكبيرة والمستمرة في هذا الوطن الناجح بكل المقاييس ؟

ميثا: أنا لن أجاملك ... الامارات اليوم هي في مصاف الدول المتقدمة وأعلى قليلاً لأسباب كثيرة ... أولها علاقاتها الناجحة مع دول العالم ... وثانياً اعتمادها للحكومة الالكترونيةالمتطورة ... وثالثاً حكامها متطورين ويعتبرون من الاجيال الحديثة التي واكبت العالم الحديث وستشفت منه ما ستشفت لتقدمه لنا نحن كشعب ووطن ، ونحن لا نستغني عنهم أبداً .... وحقيقة حتى الجاليات الاجنبية التي وجدت الامن والامان تشكر وتتمنى الرفعة لهذا الوطن والحكومة ... أما رابعاً إن كنا متابعين جيدين ، فعلى المستوى الاممي او الامم المتحدة وبالمؤسسات العالمية تكونت لنا مصداقية كبيرة تؤهلنا في أعطاء النصح في كل المجالات ... والدليل على ذلك أن أغلب المنظمات التي تعنى بالبيئة (أرينا والطاقة النظيفة والمتجددة العالمية إفتتحت مراكزها الام او الرئيسية هنا لدينا بأبوظبي ... والقادم أكثر ... وسمعت عن خطط تسويقية استراتيجية على مستوى الوزراء والرسمي ... وهاهو سمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجيتنا حفظه الله ... لم يستقر منذ استلم هذا المنصب تقريباً ... وكل يوم هو في دولة أخرى يترجم ويشرح هذه النجاحات .... إن كان هذا الوزير الشيخ بهذا العطاء للوطن فما بالك بالبقية من الوزراء ... والدليل الاخر وزيرة الدولة ريم الهاشمي ... أيضاً لم يتوقف تسويقها للوطن هي وفريقها وتمخض عن هذا التسويق العالمي هو التصويت الذي جرى عن (اكسبو العالمي 2020 سيكون في إمارة دبي) والادلة لا تنتهي في هذا الوطن المتصاعد النجاحات الذي تحول بقدرة قادر وبمتابعة الحكومة المتطورة يومياً إلى محطة عالمية يشهد لها .

بكل هذه المعلومات عن الوطن المتوفرة لديكِ تجعلني أفتخر وأطمأن لكم جميعاً أنتم أبناء هذا الجيل المتحضر .

ميثاء: لم نصل إلى كل هذا دون تدخلكم أنتم الاهل في تعليمنا من البداية يا حضرة الوالد العزيز ... وأنتم مستمرون ونحن نستمر بستمراركم ودعمكم لنا .

يالله أنته بتسفرنا ولا ؟؟ ستستمر هذه السالفة القصيرة ... والتي في ضني لن تنتهي أبداً .

محمد غيث بن مهاه المزروعي .