الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

بنت الفريج .. قصة قصيرة .

قصة بنت الفريج تدور أحداثها بأبوظبي .. منطقة (بعيا) في عام 1935 .

تتنقل بين فرجان بعيا بشبيطتها (الصرة)  وأقراضها المنوعة، من سن العاشرة وهي على هذا المنوال ولم تغيره، وغالباً ما تتلى سيف (الشاطىئ) البحر من الصباح إلى أخر اليوم، وستمرت على هذه العادة إلى أن كبرت وأصبحت في عز شبابها بنت الفريج، أو كما يقال أصبحت عروس (حرمة كاملة)   

فرجان منطقة بعيا شبه متجاورة ولكنها ممتدة على طول الشاطىئ الجميل والرمال البيضاء .
يقال بأن هناك ضيوف قد وصلوا مع القافلة التي وصلت من ليوا بالفريج الخامس، بنت الفريج دائماً تبحث عن الاخبار الجديدة .

تعثرت يديها وهي تفتح الصرة او الشبيطة لأخراج الشيلة الجديدة من شبيطتها، تحاول أن تظهر بأحلا صورة ممكنة أمام الضيوف ... الاخبار السارة هي كثيرة  قالت: يا فرحة والدتي بالاخبار التي سأجلبها لها معي إلى البيت في آخر اليوم ... بنت الفريج تسابق انسحاب موج البحر على الشاطئ، تحاول الوصول قبل الجميع .. قالت: سألبس الشيلة قبل وصولي إليهم .
منذ وصلت يرافقها شعور بأنها محاصرة، مع أن أهم ما يفرحها هو المشاركة في الاعداد والتجهيز للضيوف مع أهل الفريج الخامس والترحيب بهم .. وهذه المشاركات تزيد في شعورها واحساسها بالمسؤولية وتعطيها مساحة أوسع من الانطلاق والحرية .. ولكن في هذا الفريج الخامس الساحلي بالذات وجدت نفسها خائفة ولسبب لم تشأ البوح به وتركته لنفسها .

بعد العصر ستعود إلى فريجها، وستنتهي هذه الحلقة من المشاعر المرتبكة والمتوترة كا حركتي المد والجزر للبحر ... تساءلت: بما أنه لم يعد أمامها سوى ساعات معدودة  قالت: سأنتظر قليلاً وعند العودة حينها سأحظى برفقة أحد أبناء هذا الفريج، كما عادتها صاحبة المنزل قالت لها: عبدالله ريال ويعتمد عليه ... قالت في نفسها بنت الفريج كم كنت أتمنى أن يتحقق هذا اللقاء مع عبدالله، ورددت في داخلها لعلها الصدفة أو الحظ أن يرافقني عبدالله إلى فريجنا ومنزلنا وكم اتمنى أن يتعشى مع والدتي ... ثم طلبت منه والدته أن يرافق بنت الفريج إلى فريجهم والى منزل أهلها كا عرفاناً للمساعدة التي قدمتها بمشاركتها في الاعداد " من تنظيف وتأثيث وطبخ " بمنزلهم ووضع الإبتسامة على وجوه الضيوف .

ثم توجها إلى فريج بنت الفريج .. وهي تقول في داخلها او في سرها: انها حقاً حظوظ أو ارادة الرب تلك التي تجمع بين قلوب البشر .. ومن خلال ذلك المشوار الذي يستغرق ساعة مسيراً على الشاطئ .. قالت بنت الفريج: كأن البحر يحتفل بنا يا عبدالله .. أول جملة تنطق بها بنت الفريج منذُ غادروا منزل عبدالله  بالفريج الخامس، في داخلها كانت تقول كم أود أن احكي لعبدالله عن خصوصياتي وعن ما يجوب في خاطري .

عبدالله شاب ورجل في الثالثة والعشرين من العمر ولهُ تطلعاته ايضاً .. وفي المسير كان عبدالله يستمهلها، ويرفض أن يستغل اندفاعها العفوي .. وبينما هو يشير إلى البحر والموج بالنيزة (أداة صيد القبقب) كان ينوي في طريق عودته اصطياد أكبر عدد من القبقوب ليشارك الضيوف بشيء من فواكه البحر للسهر وللسوالف ... قالت بنت الفريج في سؤالها المتردد والخجول: هل لنا أن نلتقي على شاطئ البحر في اوقات فراغنا الكثيرة؟ رد عبدالله بخجل : كما تشائين يا بنت الفريج .. وأكمل: أنا غالباً أمد الالياخ (شباك الصيد) واعاني الحظرة .. يعني كل وقتي على الشاطئ .. ومؤكداً ستجدينني كل يوم في هذه المناطق ... قالت: ودي اركب معك البانوش ونرفع الشراع ونتنقل بين الجزر .. وبسرها تقول: كم اود أن أخلا بك بعيداً عن الشاطئ المكشوف للجميع .

تمنت تلك الليلة على ذلك الشاطئ أن تنطلق كالطفلة التي تتذكرها حافية فوق الرمال البيضاء .. كلما التفتت إلى عبدالله جذبتها الرمال المستكينة، حتى انها أفلتت إحدى فردتي حذائها (الزنوبة) ... لكنها سرعان ما عادت إلى رصانتها ولبست فردة حذائها .. وتكرر افتلات الزنوبة من قاعدة الحزام البلاستيكي .. ثم قالت في نفسها: إن كلمته الان ولتقينا فلن يكون في الامر خطر أو ورطة .. سنناقش الامور العامة كلها .. وأيضاً أخاف أن يوصلني وينتهي كل شيء .

أوصلها عبدالله إلى منزل والدتها، ثم سمع عبدالله والدت بنت الفريج ترحب به وتحلف أن يهبش من القرص المفروك والخبيص ويتقهوى ... قال عبدالله : كم هي كريمة هذه الوالدة وكم جميل اسلوبها في الترحيب .. والاجمل من كل هذا وذاك ابنتها بنت الفريج ... وقبل أن يغادر اتته والدة بنت الفريج بنصف خيشة جسيف (اسماك مجففة) من اسماك البدح وقالت: هذا الجسيف لوالدتك وعدتها بهِ قبل اسبوعين أن أعطيها هذا الجسيف ، وأباك توصله لها مع الكثير من السلام .. ورد عبدالله: إنشالله يا خالتي .

بنت الفريج تعبت من المشاوير ومساعدة الغير وستلقت بعريشها إلى أن راحت في نوم عميق .. ثم حلمت بنومها: تسمع أثناء نومها صوتاً مألوفاً يناديها، بالرغم من أنها الفته ولكن لا تستطيع أن تتبين إن كان لإمها أو لإبيها ... ويستمر الحلم .. تتابع مشيها وغير قادرة على الالتفاف إلى الوراء او الخلف إلى مصدر الصوت موحية أنها لا تسمع، متهربة من الاوامر والتحذيرات التي تلاحقها ... تسرع خطوها تعدو تركض، والصوت يستمر بالاتصاق بظهرها ... تتحول النداءات إلى رعب حقيقي إذ يعلو صداها ويتكرر عشرات الاضعاف .. وهي هاربة في حلمها تتعثر بقطعة خشب كبيرة وتدمي أصابع قدمها وتقع ... وهنا تفيق وتستجمع أنفاسها وتضغط على قلبها الشارد من الخوف  .

في لحظات من حلمها كانت ترى عبدالله يزورهم في اليوم التالي ومعه ندبة من والدته لوالدة بنت الفريج، أي ندبة مقابل ندبه .. وهذه المقطع من الحلم بدد ما مرت فيه  بحلمها أو الياثوم المخيف والمرعب .

وفي صباح اليوم التالي كانت بنت الفريج تفطر مع والدتها مما توفر .. حليب، قرص، تمر، قهوة .. أما والدتها كانت تقول منشلة (خيط صيد السمك متعدد الميادير مربوط بالبداية وبالنهاية) صيد السمك من أمس يا الغالية بالبحر ولم نتفرغ لنتشالها لنظهر ونفك ما فيها من أسماك، عليكِ اظهار الاسماك قبل أن تفسد وتخيس، على الله يكون اودامنا من هذه الاسماك طيب اليوم .. ردت بنت الفريج على والدتها: كل لقمة أكلها معاكِ يا والدتي العزيزة هي أطيب لقمة في الدنيا .. مول لا تخافين ولا تحاتين (لاتشغلي بالك) إذا ما صادت المنشلة أنا با مد الليخ، وبانتغدأ هذاك البدح الطيب وغيره .

وفي الصبح العود (الصباح المتأخر) أو قبل الضحى، بنت الفريج بالبحر تظهر الاسماك من المنشلة، ترمي مافسد من الاسماك وتبقي على النظيف والطازة ... واثناء ماهي منشغلة بالاسماك ووالدتها منشغلة بترتيب المنزل والاستعداد بالمطبخ .. وصل عبدالله على ظهر البعير (الجمل) "المنفلت" وتعني (المُقدام) وعندما سمعت بنت الفريج الجمل وهو يرغو علمت بأن عبدالله صاحب ذلك البعير .. اقتنعت بأن حلمها يتحقق .. عبدالله نوخ البعير (أجلس البعير) أمام المنزل وانزل الشبيطة الكبيرة (الصُرة الكبيرة) مع حزمة أيضاً كبيرة من الاخشاب للضو ولأشعال النار للطبخ وللتدفئة ولغيره .. وشكرته والدة بنت الفريج، ثم جلست مع الصرة الكبيرة وفكت رباطها او تلك العقدة الكبيرة وهي تردد ماشالله ما شالله، كان بتلك الشبيطة عباة وقطع من القماش الكيمري بوتيلة وبوطير وصراويل وبدلهن زري (أخر حواشيهن من الزري) وهناك صرار صغير وبه ادوية خيلة، مرة ، لبان مع مضرب طيب (حاوية صغيرة للعطر) مخلط، زعفران ودهن العود وورد ومسك، مع برقعين شيلة هندية لماعة .. ثم استسمحها عبدالله بالذهاب إلى بنت الفريج لمساعدتها في مد الليخ (مد الشبك) بالبحر، وإظهار المنشلة الشايرة (عالقة بالصخور .

التقى عبدالله ببنت الفريج على أجمل شاطئ بحري بالعالم، وقف على بعد مسافة وحياها، ثم ردت بنت الفريج عليه التحية .. وسألها عن ماذا تفعل في هذا البحر أو مع تلك الاسماك؟  ولكنه وفي قرارة نفسه هو مطمئن لهذه البنت .. ويقول في نفسه: من يتزوج هذه البنت لن يعاني من شيء في حياته بشؤون المنزل والاولاد .. فعلاً هي حرمة عن عشرين رجل .

وكان يعلم جيداً إنها كانت تتهرب منه بسبب الحشمة والخجل والمنقود والسمعة، ثم سألها: أليس البحر بارد عليكِ يا بنت الفريج؟ بسبب أنه رأى أطرافها في اهتزاز ورتجاف مستمر بسبب البرد .... حاول عبدالله في إطالة مساعدته لها، مد الليخ ، وتجميع الاسماك الكثيرة ... ثم قال فجأة: اطلبي ما تشائين، وسأحقق لكِ كل أمانيكِ التي تتمنينها؟ 

قالت بنت الفريج: أنت تعلم يا عبدالله أن أي بنت في عمري كل تمنياتها لا تتعدى الزواج من ابن الحلال الذي يرضيها ويعيش كل العمر معها وفتح البيت مع تكوين الاسرة هذا كل شيء تقريباً .. لا توجد مطالب أخرى لدى بنت في عمري عدى ما ذكرت لك .

ثم كرر السؤال عبدالله: هل لديك اماني أخرى تتمنين أن تتحقق غير الزواج والاسرة؟ "بتكرار عبدالله لهذه الاسئلة هو حقيقة يدرس شخصيتها ومدى نباهتها للحياة" 

قالت: أن يكون الحظ والتوفيق حليفي في حياتي، وزوال الظلم والفقر عن البشر، وأن ارى الكل سعيداً في حياته، وأن يعم الخير هذا الوطن الغالي ... ثم قالت: والقليل من الذهب ولقماش (الؤلؤ)   رد عبدالله: أها يعني تتمنين أن يكون كنز وهو يضحك ... قالت: لا ليس بحجم الكنز يا عبدالله .. ولكن بحجم طموحاتي الصغيرة فقط، لأنه ليس لدينا ما نشتريه، ولكن يقال بأنه ضمان للمستقبل وللاولاد وللحياة عموماً .
"كل هذا الرد من بنت الفريج يرفع قيمتها عند عبدالله"
وفجأة قال عبدالله: هيا نعاني الليخ مرة أخيرة قبل أن نخرجه من البحر ... واثناء ما هم يعانون الليخ داس عبدالله على لخمة صغيرة وحصل على ضربة من تلك اللخمة (نوع من الاسماك لهُ ذيل وشوك) كان عبدالله محظوظ ، الضربة لم تكن مباشرة ولم يُصب بالشوكة ... سمعت بنت الفريج تلك الصرخة المدوية وهو خائف من اللخمة، وفجأة ضحكت بنت الفريج بصوت عالي، كأنها لم تضحك هكذا منذ طفولتها ، لأنها لم ترى أو تسمع شاب أو رجل يصرخ بهذا الصوت العالي .. كانت تجربة جديدة على بنت الفريج، ثم سمعت عبدالله يستحلفها بأن لا تتحدث عن الموضوع إلى أي إنسان، حتى لو كان والدتها .. ردت بنت الفريج: فالك طيب يا عبدالله ما بخبر حد، أدري أنه فضيحة لو دروا بالموضوع ههههههه ... أطمأن عبدالله لغزر وعي بنت الفريج في هكذا امور فاضحة ومفشلة .

فجأة خرجت بنت الفريج من البحر، ومشت بهدووء كأنها تنتظر أن يلحق بها .. لكنها بعد  عدة خطوات نسيت وجوده تماماً ... وراحت تدندن وتتهادى وجلست على الرمل الابيض سيف البحر الجميل، وبدأت ترسم بأصبعها الشمس والغيم والقمر والنجوم وطيوراً بعيدة ... أثناء ما هي منشغلة بالرسم كان عبدالله يوصل الاسماك إلى والدة بنت الفريج، التي تفاجأت بكمية الاسماك ثم قالت لعبدالله: أنا وابنتي تسدنا (تكفينا) ثلاث سمكات أما الباقي عليك أخذه معك إلى والدتك ووالدك والضيوف، إن بقى عندنا فسيفسد .. قال عبدالله: في هذه الحالة لابد من عمل مشكاك سمك (أي أن تتعلق الاسماك بخيط) بعيداً عن الرمل إلى أن يصل بها إلى والدته، ولكن الان عليه أن يذهب إلى بنت الفريج على شاطئ ليودعها، بعد أن وصل إليها على الشاطئ تفاجأ بحجم اللوحة المرسومة على الشاطئ لهُ ... قالت بنت الفريج: هل عجبتك هذه اللوحة، هذه اللوحة أو الرسمة هي هديتي لك يا عبدالله، كما تعلم نحن في سنة 1935 وبعيدين عن الاسواق بمنطقة بعيا بأبوظبي، ولا لكانت هديتك سفرة أو شال وخزام مذهب او خنجر ذهبية تليق بك يا شيخ الشباب ... ثم هرولت إلى البحر تغسل يديها عن التراب .. وعادت وجلست على الشاطئ وبدأت ترسم من جديد .. قال عبدالله: ألم تغسلي يديك قبل قليل؟! قالت: غسلتهم لترى أناملي فقط، وبعد أن رأيتهم الان لا حرج في أن اعاود الرسم يا عبدالله .
"في نفسها تقول: كم أود أن يبقى معي أطول مدة ممكنة"

ثم قالت: إنها امنية قديمة، عمرها وعمري واحد .. كيف أختصر لك عمري؟  أمسكت حفنة من رمال الشاطئ وراحت تذروها فوق كف يده، ثم تابعت منذ زمن وأنا اتمنى ابن الحلال الي يخطفني من الوالدة بالحلال إلى دار الزوجية يا عبدالله، أنا سمعت بأنك تبحث عن زوجة مخلصة لك ولبيتك، ثم تلعثم عبدالله وبدأت اصابع يديه ترتجف "ثم قال في نفسه: كنت تبحث عن فرصة لفتح الموضوع، هاهي الفرصة أتتك من الرب هدية لك بعد تلك اللوحة الجميلة والكبيرة على الشاطئ وكل تلك الاشارات التي جعلتك تتمنى بنت الفريج .. والفرصة أتت بطلب من بنت الفريج نفسها"

ثم قال لها عبدالله: حقيقة إن كانت هذه رغبتكِ بالزواج بي فثقي بأنني لها وكنت منذ زمن وأنا أخطط للحصول على فرصة الانفراد بكِ لأطرح عليكِ الفكرة، ولكن كما تعلمين ثقافتنا تختلف ولا توجد جراءة للبوح بما في الصدور من حب، أما هذه المرة عندما أتت منكِ، كأنكِ وضعتي القمر والنجوم بيدي وليست حفنة التراب تلك ... ثم وقفت بنت الفريج وقالت: الامر الان معلق بك ولك ، حتى أخذ القرار وتعيين الزمن (الموعد) مفتوح أيضاً، وأرجو أن لا يطيل كي لا يأتي آخر ويخطبني ... وقفت وأمسك بيدها يدعوها للبقاء .. ولكنها قاومت .. فوقف هو وأمسك ذراعيها بيديه وقال: (يستمهلها) لحظة أخرى  قالت: لا .. أرجوك لا أود الاطالة على والدتي ... أما رسالتي فقد وصلتك .. طلب منها البقاء معه قليلاً .. هي تعلم بأنه يحبها ولكن لا تعرف ظروفه أو مدى استعداده لهذه الخطوة الكبيرة، 
"ثم قالت في داخلها: أنا وحدي التي وصلت لهذا العمر المناسب للزواج، من سبقني تزوجن ومنهن أصغر عني فهن في اعمار صغيرة جداً لا تسمح لهن بالزواج، إذاً أنا الانسب لهُ" 

تأسفت لهُ لعدم مقدرتها البقاء وغادرت لمساعدة والدتها واشعال الحطب .. عندما كانت تغادرهُ مسرعة كانت تقصد أن لا يرى تلك الدمعة اللأيلة للسقوط .. ثم بلعت تلك الدمعة .. "وفي نفسها قالت: أه أه ليتني ابقى العمر كله معك يا عبدالله وليتني اتقدم أنا لخطبتك"

فكرت قليلاً وبتسمت .. تتسائل قائلة: هل أنا مجنونة به ؟!! أيعقل أن أكون في هذه الدرجة من الحب بعبدالله؟ معليش سأطلب من (بن مهاه) أن يضع نهاية سعيدة لقصتي هذه ... أما الان سأترك أمري لله وحده وسأمارس حياتي .. اليوم سأساعد والدتي .

تبعها عبدالله إلى داخل المنزل ورفع صوته مودعاً والدة بنت الفريج، ثم صاح على البعير (المنفلت) ووقف البعير المنفلت ثم انطلق مسرعاً إلى فريجهم في عجل، لأن المنفلت يعرف مسار منزل صاحبه وفريجه .

مرت عشرة أيام على زيارة عبدالله لهم، وبنت الفريج قللت من زيارتها للفرجان الاخرى غير العادة او خلقت لنفسها اشغالٍ تشغلها عن الزيارات ، وشغلت نفسها بأمور البيت والصيد والاغنام .

كانت الزيارات الكبيرة للفرجان تتم عبر المراكب حتى لو كانت الفرجان على نفس الساحل او الشاطئ .. وخصوصاً للحريم (النساء الكبار) يصل المركب بالعادة إلى أمام المنزل المقصود تماماً ومباشرة وينزل الضيوف إلى البيت المقصود او المراد زيارته.

وبعد مرور عشرة أيام أخرى .. فعلاً وصل محمل (مركب متوسط) إلى أمام منزلهم ثم خرجت والدة بنت الفريج ترحب بالضيوف كالعادة المتبعة، بالمركب ثلاث حريم وطفل كان يقود المحمل بالشراع أو يوجه مساره كما يفعل كل الاطفال في عمره .

وكانت أول النازلين من المركب هي أم عبدالله، إلى تلك اللحظة والدة بنت الفريج لم تعلم ماهي المناسبة "وقالت في نفسها: لعلها بسبب تبادل الشبايط والاسماك" ثم سمعت أم عبدالله تقول يا مرحبا بالغالية وأم الغالية "هذه الجملة كشفت الغطاء عن موضوع الزيارة" ووالدة بنت الفريج بدورها ردت: حياكِ الله يا ختية (اختي) من سرتي لين ييتي (من مغادرتك لمنزلكِ إلى أن وصلتي عندنا)

بنت الفريج من خلال جريد العريش (مبنى المنزل من سعف النخيل والخيام) تراقب الزوار وعندما رأت والدة عبدالله عرفتها .. لأنها تعرفهم أثناء مساعدتها لهم عندما قدموا الضيوف من ليوا .. نعم تتذكر الصوت والشكل .. وعندها استشعرت بنت الفريج بأن هذه الزيارة لطلب يدها لإبنهم عبدالله .. ارتبكت، وبتسمت، وفرحت، وبكت محتارة، ثم سمعت صوت والدتها يُناديها .. يالغالية لقمي لدلال نبا قهوة يديدة (تعني قومي بعمل قهوة جديدة) للضيوف وضيفي فيها من الهيل والزعفران لين تقول بس .. بنت الفريج مرتبكة جداً استغرقها الوقت خمس دقائق للوصول للبن لعمل القهوة واهي التي تعلم أين مكانه ، وعلى الجهة الاخرى من النار وضعت القرص والخبيص والعصيد ووضعت كمية كبيرة من تمر الدباس ثم دخلت بنت الفريج عليهم بالسرود العود وفرشته وقامت تسوق فيه من لفوالة (المأكولات الترحيبية) إلى أن أمتلاء ، ثم وزعت عليهم كاسات الورشو مملوئة بحليب الماعز المصفى والطازة .. ثم بدأت في تقبيل الضيوف ومن الربكة قبلت والدتها معاهن .. وأم عبدالله تردد يا لله فديتها الغالية مازينها من بنية (ما أجملها من بنت) يا فرحتك يا عبدالله بالغزال "تقصد بنت الفريج" .. وأكملت نحن يا يين نخطب بنت الفريج المزيونة والغاوية لعبدالله ولديه (ابني) ... ردت والدة بنت الفريج: عبدالله شرى ولديه (مثل ابني) وانتي اختيه وبنت الفريج بنتكم .. ووين باتلقى مثل عبدالله فديته .. إلا أمس ياب الندبة والحطب على ظهر لبعير المفتلت ... ردت والدة عبدالله عيل (إذا) عقب اسبوع ولا أكثر شوي بييكم والد عبدالله ولمطوع سيف بايملكون والزهبة معهم (الزهبة أدوات العروس مع مهرها واغراضها ... أما الدخلة والعرس متى بقيتم أنتم وأنتم تحددون موعد الدخلة .

بنت الفريج تقول في داخلها: كم أنت كريم يا رب، ها أنا أُخطب اليوم وغداً عروس في أحضان عبدالله حبيبي، وبعدين شو با سوي (ماذا سأفعل) ... فرحة غامرة .. أطير أرقص، هل هو حلم أم علم؟ يا الله يا رب تحفظ لي عبدالله طول العمر .

سألتها والدة عبدالله : ودي أعرف يا بنتي يا بنت الفريج إذا فعلاً خاطركِ بأبني عبدالله؟ اود سماعها منك يالغالية؟ لم تسكت بنت الفريج كما تفعل البنات غالباً، ردت على أم عبدالله : والله يا خالتية (خالتي) هذا فريجنا وهذا منزلنا، والمنطقة كلها .. لا يوجد بها أي شاب يمكن أن يطلب يد أي بنت ما عدى ابنكِ عبدالله، وعبدالله ماشالله عليه وسيم ومزيون وعاقل ويتحمل المسؤوليات .. الله يحط لبركة فيه ويخليه لكِ وللفرجان جميعاً ببعيا .. وعبدالله شهم وريال .. وهذا كل ما تطلبه الحرمة في ريلها (بزوجها)
بعد أن سمعت أم عبدالله هذا الرد تأكد لديها الخبر بأن بنت الفريج غير مرتبطة بأحد ولا يوجد بقلبها أي شاب أو رجل ... ثم قالت أم عبدالله في نفسها: "بمجرد وصولي لأبوعبدالله سأخبره بما سمعته من بنت الفريج" .... ثم قالت أم عبدالله: الان نطلب السموحة منكم بنعطن (سنعود قبل أن نتأخر) إلى فريجنا وبيوتنا .. وبوعبدالله يتريا (ينتظر) الخبر السعيد والي بيفرحه أبو الغالي .. جزاكم الله خير .. ونتظروا الخبر السعيد .. وهي مغادرة قالت بصوت مسموع يالله يارب اتوفقهم وتفرحنا بهم وبعيالهم يا رب ... ثم سمعت والدة بنت الفريج تردد أمين أمين أمين .

ورتفع الشراع وغادرت أم عبدالله إلى منزلها وزوجها وكان منظر مغادرة محمل أم عبدالله جميل جداً وهي تصفق لنجاح مهمتها أو ترسل اشارة التأكيد والتأييد لوالدة بنت الفريج .

والدة بنت الفريج : تعالي يا بنتي أنا في علم ولا في حلم، الربع لفونا خطابة، أم عبدالله من زمان ما جد يتنا أو مبطية ما زارتنا، وفجأة زيارة وخطبة معاً، الله يوفقكِ يا ابنتي الغالية، كما قال والدكِ يوماً الحياة توافيق من الله، والله سبحانه وتعالى يقيسها بمقياسه الخاص عز وجل ، وهذه إرادته سبحانه يا بنتي ... أنا يا أمك أدري يوم زارنا عبدالله ساعدكِ على مد الليخ وشل عنكِ الاسماك، لكنكِ لم تخبريني شو قال لكِ وشو قلتي لهُ؟ بنت الفريج تقول: سوالفنا كانت عن البحر وعن الصيد وسألني عن منهُ علمني على كل هذا، وقلت لهُ الوالدة ... بس أضني شاف وسمع الذرابة والحشمة في كلامي وعرف أني أقدر أن ادير أي منزل وأن أحافظ على عيالي (أطفالي)  مستقبلاً .. وكل هذه السوالف كونت عنده فكرة طيبة وممتازة عني .. وأضني قال في خاطره هذه الحرمة أو لبنية الي اتمناها تكون زوجة لي ، ويستحسن أن استعيل (استعجل) وأخطبها قبل لا يتقدم أحد غيري ويخطفها مني .

والدة بنت الفريج: صدقتي يا بنتي ريال (رجل) الله يبارك فيه ويعرف لي شاف الحرمة الي تناسبه اتقدم لها وطلب يدها .. لكن يا بنتي ما شوفكِ فرحانة لهذه المناسبة السعيدة؟ قالت بنت الفريج: أنا فرحانة ومب مصدقة الي يجري ويحدث لي ، شيء غريب لم يسبق وختبرته في حياتي يالوالدة الغالية، لكني يالوالدة أنا بنتكِ ولم أعش أي خبرة زواج أو خطبة وغيرها .. ولكني بعد زواجي بأسبوع سأخبركِ إن كنت سعيدة بهذا الزواج  بوجودي مع عبدالله ، أما الان فما ادري شاقول .. ولكني متفاجأة مثلكِ وأكثر لأني أنا المقصودة في كل هذه الزفة الموعودة ... الوالدة: خبريني باتسكنين عندي ولا عندهم؟  بنت الفريج بسكن وين بايسكن ريلي (زوجي) مثل ما سوى أبويه (والدي) معكِ أنتِ ... ولا تفتكرين ما بخليكِ لوحدك أبداً يا أمي الغالية والعزيزة ... والحلول كثيرة .

والدة بنت الفريج: أيه أيه والدكِ الله يرحمه غير، رجل يختلف عن الجميع، راعي (صاحب) مكارم وصاحب غوص وصاحب صيد ومطوع يقرأ للاطفال وصاحب قلب كبير، لكن ما تم (لم يبقى) توفى ونتِ صغيرة الله يرحمه ... بعد زواجكِ قولي او إقترحي أو شوري على عبدالله يبنيلكِ منزل عدال (بجانب) منزلنا، على اساس أن أمكِ وحيدة وبتونسينها عن الوحدة التي تعانيها .. وعندما تحملين بطفل مالكِ إلا والدتكِ التي ستحاضيكِ وتغسل وتنظف  ... بنت الفريج: فديتج  يا أماية (يا والدتي) يالغالية .. والله لو تنطبق السماء على الارض لن أتخلى عنكِ .

عدا أول أسبوع وتبعتها ثلاثة أيام .. وبنت الفريج تحسب .

والدة بنت الفريج تقول : ياربي شلي أخرهم؟ طافت ثلاثة أيام على الموعد، إنشالله خير .. وفي صباح اليوم الرابع بعد الاسبوع وصل محمل بوعبدالله وفيه خمسة رجال ... بوعبدالله وعبدالله المعرس والمطوع (المليك) ولشهود .... صدقتي يا ابنتي، اسمعي عليكِ بالمطبخ القرص جاهز .. باقي العصيد والخبيص والمحلى واللقيمات يا بنتي، استعيلي (استعجلي)

المليك المليج بعد فنيال (فنجان) القهوة يسأل أين ولي أمرها؟ أبوعبدالله : لا يوجد سوى والدتها .. المليك: لا يجوز .. أبوعبدالله أنا والد المعرس وبمثابة عمها .. المليك في هذه الحالة وبما أن الهدف شريف ونظيف نتوكل على الله ونمشي بالموضوع ... ولشهود حاضرين بو خماس وبو يمعة (جمعة) ... كتب اسماء الجميع وسأل عن مهر بنت الفريج .. ثم قال أبوعبدالله: خمس غنمات ومرية ذهب من والدة عبدالله (كانت تستعملها والدة عبدالله من أول يوم زواجها وتخلت عنها لبنت الفريج زوجة إبنها عبدالله الغالي)  ... ثم إنتقل المليك إلى المطبخ يسأل بنت الفريج : ياسلام فوحة الاكل طيبة، متى باتغرفون؟ أنا من يومين ماذقت عيشة .. ردت بنت الفريج: فالك طيب يا عمي ، قال لحظة: خبريني ما عندكِ مانع في الزواج من عبدالله ، وأنتي غير مغصوبة عليه ؟ قالت: لا أنا غير مغصوبة عليه أنا أتمناه فديته .. قال المليك: هذا يكفي عن الف جملة ستقال بالمستقبل والف مبروك يا إبنتي .. وبعد دقائق انتهت مرحلة كتب الكتاب ... ثم قال بوعبدالله : مبروك يالوالدة، من هذه اللحظة عبدالله ريل (رجل) ابنتكِ على سنة الله ورسوله وتوفيقه .. ثم أطلقت والدة بنت الفريج لولوشتها أو يهلولتها الطويلة سمعتها بنت الفريج وهي بالمطبخ وقالت: حنجرة أمي لا تزال قوية  .

بعد لفوالة قال أبوعبدالله: الزفة بعد شهر عند موعد القفال وعودة اشقائي وابناء الفرجان، الذين سيحظرون الحربيات (أناشيد الفرح بالزواج) والزفة (دخول العريس على عروسته) ليكون الحفل شاهداً على زواج ابني عبدالله وإشهار للزواج بأذن الله .. ولكن إنزاركم عبدالله فلهُ الحق بزيارة زوجته والتحدث معها في أمور الحياة .

 والدة بنت الفريج: يا بويه عبدالله شرى ولدنا وبيتنا بيته ولبنية حليلته على سنة الله ورسوله، ونحن ودنا بشوفته الغالي  .

أبوعبدالله: يا ولدي يا عبدالله الف مبروك، ولبنية اتوفى أبوها وعمرها خمس سنوات ومن ذلك الزمن حقيقة ونحن جميعاً ابوتها ولعبها وهي صغيرة بين الفرجان وعلى شاطئ البحر كان يعطي منطقتنا (بعيا) روح وحياة نعم وكنا نخاف عليها، لأن والدها الله يرحمه لهُ معروف على كل أهل بعيا، لم يقصر فينا جميعاً لذلك نحن نكن لهذه البنية كل محبة أبوية، تماماً كأنها ابنتنا .. تذكر الدخلة يوم الزفة، أما السوالف والمجالسة مع والدتها فكل ذلك لك الحق به ... عبدالله: فالك طيب يالوالد .. شورك وهداية الله . 

ثم قال والد عبدالله: أسمع يا ولدي بأذن الله بعد زواجك بشهرين عليك الاستعداد لدخول البحر معنا لأنك كونت اسرة وعليك إعالتها من الغوص، والغوص هو مصدر دخلنا الوحيد يا ابني، وجميعنا مرينا بما تمر أنت بهِ في هذا الوقت، وتذكر أيضاً الله سبحانه  سيرزقك بالاطفال .. وبوجودهم سيزيد الحُمل عليك، ولكني واثق بأنك قادر على كل الامور والصعاب، لأنك تربيتي، قوتك وشبابك ووعيك للامور سيكون لهم دور كبير جداً وبتوفيق الرب عز وجل ، ويوماً ستكبر عائلتك وسيكبرون أبنائك وسيتعلمون الغوص كما علمتك، إلا إن تغيرت الاحوال وخفت هذه الاحمال والضغوطات على البشر .

عدى الشهر ووصل موعد الزفة، زفة عبدالله على بنت الفريج، وتخلل هذا الموعد أيضاً وصول العوائل من ليوا، لأسباب قرب موعد الغوص الرسمي للرجال والشباب ، كان أبوعبدالله يعلم بأن كل هذه المجاميع ستصل لبعيا استعداداً لموسم الغوص، وكان توقيته ممتاز ليحضروا مناسبة زواج عبدالله من بنت الفريج .. طلب أبو عبدالله عقر أو ذبح عشرة جمال واربعون من الخرفان، لتتناسب الكمية مع المعازيم، وكل أهل بعيا وجزر الياسات العالي ووالدوني والبعض من سكان جزيرة المخراق وتوصية أهل لعديد من لقبيسات والمحاربة والمزاريع ومن ودهم يشاركون بالغوص أو العرس عليهم ببعيا، أما في بيت العروس الحريم من يومين هناك الكل يساعد والكل يحني بالحناء .. أما الملابس الجديدة لا أول لها ولا تالي ابو تيلة وبوطير وبوقصر .. والذهب لماع على صدورهن، والروائح من دهن العود والزعفران والعنبر ولمحلب على عجايفهن يفوح، ثم انتقل النشاط إلى جانب منزل العروس، نُقلت الاخشاب والقدور الكبيرة وبُنيت بعض الخيام للضيوف ... وفجأة سمعن الحريم وقت العصر أول صوت للحربية للرجال بجانب منزل العروس بنت الفريج، وزادت تلك الحربية (غناء ودبيك الرجال) احتفالاً بالمناسبة السعيدة، نعم زادت تلك الحربية .. يصيح بالكلمات تقول : يا عرب ما تقبضونه ولدكم ، نسيت أخر الكلمات ، ولكنها كانت معبرة عن فرحة لم نعهدها لزمن طويل ، عموماً استمرت الافراح لثلاثة أيام متتالية لأسباب يعلمها أبو عبدالله بمنطقة ابعيا .. وأتى اليوم الموعود .. بعد العشاء الحريم تُنادي المعرس (العريس) للدخول، ودخل عبدالله على بنت الفريج، ثم رأى ملكة جمال بعيا .. غير تلك تلك التي جلس معها على شاطئ البحر، أكثر تألقاً أكثر تعديلاً أكثر خجلاً أكثر هدووءاً ، روائح الطيب والبخور، صحيح المنزل عرشان (من سعف النخيل) إلا أنه أجمل من أحلى فيلا اليوم ، المنازل بمن سكنها وليس بشكلها أو بحجمها ... عبدالله متوتر وهي متوترة وخجول .. بادر عبدالله بالكلام عن المستقبل وعن الغوص بأن عليه الاعتماد على نفسه وليس على أبيه ، وبنت الفريج لا تنطق بحرف شفة، ثم وضع عبدالله يده على كتف بنت الفريج، ثم ابتعدت هي بدورها عن يده، استشعر عبدالله تلك ردت الفعل منها، ثم قال في داخله " توقعت هذا الشئ وسأترك المقزاء ليوم آخر أو يومين حسب الظروف إلى أن تتعود علي، ومن ثم لن تمانع اللمسة الاولى والقبلة وكل ما يدور بين الزوجة وزوجها .

صباح اليوم التالي: عبدالله يُقبل والدة بنت الفريج على رأسها ويسألها عن الحال وعن كيف كانت حفلة العرس أمس ، ردت أم العروس: ما قصرتوا يعله عرسٍ مبارك والحق على عيالكم وكحل عيوني بشوفتهم فديتهم يا رب ... عبدالله : أمين يا رب ويسمع منكِ .. أم العروس : إلا أخبار العروس يا ولديه عبدالله .. عبدالله تركتها راقده ، برايها حقيقة هي مارقدت (لم تنم) أبداً المسكينة برايها تعني (دعوها) تنام وترتاح، وأنا ودي أتقطط بالمياه الباردة والمنعشة بالبحر، ... أم العروس برايك يا ولديه .... بعد لحظات: دخلت أم العروس على إبنتها العروس تُصبح عليها وتسألها عن كيف سارت الامور بالليلة أو بليلة الدخلة؟  ردت العروس: لا شيء أو لم يحدث شيء، حقيقة عبدالله وضع يده على كتفي  وابتعدت أنا عنه ثم قال الايام القليلة القادمة ستتعودين علي، ونام على الفراش الثاني ولم يقترب مني إلى أن صحى وخرج .. والدة العروس: مسكين وطيب هذا الشاب، ابن حلال، مر علي الصبح وخذ فنيال قهوة وقال با يتغطط بالبحر شوي ... أنزين الحين قومي أتريقي (أفطري) وسيري لهُ (اذهبي إليه) وسولفي معهُ ولعبي، تعودي عليه ليتعود عليكِ، ضروري تأخذين عليه (أي تتعودين على زوجكِ وتتقربين منه) لأنه يالغالية ريلك (زوجك) ومثل ما خبرتيني: ما عندكم إلا شهرين وبايدخل البحر لخمسة شهور، الشهرين وين تسد يا بنتي .. الله يرحم والدكِ (أبوكِ) تزوجني بعد موسم الغوص  مباشرة وهات يا حياة زوجية فعالة متواصلة .. ولا غادرت زوجي إلى أي مكان أنا يتيمة، لكن أبوكِ مر على الخضر واليابس في حياته الزوجية معي الف الف رحمة عليه .. اسمعيني لا تخلين الايام تطوف ، استقليها هوياه (معه) ليل نهار .. وأنا أمك يالغالية ... اسمعيني زين الليلة الاولى دواء للعروس (علاج نافع) وابويه عليج !! أه ليت الزمن يعود ... وتكمل والدة العروس: قومي تريقي وسيري لهُ وتغططي معهُ بالبحر، وما وصيج على السوالف الزينة معاه ... العروس: معاه؟  أم العروس : نعم معاه عيل مع السمك .. يالله دهديه (أستعجلي) قبل لا يحط في خاطره زوجكِ .

العروس أو بنت الفريج: لبست كندورتها الجديمة (القديمة) وعمداً لم تلبس ما تحت الكندورة، وكنادير زمان قطن، أو بالمحلي تُسمى كيمري (قطن ناعم) وخرجت من عريشها أقصد من منزلها إلى البحر إلى زوجها .. وبمجرد أن اقتربت منه رمت بجسدها الناعم والمشدود عليه وهي تضحك .. ولم يصدق عبدالله أو الزوج مايحدث ، ثم احاطت بيديها أو ذراعيها عليه وقبلته عشرات القُبل التي حرقت وبددت كل ما دار في فكرهُ من افكار شينة .. ثم بادر هو بأعادة القُبل بالقُبل والاحتضان بالاحتضان .. وإلا بيديه تتعجل ملامسة جسدها المشدود والناعم طبيعياً بسبب النشاط المستمر على البحر والسيف، وبأمكانه أن يتحسس كل تفاصيل جسدها، من قدميها إلى أُذنيها ... العروس : هذا ما وصتني أمي به، أن أتركه يفعل ما يشاء بي كما قالت، ولم يتبقى سوى شهرين من المتعة قبل أن يغادرني زوجي حبيبي .

المعرس لم يصدق هذا الاستسلام !! هل هو بسبب البحر الذي نحن فيه أم أن والدتها أوصتها بشيء، أما بعد أن عرفت بأننا لم نطعم العسل بعد ... عموماً شكراً لها ... ثم قال في داخله: لعل أن يكون العسل بين الاسماك أجمل ... نحن حياتُنا كلها بحرفي بحر ، سأحاول اسحب هذه الكندورة .. العروس والمعرس بالبحر والمعرس يحاول استلهام العروس وسحب ملابسها عنها وما شابه .. لا اعرف ردة فعلها العروس في استسلام كامل ثم قال: سأكتفي بالتقبيل وعندما تعود للعريش او للمنزل سيكون كل اليوم لي والعروس ستفهم متطلباتي وهي مبتسمة وأنا أحبها وهي تحبني وتفقنا على التكوين العائلي وللمنزل وللعائلة ... 
العروس لا تتكلم ولا ترد مستمرة ببتسامتها معه .
مستمرين بالبحر إلى أن وصلت الساعة الواحدة ظهراً، ثم سمعت العروس والدتها تُنادي عليهم للغداء .. وفجأة نطقت العروس رداً على صوت والدتها .. بعد ساعة بنرد (سنعود) للمنزل ... ابتسم عبدالله وقال في داخله: العروس مبسوطة وستهوت الوضع والجو ومطر القُبل، وهذا تطور إيجابي لله الحمد، يعني انتهينا من العقد والتمنع .. استمروا بالبحر إلى الساعة الثانية والثالثة إلى الرابعة والنصف عصراً، ثم قرروا العودة للمنزل، هي تقدمت المعرس بالخروج من البحر، المعرس يناظرها وكل ثيابها خرسانة (مبللة) وهي تمشي ومتجهة إلى العريش، ولكن تركيز العريس، الزوج على تفاصيل ذلك الجسد الممشوق بكل تفاصيله التي اسرت عقل عبدالله الذي لم يدخل دنيا في حياته ولا يعرفها، كأنهُ يرى ملاك الحب يتقدمهُ إلى فراش أخر حدود الحب ومتعته، إلى جنة الازواج إلى النهر العسلي الموعود، نعم يمشي خلفها وكل ذرة بجسده ترتجف وتترقب وترتقب لحظة الفراش، لم يتبقى سوى خمسون خطوة ونصل عريش الحب عريش الحلم الحقيقي يقول في داخله .. ثم استشعر بأن ذلك الجسد يُناديه يستحلفهُ الاستعجال ليكتشف كل تلك التفاصيل والتضاريس بشهية .. اليست حلالهُ؟ ثم دخلوا العريش وأقفلوا الباب عني وعنكم .

اليوم التالي: اكتشفت أم العروس بأن الجانب الاخر من العريش قد انهار ونكسر، استغربت والدة العروس وقالت: لم تكن هناك رياح الشمال، جونا دوق، إذاً ما الذي كسر هذه الدفعة (جانب العريش)؟! المسكينة لم يخطر على بالها تلك العواصف والقوة مصدرها من سكنوا العريش، ولولا الخجل لنهار العريش بالكامل ... سألتهم أم العروس بأن جزاً من العريش قد انهار وسقط .. تناظروا وضحكوا العرسان، ثم رمقت العروس المعرس بنظرة يشوبها العتاب، وكأنها تقول: ماذا فعلت بي يا حبيبي عبدالله ... والدة العروس على الفطور المتأخر تُناظر ابنتها وتقول: كأن حشرةٌ ما لدقتكِ بكل أجزاء رقبتكِ يالغالية ... خجلت العروس وغطت رقبتها بالشيلة، ثم رد الزوج : أظني هذا لدغ الفنقل (حشرات البحر) وهو مبتسم .. ثم قال: وين دلة القهوة؟ احتاج لفجانً منها .. ليبعد تركيز الوالدة عن علامات قُبل الحب .

ردت والدة العروس: بسم الله، الدلة أمامك مباشرة يا عبدالله يا ولدي ! كيف لم تراها؟ وضحكت العروس ثم ضحك عبدالله وقال: كل هذا من ضربة الشمس، أمس طولنا بالبحر يا خالتي .. ردت أم العروس: شمس بعيا قوية وتحملوا منها (احذروها)

فطروا جميعاً ثم قالت العروس: يالوالدة اتفقنا أنا وريلي (زوجي) عبدالله ... سمعت الوالدة كلمة ريلي وبتسمت، عرفت بأن يومهم الثاني كان اليوم الموعود، وعلمت بأن ابنتها استمعت لنصائحها .
ثم أكملت العروس : اتفقنا على أن نبني منزلنا بجانب منزلكِ يا الوالدة، لأني ضروري أكون بجانبكِ لأرعاكِ .. لايوجد من يرعاكِ ويهتم بكِ إن غادرت أنا هذا المنزل .. ترد الوالد: الله سبحانه وتعالى معي ومع الجميع .. من يوم فقدت والدكِ يا بنتي وليس من اليوم ... قالت العروس: نحن اتفقنا وخلاص، وبعدين هناك أشيا وايد (كثيرة) أباكِ تعلميني أياها في الحياة، ولا اروم (أقدر) أن أفارقكِ، ثم بكت العروس نصف ساعة، إلى أن قالت الوالدة: ما عليه (طيب) سوولكم بويت منزل صغير عداليه (بجانبي) في الذرى.

وبعد مرور أسبوع كالعادة يذهب العريس بزوجته أو العروس إلى منزل أهل العريس ليومين أو ثلاثة وثم يقررون أين تكون المحطة التالية .. العريس أو عبدالله موجهاً كلامه إلى والدهُ ووالدتهُ : شرايكم يا الاهل بفكرة أنا أبني بيت لي ولزوجتي بالقرب من منزل خالتي حمدة أم العروس، يحليلها (المسكينة) وحيدة وما عندها حد يعابلها (يخدمها) وأنا بعد شهرين سأغادر مع الوالد إلى الغوص ... ردت أم عبدالله: جزاك الله خير يا ولديه، هذه الحرمة خيرة، ولا سمعنا أنها أذت حد وخايفة الله ويحتاي حد يونسها، ويساعدها على صيد لودام (الاسماك من البحرلها) ويصلح منزلها لي طاحت ادعونه يا ولديه .. وتكمل أم عبدالله: طيبتك هذه أخذتها من أبوك، الله يحط لبركة فيك وفيه ... في حوي البيت ثلاثون دعن، خذهن وجمع اليزوا (جماعة من الربع) يساعدونك في البناء .. نعم تستاهل بنت الفريج المنزل اليديد (الجديد) والله يبارك لها فيه .. أه يوم بشوف عيالهم تلعب وتعيش فيه يا بو عبدالله .... أمين يا أم عبدالله .

عدت الشهرين كأنها لحظات من العمر .

ابو عبدالله أعطى أوامره للرجال المعروفين لديه للاستعداد لدخول البحر، وطلب من ابنه عبدالله البحث عن من وصل من ليوا لينظم معهم قبل التحرك، وتجهيز المحامل (المراكب) الكبيرة بكل اللوازم والضروريات مع الكثير من قلال ويرب التمر .

مرت ثلاث سنوات على هذا المنوال، عبدالله محدثاً أبيه: سمعنا أن لدى جارتنا السعودية شيئ جديد واستخرجوه من تحت الارض ويسمى الزيت أو النفط، ويقال بأن هذه المادة غالية الثمن وتدر الكثير من الاموال ... ابو عبدالله: هذا عندهم أما نحن عندنا هذا البحر وصيد الؤلؤ وهو أيضاً يدر الخير علينا، وها نحن مبسوطين لله الحمد .. التمر باليوا وايد والمخازن ملأى بالخيرات والحلال وايد وكثير من جمال و أغنام ومن أسماك مجففة .. مرة بالبر ومرات بجانب البحر هنا ببعيا وبالصير وبالياسات وبدلما وبالعديد لله الحمد .. عبدالله: مدري شاقولك يا الوالد عقب قولك هذا .. صحيح نحن في خير .. ولكن يقول المثل زيادة الخير خيرين .... أبو عبدالله: تعال معي لترى بعينك .. وادخلهُ المخزن الخاص ببوعبدالله ..عبدالله مستغرب: شو كل هذا الحبوب ، الحِبْ (حاويات الماء)؟ قال أبوعبدالله:  صحيح هذه حبوب الماء، ولكن في هذا المخزن لها دور آخر وهو لحفظ الاموال، الاريل (العملات المعدنية) واكمل ابوعبدالله: هناك عشرين حِبْ ملأى بهذه الاموال، وحقيقة نحن لسنى في حاجة لها، لأننا مكتفن ذاتياً يا ابني، فلا تستمع يا أبني للقيل والقال، يعني خيرنا وايد، وهذا كله لك بالمستقبل، وأرجو أن توعدني بأنك ستضيف الكثير منها في هذا المخزن الخاص بعد مغادرتي للحياة ... رد عبدالله: بعد عمرٍ طويل يالوالد ... حقيقة مالنا إلا أنت .

بنت الفريج بعد هذه السنوات الاربع توفيت والدتها وحظيت بمولودة بنت هي الاخرى جميلة عمرها سنتان تلعب وتركض على الشاطئ كما كانت تفعل والدتها عندما كانت في عمرها .

الخروج الخامس إلى البحر: كانت طلعة موفقة، بها الكثير من الصيد للؤلؤ، ولكن هذه الطلعة خسرت بعض الغاصة (الغواصين) توفي تسعة منهم رجال ومن ضمنهم عبدالله ابن ابو عبدالله أو زوج بنت الفريج ووالد الطفلة الصغيرة .. خسرته العائلة .

بعد خمسة شهور عادت المجموعة من البحر، ثم طلب ابوعبدالله مقابلة بنت الفريج ليشرح لها ماذا حدث بالضبط لزوجها المرحوم عبدالله : هي علمت بوفاة زوجها عبدالله من خلال تناقل الاخبار بالفريج .. ولكنها لم تعلم كيف تمت الوفاة، ولأي سبب، وهل كانت اهمال من البحارة او من النوخذا او من سوء نوعية المعدات (الحبال) التي يُسحب بها الغيص (الغواص) ، المهم قالت لنفسها علي الذهاب لمقابلة عمي بو عبدالله للوقوف على الخبر اليقين بالضبط، يوماً سأشرح لأبنتي كيف مات والدها ولأي سبب .. هل هي موتة مشرفة أم هو أهمال وتهور، كل ذلك علي فهمه، والان علي الذهاب إلى منزل ابوعبدالله لمعرفة الخبر .

ابوعبدالله: تعالي يا إبنتي لأخبركِ بماذا حدث بالضبط وكيف تمت الحادثة، بعد أن توفوا خمسة من الرجال على مدى اسبوع، أكتشف زوجك عبدالله بأن السبب يعود لنوعية الحبال الجديدة، هذه الحبال تشير (تشتبك بالصخور) وتتشربك وتتقطع عند الشد والسحب .. وعند أخر حالة وفاة بسبب انقطاع الحبل قفز زوجكِ عبدالله لينقذ ابو عتيج من الموت، إلا أن الموقع كان عميقاً، أي أن الاوكسجين يكفي الرجل للوصول إلى القاع ومؤكداً لا يكفيه للخروج بدون السحب السريع والقوي .. ومن كان على ظهر المحمل من السيب طبعاً لا يعلمون ماذا يحدث تحت الماء .. ولكن مؤكداً السبب هو هذه النوعية من الحبال الهندية الردية (نوعية غير جيدة) .. ويكمل ابوعبدالله بعد أن احتسى فنيال قهوة: هذه النوعية من الحبال غير مفروكة بشكل جيد بسبب سرعة التصدير، وعندما تتبلل بالبحر تفقد جودتها .

بنت الفريج وابنتها الصغير ودمعتها على خدها ، وأم عبدالله في بكاء من يومين والحزن يلف بعيا بأبوظبي .

ثم قالت بنت الفريج: لا يوجد منهو محصن من غدر البحر ولكن سيأتي اليوم الذي فيه ستتوقف هذه الطلعات البحرية والغوص القاتل ... وصدق حدسها فعلاً: توافدت شركات النفط العالمية على الخليج، وتحول الغواصين إلى موظفين ومرشدين وقباطنة لتلك السفن والتكات البحرية ومعرفين للمناطق العميقة من الضحلة، ومشرفين مخازن ... وكانت هذه الشركات تدفع لهم رواتب ممتازة بشكل شهري .. يعني دخل جيد يحفظ لهم كرامتهم ويبقيهم بعيداً عن الاخطار والغوص القاتل .

بنت الفريج تقول: أنا أمت برب العباد ولالي ولا للأبنتي إلا هو عز وجل، ومن اليوم سأقوم على تربية أبنتي الغالية علي ... وارجو من بن مهاه الكاتب أن يسميها بمنت الفريج الثانية بالقصة ... الان نحن في عام 1938 .

هذا العام 1938 يعني أن بنت الفريج الثانية قد تكون والدتي أو ولدتك أنت او والدة أحد القراء المحترمين .. وقد تكون في الثمانين من العمر .

وهكذا انتهينا من قصة بنت الفريج على أمل أن نلتقي بأحدى القصص عن الحياة والبيئة بأبوظبي الجميلة والحبيبة والغالية داري ومرباي .... والسموحة .

 محمد غيث بن مهاه المزروعي .