الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

بنت الفريج .. قصة قصيرة .

قصة بنت الفريج تدور أحداثها بأبوظبي .. منطقة (بعيا) في عام 1935 .

تتنقل بين فرجان بعيا بشبيطتها (الصرة)  وأقراضها المنوعة، من سن العاشرة وهي على هذا المنوال ولم تغيره، وغالباً ما تتلى سيف (الشاطىئ) البحر من الصباح إلى أخر اليوم، وستمرت على هذه العادة إلى أن كبرت وأصبحت في عز شبابها بنت الفريج، أو كما يقال أصبحت عروس (حرمة كاملة)   

فرجان منطقة بعيا شبه متجاورة ولكنها ممتدة على طول الشاطىئ الجميل والرمال البيضاء .
يقال بأن هناك ضيوف قد وصلوا مع القافلة التي وصلت من ليوا بالفريج الخامس، بنت الفريج دائماً تبحث عن الاخبار الجديدة .

تعثرت يديها وهي تفتح الصرة او الشبيطة لأخراج الشيلة الجديدة من شبيطتها، تحاول أن تظهر بأحلا صورة ممكنة أمام الضيوف ... الاخبار السارة هي كثيرة  قالت: يا فرحة والدتي بالاخبار التي سأجلبها لها معي إلى البيت في آخر اليوم ... بنت الفريج تسابق انسحاب موج البحر على الشاطئ، تحاول الوصول قبل الجميع .. قالت: سألبس الشيلة قبل وصولي إليهم .
منذ وصلت يرافقها شعور بأنها محاصرة، مع أن أهم ما يفرحها هو المشاركة في الاعداد والتجهيز للضيوف مع أهل الفريج الخامس والترحيب بهم .. وهذه المشاركات تزيد في شعورها واحساسها بالمسؤولية وتعطيها مساحة أوسع من الانطلاق والحرية .. ولكن في هذا الفريج الخامس الساحلي بالذات وجدت نفسها خائفة ولسبب لم تشأ البوح به وتركته لنفسها .

بعد العصر ستعود إلى فريجها، وستنتهي هذه الحلقة من المشاعر المرتبكة والمتوترة كا حركتي المد والجزر للبحر ... تساءلت: بما أنه لم يعد أمامها سوى ساعات معدودة  قالت: سأنتظر قليلاً وعند العودة حينها سأحظى برفقة أحد أبناء هذا الفريج، كما عادتها صاحبة المنزل قالت لها: عبدالله ريال ويعتمد عليه ... قالت في نفسها بنت الفريج كم كنت أتمنى أن يتحقق هذا اللقاء مع عبدالله، ورددت في داخلها لعلها الصدفة أو الحظ أن يرافقني عبدالله إلى فريجنا ومنزلنا وكم اتمنى أن يتعشى مع والدتي ... ثم طلبت منه والدته أن يرافق بنت الفريج إلى فريجهم والى منزل أهلها كا عرفاناً للمساعدة التي قدمتها بمشاركتها في الاعداد " من تنظيف وتأثيث وطبخ " بمنزلهم ووضع الإبتسامة على وجوه الضيوف .

ثم توجها إلى فريج بنت الفريج .. وهي تقول في داخلها او في سرها: انها حقاً حظوظ أو ارادة الرب تلك التي تجمع بين قلوب البشر .. ومن خلال ذلك المشوار الذي يستغرق ساعة مسيراً على الشاطئ .. قالت بنت الفريج: كأن البحر يحتفل بنا يا عبدالله .. أول جملة تنطق بها بنت الفريج منذُ غادروا منزل عبدالله  بالفريج الخامس، في داخلها كانت تقول كم أود أن احكي لعبدالله عن خصوصياتي وعن ما يجوب في خاطري .

عبدالله شاب ورجل في الثالثة والعشرين من العمر ولهُ تطلعاته ايضاً .. وفي المسير كان عبدالله يستمهلها، ويرفض أن يستغل اندفاعها العفوي .. وبينما هو يشير إلى البحر والموج بالنيزة (أداة صيد القبقب) كان ينوي في طريق عودته اصطياد أكبر عدد من القبقوب ليشارك الضيوف بشيء من فواكه البحر للسهر وللسوالف ... قالت بنت الفريج في سؤالها المتردد والخجول: هل لنا أن نلتقي على شاطئ البحر في اوقات فراغنا الكثيرة؟ رد عبدالله بخجل : كما تشائين يا بنت الفريج .. وأكمل: أنا غالباً أمد الالياخ (شباك الصيد) واعاني الحظرة .. يعني كل وقتي على الشاطئ .. ومؤكداً ستجدينني كل يوم في هذه المناطق ... قالت: ودي اركب معك البانوش ونرفع الشراع ونتنقل بين الجزر .. وبسرها تقول: كم اود أن أخلا بك بعيداً عن الشاطئ المكشوف للجميع .

تمنت تلك الليلة على ذلك الشاطئ أن تنطلق كالطفلة التي تتذكرها حافية فوق الرمال البيضاء .. كلما التفتت إلى عبدالله جذبتها الرمال المستكينة، حتى انها أفلتت إحدى فردتي حذائها (الزنوبة) ... لكنها سرعان ما عادت إلى رصانتها ولبست فردة حذائها .. وتكرر افتلات الزنوبة من قاعدة الحزام البلاستيكي .. ثم قالت في نفسها: إن كلمته الان ولتقينا فلن يكون في الامر خطر أو ورطة .. سنناقش الامور العامة كلها .. وأيضاً أخاف أن يوصلني وينتهي كل شيء .

أوصلها عبدالله إلى منزل والدتها، ثم سمع عبدالله والدت بنت الفريج ترحب به وتحلف أن يهبش من القرص المفروك والخبيص ويتقهوى ... قال عبدالله : كم هي كريمة هذه الوالدة وكم جميل اسلوبها في الترحيب .. والاجمل من كل هذا وذاك ابنتها بنت الفريج ... وقبل أن يغادر اتته والدة بنت الفريج بنصف خيشة جسيف (اسماك مجففة) من اسماك البدح وقالت: هذا الجسيف لوالدتك وعدتها بهِ قبل اسبوعين أن أعطيها هذا الجسيف ، وأباك توصله لها مع الكثير من السلام .. ورد عبدالله: إنشالله يا خالتي .

بنت الفريج تعبت من المشاوير ومساعدة الغير وستلقت بعريشها إلى أن راحت في نوم عميق .. ثم حلمت بنومها: تسمع أثناء نومها صوتاً مألوفاً يناديها، بالرغم من أنها الفته ولكن لا تستطيع أن تتبين إن كان لإمها أو لإبيها ... ويستمر الحلم .. تتابع مشيها وغير قادرة على الالتفاف إلى الوراء او الخلف إلى مصدر الصوت موحية أنها لا تسمع، متهربة من الاوامر والتحذيرات التي تلاحقها ... تسرع خطوها تعدو تركض، والصوت يستمر بالاتصاق بظهرها ... تتحول النداءات إلى رعب حقيقي إذ يعلو صداها ويتكرر عشرات الاضعاف .. وهي هاربة في حلمها تتعثر بقطعة خشب كبيرة وتدمي أصابع قدمها وتقع ... وهنا تفيق وتستجمع أنفاسها وتضغط على قلبها الشارد من الخوف  .

في لحظات من حلمها كانت ترى عبدالله يزورهم في اليوم التالي ومعه ندبة من والدته لوالدة بنت الفريج، أي ندبة مقابل ندبه .. وهذه المقطع من الحلم بدد ما مرت فيه  بحلمها أو الياثوم المخيف والمرعب .

وفي صباح اليوم التالي كانت بنت الفريج تفطر مع والدتها مما توفر .. حليب، قرص، تمر، قهوة .. أما والدتها كانت تقول منشلة (خيط صيد السمك متعدد الميادير مربوط بالبداية وبالنهاية) صيد السمك من أمس يا الغالية بالبحر ولم نتفرغ لنتشالها لنظهر ونفك ما فيها من أسماك، عليكِ اظهار الاسماك قبل أن تفسد وتخيس، على الله يكون اودامنا من هذه الاسماك طيب اليوم .. ردت بنت الفريج على والدتها: كل لقمة أكلها معاكِ يا والدتي العزيزة هي أطيب لقمة في الدنيا .. مول لا تخافين ولا تحاتين (لاتشغلي بالك) إذا ما صادت المنشلة أنا با مد الليخ، وبانتغدأ هذاك البدح الطيب وغيره .

وفي الصبح العود (الصباح المتأخر) أو قبل الضحى، بنت الفريج بالبحر تظهر الاسماك من المنشلة، ترمي مافسد من الاسماك وتبقي على النظيف والطازة ... واثناء ماهي منشغلة بالاسماك ووالدتها منشغلة بترتيب المنزل والاستعداد بالمطبخ .. وصل عبدالله على ظهر البعير (الجمل) "المنفلت" وتعني (المُقدام) وعندما سمعت بنت الفريج الجمل وهو يرغو علمت بأن عبدالله صاحب ذلك البعير .. اقتنعت بأن حلمها يتحقق .. عبدالله نوخ البعير (أجلس البعير) أمام المنزل وانزل الشبيطة الكبيرة (الصُرة الكبيرة) مع حزمة أيضاً كبيرة من الاخشاب للضو ولأشعال النار للطبخ وللتدفئة ولغيره .. وشكرته والدة بنت الفريج، ثم جلست مع الصرة الكبيرة وفكت رباطها او تلك العقدة الكبيرة وهي تردد ماشالله ما شالله، كان بتلك الشبيطة عباة وقطع من القماش الكيمري بوتيلة وبوطير وصراويل وبدلهن زري (أخر حواشيهن من الزري) وهناك صرار صغير وبه ادوية خيلة، مرة ، لبان مع مضرب طيب (حاوية صغيرة للعطر) مخلط، زعفران ودهن العود وورد ومسك، مع برقعين شيلة هندية لماعة .. ثم استسمحها عبدالله بالذهاب إلى بنت الفريج لمساعدتها في مد الليخ (مد الشبك) بالبحر، وإظهار المنشلة الشايرة (عالقة بالصخور .

التقى عبدالله ببنت الفريج على أجمل شاطئ بحري بالعالم، وقف على بعد مسافة وحياها، ثم ردت بنت الفريج عليه التحية .. وسألها عن ماذا تفعل في هذا البحر أو مع تلك الاسماك؟  ولكنه وفي قرارة نفسه هو مطمئن لهذه البنت .. ويقول في نفسه: من يتزوج هذه البنت لن يعاني من شيء في حياته بشؤون المنزل والاولاد .. فعلاً هي حرمة عن عشرين رجل .

وكان يعلم جيداً إنها كانت تتهرب منه بسبب الحشمة والخجل والمنقود والسمعة، ثم سألها: أليس البحر بارد عليكِ يا بنت الفريج؟ بسبب أنه رأى أطرافها في اهتزاز ورتجاف مستمر بسبب البرد .... حاول عبدالله في إطالة مساعدته لها، مد الليخ ، وتجميع الاسماك الكثيرة ... ثم قال فجأة: اطلبي ما تشائين، وسأحقق لكِ كل أمانيكِ التي تتمنينها؟ 

قالت بنت الفريج: أنت تعلم يا عبدالله أن أي بنت في عمري كل تمنياتها لا تتعدى الزواج من ابن الحلال الذي يرضيها ويعيش كل العمر معها وفتح البيت مع تكوين الاسرة هذا كل شيء تقريباً .. لا توجد مطالب أخرى لدى بنت في عمري عدى ما ذكرت لك .

ثم كرر السؤال عبدالله: هل لديك اماني أخرى تتمنين أن تتحقق غير الزواج والاسرة؟ "بتكرار عبدالله لهذه الاسئلة هو حقيقة يدرس شخصيتها ومدى نباهتها للحياة" 

قالت: أن يكون الحظ والتوفيق حليفي في حياتي، وزوال الظلم والفقر عن البشر، وأن ارى الكل سعيداً في حياته، وأن يعم الخير هذا الوطن الغالي ... ثم قالت: والقليل من الذهب ولقماش (الؤلؤ)   رد عبدالله: أها يعني تتمنين أن يكون كنز وهو يضحك ... قالت: لا ليس بحجم الكنز يا عبدالله .. ولكن بحجم طموحاتي الصغيرة فقط، لأنه ليس لدينا ما نشتريه، ولكن يقال بأنه ضمان للمستقبل وللاولاد وللحياة عموماً .
"كل هذا الرد من بنت الفريج يرفع قيمتها عند عبدالله"
وفجأة قال عبدالله: هيا نعاني الليخ مرة أخيرة قبل أن نخرجه من البحر ... واثناء ما هم يعانون الليخ داس عبدالله على لخمة صغيرة وحصل على ضربة من تلك اللخمة (نوع من الاسماك لهُ ذيل وشوك) كان عبدالله محظوظ ، الضربة لم تكن مباشرة ولم يُصب بالشوكة ... سمعت بنت الفريج تلك الصرخة المدوية وهو خائف من اللخمة، وفجأة ضحكت بنت الفريج بصوت عالي، كأنها لم تضحك هكذا منذ طفولتها ، لأنها لم ترى أو تسمع شاب أو رجل يصرخ بهذا الصوت العالي .. كانت تجربة جديدة على بنت الفريج، ثم سمعت عبدالله يستحلفها بأن لا تتحدث عن الموضوع إلى أي إنسان، حتى لو كان والدتها .. ردت بنت الفريج: فالك طيب يا عبدالله ما بخبر حد، أدري أنه فضيحة لو دروا بالموضوع ههههههه ... أطمأن عبدالله لغزر وعي بنت الفريج في هكذا امور فاضحة ومفشلة .

فجأة خرجت بنت الفريج من البحر، ومشت بهدووء كأنها تنتظر أن يلحق بها .. لكنها بعد  عدة خطوات نسيت وجوده تماماً ... وراحت تدندن وتتهادى وجلست على الرمل الابيض سيف البحر الجميل، وبدأت ترسم بأصبعها الشمس والغيم والقمر والنجوم وطيوراً بعيدة ... أثناء ما هي منشغلة بالرسم كان عبدالله يوصل الاسماك إلى والدة بنت الفريج، التي تفاجأت بكمية الاسماك ثم قالت لعبدالله: أنا وابنتي تسدنا (تكفينا) ثلاث سمكات أما الباقي عليك أخذه معك إلى والدتك ووالدك والضيوف، إن بقى عندنا فسيفسد .. قال عبدالله: في هذه الحالة لابد من عمل مشكاك سمك (أي أن تتعلق الاسماك بخيط) بعيداً عن الرمل إلى أن يصل بها إلى والدته، ولكن الان عليه أن يذهب إلى بنت الفريج على شاطئ ليودعها، بعد أن وصل إليها على الشاطئ تفاجأ بحجم اللوحة المرسومة على الشاطئ لهُ ... قالت بنت الفريج: هل عجبتك هذه اللوحة، هذه اللوحة أو الرسمة هي هديتي لك يا عبدالله، كما تعلم نحن في سنة 1935 وبعيدين عن الاسواق بمنطقة بعيا بأبوظبي، ولا لكانت هديتك سفرة أو شال وخزام مذهب او خنجر ذهبية تليق بك يا شيخ الشباب ... ثم هرولت إلى البحر تغسل يديها عن التراب .. وعادت وجلست على الشاطئ وبدأت ترسم من جديد .. قال عبدالله: ألم تغسلي يديك قبل قليل؟! قالت: غسلتهم لترى أناملي فقط، وبعد أن رأيتهم الان لا حرج في أن اعاود الرسم يا عبدالله .
"في نفسها تقول: كم أود أن يبقى معي أطول مدة ممكنة"

ثم قالت: إنها امنية قديمة، عمرها وعمري واحد .. كيف أختصر لك عمري؟  أمسكت حفنة من رمال الشاطئ وراحت تذروها فوق كف يده، ثم تابعت منذ زمن وأنا اتمنى ابن الحلال الي يخطفني من الوالدة بالحلال إلى دار الزوجية يا عبدالله، أنا سمعت بأنك تبحث عن زوجة مخلصة لك ولبيتك، ثم تلعثم عبدالله وبدأت اصابع يديه ترتجف "ثم قال في نفسه: كنت تبحث عن فرصة لفتح الموضوع، هاهي الفرصة أتتك من الرب هدية لك بعد تلك اللوحة الجميلة والكبيرة على الشاطئ وكل تلك الاشارات التي جعلتك تتمنى بنت الفريج .. والفرصة أتت بطلب من بنت الفريج نفسها"

ثم قال لها عبدالله: حقيقة إن كانت هذه رغبتكِ بالزواج بي فثقي بأنني لها وكنت منذ زمن وأنا أخطط للحصول على فرصة الانفراد بكِ لأطرح عليكِ الفكرة، ولكن كما تعلمين ثقافتنا تختلف ولا توجد جراءة للبوح بما في الصدور من حب، أما هذه المرة عندما أتت منكِ، كأنكِ وضعتي القمر والنجوم بيدي وليست حفنة التراب تلك ... ثم وقفت بنت الفريج وقالت: الامر الان معلق بك ولك ، حتى أخذ القرار وتعيين الزمن (الموعد) مفتوح أيضاً، وأرجو أن لا يطيل كي لا يأتي آخر ويخطبني ... وقفت وأمسك بيدها يدعوها للبقاء .. ولكنها قاومت .. فوقف هو وأمسك ذراعيها بيديه وقال: (يستمهلها) لحظة أخرى  قالت: لا .. أرجوك لا أود الاطالة على والدتي ... أما رسالتي فقد وصلتك .. طلب منها البقاء معه قليلاً .. هي تعلم بأنه يحبها ولكن لا تعرف ظروفه أو مدى استعداده لهذه الخطوة الكبيرة، 
"ثم قالت في داخلها: أنا وحدي التي وصلت لهذا العمر المناسب للزواج، من سبقني تزوجن ومنهن أصغر عني فهن في اعمار صغيرة جداً لا تسمح لهن بالزواج، إذاً أنا الانسب لهُ" 

تأسفت لهُ لعدم مقدرتها البقاء وغادرت لمساعدة والدتها واشعال الحطب .. عندما كانت تغادرهُ مسرعة كانت تقصد أن لا يرى تلك الدمعة اللأيلة للسقوط .. ثم بلعت تلك الدمعة .. "وفي نفسها قالت: أه أه ليتني ابقى العمر كله معك يا عبدالله وليتني اتقدم أنا لخطبتك"

فكرت قليلاً وبتسمت .. تتسائل قائلة: هل أنا مجنونة به ؟!! أيعقل أن أكون في هذه الدرجة من الحب بعبدالله؟ معليش سأطلب من (بن مهاه) أن يضع نهاية سعيدة لقصتي هذه ... أما الان سأترك أمري لله وحده وسأمارس حياتي .. اليوم سأساعد والدتي .

تبعها عبدالله إلى داخل المنزل ورفع صوته مودعاً والدة بنت الفريج، ثم صاح على البعير (المنفلت) ووقف البعير المنفلت ثم انطلق مسرعاً إلى فريجهم في عجل، لأن المنفلت يعرف مسار منزل صاحبه وفريجه .

مرت عشرة أيام على زيارة عبدالله لهم، وبنت الفريج قللت من زيارتها للفرجان الاخرى غير العادة او خلقت لنفسها اشغالٍ تشغلها عن الزيارات ، وشغلت نفسها بأمور البيت والصيد والاغنام .

كانت الزيارات الكبيرة للفرجان تتم عبر المراكب حتى لو كانت الفرجان على نفس الساحل او الشاطئ .. وخصوصاً للحريم (النساء الكبار) يصل المركب بالعادة إلى أمام المنزل المقصود تماماً ومباشرة وينزل الضيوف إلى البيت المقصود او المراد زيارته.

وبعد مرور عشرة أيام أخرى .. فعلاً وصل محمل (مركب متوسط) إلى أمام منزلهم ثم خرجت والدة بنت الفريج ترحب بالضيوف كالعادة المتبعة، بالمركب ثلاث حريم وطفل كان يقود المحمل بالشراع أو يوجه مساره كما يفعل كل الاطفال في عمره .

وكانت أول النازلين من المركب هي أم عبدالله، إلى تلك اللحظة والدة بنت الفريج لم تعلم ماهي المناسبة "وقالت في نفسها: لعلها بسبب تبادل الشبايط والاسماك" ثم سمعت أم عبدالله تقول يا مرحبا بالغالية وأم الغالية "هذه الجملة كشفت الغطاء عن موضوع الزيارة" ووالدة بنت الفريج بدورها ردت: حياكِ الله يا ختية (اختي) من سرتي لين ييتي (من مغادرتك لمنزلكِ إلى أن وصلتي عندنا)

بنت الفريج من خلال جريد العريش (مبنى المنزل من سعف النخيل والخيام) تراقب الزوار وعندما رأت والدة عبدالله عرفتها .. لأنها تعرفهم أثناء مساعدتها لهم عندما قدموا الضيوف من ليوا .. نعم تتذكر الصوت والشكل .. وعندها استشعرت بنت الفريج بأن هذه الزيارة لطلب يدها لإبنهم عبدالله .. ارتبكت، وبتسمت، وفرحت، وبكت محتارة، ثم سمعت صوت والدتها يُناديها .. يالغالية لقمي لدلال نبا قهوة يديدة (تعني قومي بعمل قهوة جديدة) للضيوف وضيفي فيها من الهيل والزعفران لين تقول بس .. بنت الفريج مرتبكة جداً استغرقها الوقت خمس دقائق للوصول للبن لعمل القهوة واهي التي تعلم أين مكانه ، وعلى الجهة الاخرى من النار وضعت القرص والخبيص والعصيد ووضعت كمية كبيرة من تمر الدباس ثم دخلت بنت الفريج عليهم بالسرود العود وفرشته وقامت تسوق فيه من لفوالة (المأكولات الترحيبية) إلى أن أمتلاء ، ثم وزعت عليهم كاسات الورشو مملوئة بحليب الماعز المصفى والطازة .. ثم بدأت في تقبيل الضيوف ومن الربكة قبلت والدتها معاهن .. وأم عبدالله تردد يا لله فديتها الغالية مازينها من بنية (ما أجملها من بنت) يا فرحتك يا عبدالله بالغزال "تقصد بنت الفريج" .. وأكملت نحن يا يين نخطب بنت الفريج المزيونة والغاوية لعبدالله ولديه (ابني) ... ردت والدة بنت الفريج: عبدالله شرى ولديه (مثل ابني) وانتي اختيه وبنت الفريج بنتكم .. ووين باتلقى مثل عبدالله فديته .. إلا أمس ياب الندبة والحطب على ظهر لبعير المفتلت ... ردت والدة عبدالله عيل (إذا) عقب اسبوع ولا أكثر شوي بييكم والد عبدالله ولمطوع سيف بايملكون والزهبة معهم (الزهبة أدوات العروس مع مهرها واغراضها ... أما الدخلة والعرس متى بقيتم أنتم وأنتم تحددون موعد الدخلة .

بنت الفريج تقول في داخلها: كم أنت كريم يا رب، ها أنا أُخطب اليوم وغداً عروس في أحضان عبدالله حبيبي، وبعدين شو با سوي (ماذا سأفعل) ... فرحة غامرة .. أطير أرقص، هل هو حلم أم علم؟ يا الله يا رب تحفظ لي عبدالله طول العمر .

سألتها والدة عبدالله : ودي أعرف يا بنتي يا بنت الفريج إذا فعلاً خاطركِ بأبني عبدالله؟ اود سماعها منك يالغالية؟ لم تسكت بنت الفريج كما تفعل البنات غالباً، ردت على أم عبدالله : والله يا خالتية (خالتي) هذا فريجنا وهذا منزلنا، والمنطقة كلها .. لا يوجد بها أي شاب يمكن أن يطلب يد أي بنت ما عدى ابنكِ عبدالله، وعبدالله ماشالله عليه وسيم ومزيون وعاقل ويتحمل المسؤوليات .. الله يحط لبركة فيه ويخليه لكِ وللفرجان جميعاً ببعيا .. وعبدالله شهم وريال .. وهذا كل ما تطلبه الحرمة في ريلها (بزوجها)
بعد أن سمعت أم عبدالله هذا الرد تأكد لديها الخبر بأن بنت الفريج غير مرتبطة بأحد ولا يوجد بقلبها أي شاب أو رجل ... ثم قالت أم عبدالله في نفسها: "بمجرد وصولي لأبوعبدالله سأخبره بما سمعته من بنت الفريج" .... ثم قالت أم عبدالله: الان نطلب السموحة منكم بنعطن (سنعود قبل أن نتأخر) إلى فريجنا وبيوتنا .. وبوعبدالله يتريا (ينتظر) الخبر السعيد والي بيفرحه أبو الغالي .. جزاكم الله خير .. ونتظروا الخبر السعيد .. وهي مغادرة قالت بصوت مسموع يالله يارب اتوفقهم وتفرحنا بهم وبعيالهم يا رب ... ثم سمعت والدة بنت الفريج تردد أمين أمين أمين .

ورتفع الشراع وغادرت أم عبدالله إلى منزلها وزوجها وكان منظر مغادرة محمل أم عبدالله جميل جداً وهي تصفق لنجاح مهمتها أو ترسل اشارة التأكيد والتأييد لوالدة بنت الفريج .

والدة بنت الفريج : تعالي يا بنتي أنا في علم ولا في حلم، الربع لفونا خطابة، أم عبدالله من زمان ما جد يتنا أو مبطية ما زارتنا، وفجأة زيارة وخطبة معاً، الله يوفقكِ يا ابنتي الغالية، كما قال والدكِ يوماً الحياة توافيق من الله، والله سبحانه وتعالى يقيسها بمقياسه الخاص عز وجل ، وهذه إرادته سبحانه يا بنتي ... أنا يا أمك أدري يوم زارنا عبدالله ساعدكِ على مد الليخ وشل عنكِ الاسماك، لكنكِ لم تخبريني شو قال لكِ وشو قلتي لهُ؟ بنت الفريج تقول: سوالفنا كانت عن البحر وعن الصيد وسألني عن منهُ علمني على كل هذا، وقلت لهُ الوالدة ... بس أضني شاف وسمع الذرابة والحشمة في كلامي وعرف أني أقدر أن ادير أي منزل وأن أحافظ على عيالي (أطفالي)  مستقبلاً .. وكل هذه السوالف كونت عنده فكرة طيبة وممتازة عني .. وأضني قال في خاطره هذه الحرمة أو لبنية الي اتمناها تكون زوجة لي ، ويستحسن أن استعيل (استعجل) وأخطبها قبل لا يتقدم أحد غيري ويخطفها مني .

والدة بنت الفريج: صدقتي يا بنتي ريال (رجل) الله يبارك فيه ويعرف لي شاف الحرمة الي تناسبه اتقدم لها وطلب يدها .. لكن يا بنتي ما شوفكِ فرحانة لهذه المناسبة السعيدة؟ قالت بنت الفريج: أنا فرحانة ومب مصدقة الي يجري ويحدث لي ، شيء غريب لم يسبق وختبرته في حياتي يالوالدة الغالية، لكني يالوالدة أنا بنتكِ ولم أعش أي خبرة زواج أو خطبة وغيرها .. ولكني بعد زواجي بأسبوع سأخبركِ إن كنت سعيدة بهذا الزواج  بوجودي مع عبدالله ، أما الان فما ادري شاقول .. ولكني متفاجأة مثلكِ وأكثر لأني أنا المقصودة في كل هذه الزفة الموعودة ... الوالدة: خبريني باتسكنين عندي ولا عندهم؟  بنت الفريج بسكن وين بايسكن ريلي (زوجي) مثل ما سوى أبويه (والدي) معكِ أنتِ ... ولا تفتكرين ما بخليكِ لوحدك أبداً يا أمي الغالية والعزيزة ... والحلول كثيرة .

والدة بنت الفريج: أيه أيه والدكِ الله يرحمه غير، رجل يختلف عن الجميع، راعي (صاحب) مكارم وصاحب غوص وصاحب صيد ومطوع يقرأ للاطفال وصاحب قلب كبير، لكن ما تم (لم يبقى) توفى ونتِ صغيرة الله يرحمه ... بعد زواجكِ قولي او إقترحي أو شوري على عبدالله يبنيلكِ منزل عدال (بجانب) منزلنا، على اساس أن أمكِ وحيدة وبتونسينها عن الوحدة التي تعانيها .. وعندما تحملين بطفل مالكِ إلا والدتكِ التي ستحاضيكِ وتغسل وتنظف  ... بنت الفريج: فديتج  يا أماية (يا والدتي) يالغالية .. والله لو تنطبق السماء على الارض لن أتخلى عنكِ .

عدا أول أسبوع وتبعتها ثلاثة أيام .. وبنت الفريج تحسب .

والدة بنت الفريج تقول : ياربي شلي أخرهم؟ طافت ثلاثة أيام على الموعد، إنشالله خير .. وفي صباح اليوم الرابع بعد الاسبوع وصل محمل بوعبدالله وفيه خمسة رجال ... بوعبدالله وعبدالله المعرس والمطوع (المليك) ولشهود .... صدقتي يا ابنتي، اسمعي عليكِ بالمطبخ القرص جاهز .. باقي العصيد والخبيص والمحلى واللقيمات يا بنتي، استعيلي (استعجلي)

المليك المليج بعد فنيال (فنجان) القهوة يسأل أين ولي أمرها؟ أبوعبدالله : لا يوجد سوى والدتها .. المليك: لا يجوز .. أبوعبدالله أنا والد المعرس وبمثابة عمها .. المليك في هذه الحالة وبما أن الهدف شريف ونظيف نتوكل على الله ونمشي بالموضوع ... ولشهود حاضرين بو خماس وبو يمعة (جمعة) ... كتب اسماء الجميع وسأل عن مهر بنت الفريج .. ثم قال أبوعبدالله: خمس غنمات ومرية ذهب من والدة عبدالله (كانت تستعملها والدة عبدالله من أول يوم زواجها وتخلت عنها لبنت الفريج زوجة إبنها عبدالله الغالي)  ... ثم إنتقل المليك إلى المطبخ يسأل بنت الفريج : ياسلام فوحة الاكل طيبة، متى باتغرفون؟ أنا من يومين ماذقت عيشة .. ردت بنت الفريج: فالك طيب يا عمي ، قال لحظة: خبريني ما عندكِ مانع في الزواج من عبدالله ، وأنتي غير مغصوبة عليه ؟ قالت: لا أنا غير مغصوبة عليه أنا أتمناه فديته .. قال المليك: هذا يكفي عن الف جملة ستقال بالمستقبل والف مبروك يا إبنتي .. وبعد دقائق انتهت مرحلة كتب الكتاب ... ثم قال بوعبدالله : مبروك يالوالدة، من هذه اللحظة عبدالله ريل (رجل) ابنتكِ على سنة الله ورسوله وتوفيقه .. ثم أطلقت والدة بنت الفريج لولوشتها أو يهلولتها الطويلة سمعتها بنت الفريج وهي بالمطبخ وقالت: حنجرة أمي لا تزال قوية  .

بعد لفوالة قال أبوعبدالله: الزفة بعد شهر عند موعد القفال وعودة اشقائي وابناء الفرجان، الذين سيحظرون الحربيات (أناشيد الفرح بالزواج) والزفة (دخول العريس على عروسته) ليكون الحفل شاهداً على زواج ابني عبدالله وإشهار للزواج بأذن الله .. ولكن إنزاركم عبدالله فلهُ الحق بزيارة زوجته والتحدث معها في أمور الحياة .

 والدة بنت الفريج: يا بويه عبدالله شرى ولدنا وبيتنا بيته ولبنية حليلته على سنة الله ورسوله، ونحن ودنا بشوفته الغالي  .

أبوعبدالله: يا ولدي يا عبدالله الف مبروك، ولبنية اتوفى أبوها وعمرها خمس سنوات ومن ذلك الزمن حقيقة ونحن جميعاً ابوتها ولعبها وهي صغيرة بين الفرجان وعلى شاطئ البحر كان يعطي منطقتنا (بعيا) روح وحياة نعم وكنا نخاف عليها، لأن والدها الله يرحمه لهُ معروف على كل أهل بعيا، لم يقصر فينا جميعاً لذلك نحن نكن لهذه البنية كل محبة أبوية، تماماً كأنها ابنتنا .. تذكر الدخلة يوم الزفة، أما السوالف والمجالسة مع والدتها فكل ذلك لك الحق به ... عبدالله: فالك طيب يالوالد .. شورك وهداية الله . 

ثم قال والد عبدالله: أسمع يا ولدي بأذن الله بعد زواجك بشهرين عليك الاستعداد لدخول البحر معنا لأنك كونت اسرة وعليك إعالتها من الغوص، والغوص هو مصدر دخلنا الوحيد يا ابني، وجميعنا مرينا بما تمر أنت بهِ في هذا الوقت، وتذكر أيضاً الله سبحانه  سيرزقك بالاطفال .. وبوجودهم سيزيد الحُمل عليك، ولكني واثق بأنك قادر على كل الامور والصعاب، لأنك تربيتي، قوتك وشبابك ووعيك للامور سيكون لهم دور كبير جداً وبتوفيق الرب عز وجل ، ويوماً ستكبر عائلتك وسيكبرون أبنائك وسيتعلمون الغوص كما علمتك، إلا إن تغيرت الاحوال وخفت هذه الاحمال والضغوطات على البشر .

عدى الشهر ووصل موعد الزفة، زفة عبدالله على بنت الفريج، وتخلل هذا الموعد أيضاً وصول العوائل من ليوا، لأسباب قرب موعد الغوص الرسمي للرجال والشباب ، كان أبوعبدالله يعلم بأن كل هذه المجاميع ستصل لبعيا استعداداً لموسم الغوص، وكان توقيته ممتاز ليحضروا مناسبة زواج عبدالله من بنت الفريج .. طلب أبو عبدالله عقر أو ذبح عشرة جمال واربعون من الخرفان، لتتناسب الكمية مع المعازيم، وكل أهل بعيا وجزر الياسات العالي ووالدوني والبعض من سكان جزيرة المخراق وتوصية أهل لعديد من لقبيسات والمحاربة والمزاريع ومن ودهم يشاركون بالغوص أو العرس عليهم ببعيا، أما في بيت العروس الحريم من يومين هناك الكل يساعد والكل يحني بالحناء .. أما الملابس الجديدة لا أول لها ولا تالي ابو تيلة وبوطير وبوقصر .. والذهب لماع على صدورهن، والروائح من دهن العود والزعفران والعنبر ولمحلب على عجايفهن يفوح، ثم انتقل النشاط إلى جانب منزل العروس، نُقلت الاخشاب والقدور الكبيرة وبُنيت بعض الخيام للضيوف ... وفجأة سمعن الحريم وقت العصر أول صوت للحربية للرجال بجانب منزل العروس بنت الفريج، وزادت تلك الحربية (غناء ودبيك الرجال) احتفالاً بالمناسبة السعيدة، نعم زادت تلك الحربية .. يصيح بالكلمات تقول : يا عرب ما تقبضونه ولدكم ، نسيت أخر الكلمات ، ولكنها كانت معبرة عن فرحة لم نعهدها لزمن طويل ، عموماً استمرت الافراح لثلاثة أيام متتالية لأسباب يعلمها أبو عبدالله بمنطقة ابعيا .. وأتى اليوم الموعود .. بعد العشاء الحريم تُنادي المعرس (العريس) للدخول، ودخل عبدالله على بنت الفريج، ثم رأى ملكة جمال بعيا .. غير تلك تلك التي جلس معها على شاطئ البحر، أكثر تألقاً أكثر تعديلاً أكثر خجلاً أكثر هدووءاً ، روائح الطيب والبخور، صحيح المنزل عرشان (من سعف النخيل) إلا أنه أجمل من أحلى فيلا اليوم ، المنازل بمن سكنها وليس بشكلها أو بحجمها ... عبدالله متوتر وهي متوترة وخجول .. بادر عبدالله بالكلام عن المستقبل وعن الغوص بأن عليه الاعتماد على نفسه وليس على أبيه ، وبنت الفريج لا تنطق بحرف شفة، ثم وضع عبدالله يده على كتف بنت الفريج، ثم ابتعدت هي بدورها عن يده، استشعر عبدالله تلك ردت الفعل منها، ثم قال في داخله " توقعت هذا الشئ وسأترك المقزاء ليوم آخر أو يومين حسب الظروف إلى أن تتعود علي، ومن ثم لن تمانع اللمسة الاولى والقبلة وكل ما يدور بين الزوجة وزوجها .

صباح اليوم التالي: عبدالله يُقبل والدة بنت الفريج على رأسها ويسألها عن الحال وعن كيف كانت حفلة العرس أمس ، ردت أم العروس: ما قصرتوا يعله عرسٍ مبارك والحق على عيالكم وكحل عيوني بشوفتهم فديتهم يا رب ... عبدالله : أمين يا رب ويسمع منكِ .. أم العروس : إلا أخبار العروس يا ولديه عبدالله .. عبدالله تركتها راقده ، برايها حقيقة هي مارقدت (لم تنم) أبداً المسكينة برايها تعني (دعوها) تنام وترتاح، وأنا ودي أتقطط بالمياه الباردة والمنعشة بالبحر، ... أم العروس برايك يا ولديه .... بعد لحظات: دخلت أم العروس على إبنتها العروس تُصبح عليها وتسألها عن كيف سارت الامور بالليلة أو بليلة الدخلة؟  ردت العروس: لا شيء أو لم يحدث شيء، حقيقة عبدالله وضع يده على كتفي  وابتعدت أنا عنه ثم قال الايام القليلة القادمة ستتعودين علي، ونام على الفراش الثاني ولم يقترب مني إلى أن صحى وخرج .. والدة العروس: مسكين وطيب هذا الشاب، ابن حلال، مر علي الصبح وخذ فنيال قهوة وقال با يتغطط بالبحر شوي ... أنزين الحين قومي أتريقي (أفطري) وسيري لهُ (اذهبي إليه) وسولفي معهُ ولعبي، تعودي عليه ليتعود عليكِ، ضروري تأخذين عليه (أي تتعودين على زوجكِ وتتقربين منه) لأنه يالغالية ريلك (زوجك) ومثل ما خبرتيني: ما عندكم إلا شهرين وبايدخل البحر لخمسة شهور، الشهرين وين تسد يا بنتي .. الله يرحم والدكِ (أبوكِ) تزوجني بعد موسم الغوص  مباشرة وهات يا حياة زوجية فعالة متواصلة .. ولا غادرت زوجي إلى أي مكان أنا يتيمة، لكن أبوكِ مر على الخضر واليابس في حياته الزوجية معي الف الف رحمة عليه .. اسمعيني لا تخلين الايام تطوف ، استقليها هوياه (معه) ليل نهار .. وأنا أمك يالغالية ... اسمعيني زين الليلة الاولى دواء للعروس (علاج نافع) وابويه عليج !! أه ليت الزمن يعود ... وتكمل والدة العروس: قومي تريقي وسيري لهُ وتغططي معهُ بالبحر، وما وصيج على السوالف الزينة معاه ... العروس: معاه؟  أم العروس : نعم معاه عيل مع السمك .. يالله دهديه (أستعجلي) قبل لا يحط في خاطره زوجكِ .

العروس أو بنت الفريج: لبست كندورتها الجديمة (القديمة) وعمداً لم تلبس ما تحت الكندورة، وكنادير زمان قطن، أو بالمحلي تُسمى كيمري (قطن ناعم) وخرجت من عريشها أقصد من منزلها إلى البحر إلى زوجها .. وبمجرد أن اقتربت منه رمت بجسدها الناعم والمشدود عليه وهي تضحك .. ولم يصدق عبدالله أو الزوج مايحدث ، ثم احاطت بيديها أو ذراعيها عليه وقبلته عشرات القُبل التي حرقت وبددت كل ما دار في فكرهُ من افكار شينة .. ثم بادر هو بأعادة القُبل بالقُبل والاحتضان بالاحتضان .. وإلا بيديه تتعجل ملامسة جسدها المشدود والناعم طبيعياً بسبب النشاط المستمر على البحر والسيف، وبأمكانه أن يتحسس كل تفاصيل جسدها، من قدميها إلى أُذنيها ... العروس : هذا ما وصتني أمي به، أن أتركه يفعل ما يشاء بي كما قالت، ولم يتبقى سوى شهرين من المتعة قبل أن يغادرني زوجي حبيبي .

المعرس لم يصدق هذا الاستسلام !! هل هو بسبب البحر الذي نحن فيه أم أن والدتها أوصتها بشيء، أما بعد أن عرفت بأننا لم نطعم العسل بعد ... عموماً شكراً لها ... ثم قال في داخله: لعل أن يكون العسل بين الاسماك أجمل ... نحن حياتُنا كلها بحرفي بحر ، سأحاول اسحب هذه الكندورة .. العروس والمعرس بالبحر والمعرس يحاول استلهام العروس وسحب ملابسها عنها وما شابه .. لا اعرف ردة فعلها العروس في استسلام كامل ثم قال: سأكتفي بالتقبيل وعندما تعود للعريش او للمنزل سيكون كل اليوم لي والعروس ستفهم متطلباتي وهي مبتسمة وأنا أحبها وهي تحبني وتفقنا على التكوين العائلي وللمنزل وللعائلة ... 
العروس لا تتكلم ولا ترد مستمرة ببتسامتها معه .
مستمرين بالبحر إلى أن وصلت الساعة الواحدة ظهراً، ثم سمعت العروس والدتها تُنادي عليهم للغداء .. وفجأة نطقت العروس رداً على صوت والدتها .. بعد ساعة بنرد (سنعود) للمنزل ... ابتسم عبدالله وقال في داخله: العروس مبسوطة وستهوت الوضع والجو ومطر القُبل، وهذا تطور إيجابي لله الحمد، يعني انتهينا من العقد والتمنع .. استمروا بالبحر إلى الساعة الثانية والثالثة إلى الرابعة والنصف عصراً، ثم قرروا العودة للمنزل، هي تقدمت المعرس بالخروج من البحر، المعرس يناظرها وكل ثيابها خرسانة (مبللة) وهي تمشي ومتجهة إلى العريش، ولكن تركيز العريس، الزوج على تفاصيل ذلك الجسد الممشوق بكل تفاصيله التي اسرت عقل عبدالله الذي لم يدخل دنيا في حياته ولا يعرفها، كأنهُ يرى ملاك الحب يتقدمهُ إلى فراش أخر حدود الحب ومتعته، إلى جنة الازواج إلى النهر العسلي الموعود، نعم يمشي خلفها وكل ذرة بجسده ترتجف وتترقب وترتقب لحظة الفراش، لم يتبقى سوى خمسون خطوة ونصل عريش الحب عريش الحلم الحقيقي يقول في داخله .. ثم استشعر بأن ذلك الجسد يُناديه يستحلفهُ الاستعجال ليكتشف كل تلك التفاصيل والتضاريس بشهية .. اليست حلالهُ؟ ثم دخلوا العريش وأقفلوا الباب عني وعنكم .

اليوم التالي: اكتشفت أم العروس بأن الجانب الاخر من العريش قد انهار ونكسر، استغربت والدة العروس وقالت: لم تكن هناك رياح الشمال، جونا دوق، إذاً ما الذي كسر هذه الدفعة (جانب العريش)؟! المسكينة لم يخطر على بالها تلك العواصف والقوة مصدرها من سكنوا العريش، ولولا الخجل لنهار العريش بالكامل ... سألتهم أم العروس بأن جزاً من العريش قد انهار وسقط .. تناظروا وضحكوا العرسان، ثم رمقت العروس المعرس بنظرة يشوبها العتاب، وكأنها تقول: ماذا فعلت بي يا حبيبي عبدالله ... والدة العروس على الفطور المتأخر تُناظر ابنتها وتقول: كأن حشرةٌ ما لدقتكِ بكل أجزاء رقبتكِ يالغالية ... خجلت العروس وغطت رقبتها بالشيلة، ثم رد الزوج : أظني هذا لدغ الفنقل (حشرات البحر) وهو مبتسم .. ثم قال: وين دلة القهوة؟ احتاج لفجانً منها .. ليبعد تركيز الوالدة عن علامات قُبل الحب .

ردت والدة العروس: بسم الله، الدلة أمامك مباشرة يا عبدالله يا ولدي ! كيف لم تراها؟ وضحكت العروس ثم ضحك عبدالله وقال: كل هذا من ضربة الشمس، أمس طولنا بالبحر يا خالتي .. ردت أم العروس: شمس بعيا قوية وتحملوا منها (احذروها)

فطروا جميعاً ثم قالت العروس: يالوالدة اتفقنا أنا وريلي (زوجي) عبدالله ... سمعت الوالدة كلمة ريلي وبتسمت، عرفت بأن يومهم الثاني كان اليوم الموعود، وعلمت بأن ابنتها استمعت لنصائحها .
ثم أكملت العروس : اتفقنا على أن نبني منزلنا بجانب منزلكِ يا الوالدة، لأني ضروري أكون بجانبكِ لأرعاكِ .. لايوجد من يرعاكِ ويهتم بكِ إن غادرت أنا هذا المنزل .. ترد الوالد: الله سبحانه وتعالى معي ومع الجميع .. من يوم فقدت والدكِ يا بنتي وليس من اليوم ... قالت العروس: نحن اتفقنا وخلاص، وبعدين هناك أشيا وايد (كثيرة) أباكِ تعلميني أياها في الحياة، ولا اروم (أقدر) أن أفارقكِ، ثم بكت العروس نصف ساعة، إلى أن قالت الوالدة: ما عليه (طيب) سوولكم بويت منزل صغير عداليه (بجانبي) في الذرى.

وبعد مرور أسبوع كالعادة يذهب العريس بزوجته أو العروس إلى منزل أهل العريس ليومين أو ثلاثة وثم يقررون أين تكون المحطة التالية .. العريس أو عبدالله موجهاً كلامه إلى والدهُ ووالدتهُ : شرايكم يا الاهل بفكرة أنا أبني بيت لي ولزوجتي بالقرب من منزل خالتي حمدة أم العروس، يحليلها (المسكينة) وحيدة وما عندها حد يعابلها (يخدمها) وأنا بعد شهرين سأغادر مع الوالد إلى الغوص ... ردت أم عبدالله: جزاك الله خير يا ولديه، هذه الحرمة خيرة، ولا سمعنا أنها أذت حد وخايفة الله ويحتاي حد يونسها، ويساعدها على صيد لودام (الاسماك من البحرلها) ويصلح منزلها لي طاحت ادعونه يا ولديه .. وتكمل أم عبدالله: طيبتك هذه أخذتها من أبوك، الله يحط لبركة فيك وفيه ... في حوي البيت ثلاثون دعن، خذهن وجمع اليزوا (جماعة من الربع) يساعدونك في البناء .. نعم تستاهل بنت الفريج المنزل اليديد (الجديد) والله يبارك لها فيه .. أه يوم بشوف عيالهم تلعب وتعيش فيه يا بو عبدالله .... أمين يا أم عبدالله .

عدت الشهرين كأنها لحظات من العمر .

ابو عبدالله أعطى أوامره للرجال المعروفين لديه للاستعداد لدخول البحر، وطلب من ابنه عبدالله البحث عن من وصل من ليوا لينظم معهم قبل التحرك، وتجهيز المحامل (المراكب) الكبيرة بكل اللوازم والضروريات مع الكثير من قلال ويرب التمر .

مرت ثلاث سنوات على هذا المنوال، عبدالله محدثاً أبيه: سمعنا أن لدى جارتنا السعودية شيئ جديد واستخرجوه من تحت الارض ويسمى الزيت أو النفط، ويقال بأن هذه المادة غالية الثمن وتدر الكثير من الاموال ... ابو عبدالله: هذا عندهم أما نحن عندنا هذا البحر وصيد الؤلؤ وهو أيضاً يدر الخير علينا، وها نحن مبسوطين لله الحمد .. التمر باليوا وايد والمخازن ملأى بالخيرات والحلال وايد وكثير من جمال و أغنام ومن أسماك مجففة .. مرة بالبر ومرات بجانب البحر هنا ببعيا وبالصير وبالياسات وبدلما وبالعديد لله الحمد .. عبدالله: مدري شاقولك يا الوالد عقب قولك هذا .. صحيح نحن في خير .. ولكن يقول المثل زيادة الخير خيرين .... أبو عبدالله: تعال معي لترى بعينك .. وادخلهُ المخزن الخاص ببوعبدالله ..عبدالله مستغرب: شو كل هذا الحبوب ، الحِبْ (حاويات الماء)؟ قال أبوعبدالله:  صحيح هذه حبوب الماء، ولكن في هذا المخزن لها دور آخر وهو لحفظ الاموال، الاريل (العملات المعدنية) واكمل ابوعبدالله: هناك عشرين حِبْ ملأى بهذه الاموال، وحقيقة نحن لسنى في حاجة لها، لأننا مكتفن ذاتياً يا ابني، فلا تستمع يا أبني للقيل والقال، يعني خيرنا وايد، وهذا كله لك بالمستقبل، وأرجو أن توعدني بأنك ستضيف الكثير منها في هذا المخزن الخاص بعد مغادرتي للحياة ... رد عبدالله: بعد عمرٍ طويل يالوالد ... حقيقة مالنا إلا أنت .

بنت الفريج بعد هذه السنوات الاربع توفيت والدتها وحظيت بمولودة بنت هي الاخرى جميلة عمرها سنتان تلعب وتركض على الشاطئ كما كانت تفعل والدتها عندما كانت في عمرها .

الخروج الخامس إلى البحر: كانت طلعة موفقة، بها الكثير من الصيد للؤلؤ، ولكن هذه الطلعة خسرت بعض الغاصة (الغواصين) توفي تسعة منهم رجال ومن ضمنهم عبدالله ابن ابو عبدالله أو زوج بنت الفريج ووالد الطفلة الصغيرة .. خسرته العائلة .

بعد خمسة شهور عادت المجموعة من البحر، ثم طلب ابوعبدالله مقابلة بنت الفريج ليشرح لها ماذا حدث بالضبط لزوجها المرحوم عبدالله : هي علمت بوفاة زوجها عبدالله من خلال تناقل الاخبار بالفريج .. ولكنها لم تعلم كيف تمت الوفاة، ولأي سبب، وهل كانت اهمال من البحارة او من النوخذا او من سوء نوعية المعدات (الحبال) التي يُسحب بها الغيص (الغواص) ، المهم قالت لنفسها علي الذهاب لمقابلة عمي بو عبدالله للوقوف على الخبر اليقين بالضبط، يوماً سأشرح لأبنتي كيف مات والدها ولأي سبب .. هل هي موتة مشرفة أم هو أهمال وتهور، كل ذلك علي فهمه، والان علي الذهاب إلى منزل ابوعبدالله لمعرفة الخبر .

ابوعبدالله: تعالي يا إبنتي لأخبركِ بماذا حدث بالضبط وكيف تمت الحادثة، بعد أن توفوا خمسة من الرجال على مدى اسبوع، أكتشف زوجك عبدالله بأن السبب يعود لنوعية الحبال الجديدة، هذه الحبال تشير (تشتبك بالصخور) وتتشربك وتتقطع عند الشد والسحب .. وعند أخر حالة وفاة بسبب انقطاع الحبل قفز زوجكِ عبدالله لينقذ ابو عتيج من الموت، إلا أن الموقع كان عميقاً، أي أن الاوكسجين يكفي الرجل للوصول إلى القاع ومؤكداً لا يكفيه للخروج بدون السحب السريع والقوي .. ومن كان على ظهر المحمل من السيب طبعاً لا يعلمون ماذا يحدث تحت الماء .. ولكن مؤكداً السبب هو هذه النوعية من الحبال الهندية الردية (نوعية غير جيدة) .. ويكمل ابوعبدالله بعد أن احتسى فنيال قهوة: هذه النوعية من الحبال غير مفروكة بشكل جيد بسبب سرعة التصدير، وعندما تتبلل بالبحر تفقد جودتها .

بنت الفريج وابنتها الصغير ودمعتها على خدها ، وأم عبدالله في بكاء من يومين والحزن يلف بعيا بأبوظبي .

ثم قالت بنت الفريج: لا يوجد منهو محصن من غدر البحر ولكن سيأتي اليوم الذي فيه ستتوقف هذه الطلعات البحرية والغوص القاتل ... وصدق حدسها فعلاً: توافدت شركات النفط العالمية على الخليج، وتحول الغواصين إلى موظفين ومرشدين وقباطنة لتلك السفن والتكات البحرية ومعرفين للمناطق العميقة من الضحلة، ومشرفين مخازن ... وكانت هذه الشركات تدفع لهم رواتب ممتازة بشكل شهري .. يعني دخل جيد يحفظ لهم كرامتهم ويبقيهم بعيداً عن الاخطار والغوص القاتل .

بنت الفريج تقول: أنا أمت برب العباد ولالي ولا للأبنتي إلا هو عز وجل، ومن اليوم سأقوم على تربية أبنتي الغالية علي ... وارجو من بن مهاه الكاتب أن يسميها بمنت الفريج الثانية بالقصة ... الان نحن في عام 1938 .

هذا العام 1938 يعني أن بنت الفريج الثانية قد تكون والدتي أو ولدتك أنت او والدة أحد القراء المحترمين .. وقد تكون في الثمانين من العمر .

وهكذا انتهينا من قصة بنت الفريج على أمل أن نلتقي بأحدى القصص عن الحياة والبيئة بأبوظبي الجميلة والحبيبة والغالية داري ومرباي .... والسموحة .

 محمد غيث بن مهاه المزروعي .














الأحد، 29 نوفمبر 2015

خصيفي الحالة ..... قصة قصيرة

(الخصيفي هو طير أو الطائر الحزين أو المالك الحزين، كما يسمى عربياً )

 بو خليفة منذ نعومة أظافره وهو يرافق والده إلى طلعات صيد السمك نهاية كل أسبوع، ويجد بو خليفة كل المتعة والاستفادة وأيضاً رفقة الوالد، لكسب القوة والصبر والخبرة وليكون كا والده يوماً .
بو خليفة الصغير غالباً ما يستعد من يوم الثلاثاء في ترتيب القطعة (شبك الصيد) مع خيوط الحداق (خيوط صيد الاسماك) وتنظيف الثلاجات أو برادات ، ويهتم بجميع اللوازم المطلوبة والمهمة مثل الخيمة الصغيرة ، ويقوم بكل ذلك بعد عودته من المدرسة، أما يوم الاربعاء فهو يوم نقل كل تلك المعدات إلى البانوش (المركب الصغير) وتمضية بعض الوقت في تجربة وتشغيل مكائن البانوش وتركها تعمل لمدة قصيرة تكفيه لتنظيف البانوش وتعبئته بالمياه النقية والتي تكفي لليلتان على تلك الجزيرة (الحالة) الجميلة (جزيرة لخصيفي) سميت حالة لخصيفي لأنها تحتوي على ذلك الطائر الوحيد على تلك الجزيرة أو الحالة، ولهذا السبب أخذت أسمه .

بو خليفة الصغير يحب تلك الجزيرة بسبب شواطئها النظيفة ومياه بحرها الزرقاء بسبب انعكاس السماء عليها، وغالباً ما يكون سعيداً مع والده عندما يذهبون صباحاً لتجميع بعض الاخشاب الطافئة واللائثة على الشاطىء لتساعدهم في اشعال النار وليتسنى لهم طبخ ما لذ وطاب من الاكلات والاسماك الطازجة، أما بو خليفة الصغير لديه هواية تعيين تقوب (الشنقوان) (نوع من أنواع السلطعون البحري والرملي) غالباً ما يكون مسكن الشنقوان في ذلك الثقب بالرمال، عندما يحفر الشنقوان لهُ منزل يكون بجانب منزله تل صغير من الرمال والذي يدل على مكان ثقبه، وعادة بوخليفة الصغير حفر تلك الثقوب ليخرج ذالك الكائن أو الشنقوان (حقيقة أغلبنا نحن أبناء أبوظبي كنا نمارس تلك الالعاب عندما نرافق أهالينا في رحلاتهم لتلك الجزر) وبعد خروج الشنقوان يا يجري خلفك يا أنت تجري خلفه ، وهذا ما حدث مع أبوخليفة الصغير .

بوخليفة الصغير يقول في نفسه بأنها أجمل لعبة يا أن يخرج الشنقوان على يدي أو عندما تسقي الماية (عندما يمد البحر) سيخرج من حفرته .

والدهُ: في الخامسة صباحاً بعد الصلاة مديت القطعة (نشرت الشبك) والان في العاشرة صباحاً موعد اخراج القطعة بأسماكها إن كان حظنا قوي اليوم، ولكن أنا أتمنى أن تكون الكمية مناسبة للودام (أن تكون كافية للغداء) للولد وأبيه، أما غداً أرجو أن تكون الكمية وفيرة لتعبئة ثلاجاتنا وارجو أن تكون كمية الثلج أيضاً كافية لضمان وصوله للمنزل طازج بأذن ألله .

وصل البانوش لمنطقة القطعة .... الوالد يقول لبوخليفة الصغير:  أنت اسحب القطعة (الشبك)  وأنا أفك الاسماك وارميها بالثلاجة كالعادة، ولا تستعجل في السحب، الوالد: يا ألله بعطاياك يا كريم ياألله ويردد يا ألله بعطاياك ... بوخليفة الصغير يقول هناك ثلاث سمكات متوسطة الحجم .... الوالد: لا ... هذه عنافيز كبيرة ... وهكذا تكون أحجامها عندما تكون كبيرة وممتازة للشوي .

ويصرخ بوخليفة الصغير: الحق الحق ... هناك يا والدي شيء كبير وثقيل !!

ضحك الوالد وقال: هذه سمكة اللخمة متوسطة الحجم ولسنا في حاجة لها .... الابن: هناك سمكة متوسطة وتلمع .... الوالد: هذه سمكة اليب وستكون مناسبة للعشاء الليلة، هذا يكفي لليوم، نحن يا أبني اليوم نبحث عن الودام فقط لي ولك .... أما عملنا وصيدنا الكبير سيكون غداً بأذن ألله تعالى .

الوالد: ضع القليل من الثلج على الصيد ... أما سمكة اللخمة اعد رميها إلى البحر قبل أن تموت أو تضعف .

بعد مرور عشر سنوات تخرج أبو خليفة من الجامعة ... وتوفي والدهُ ولم يتبقى من تلك الابوة والترابط الا الذكريات .

أبو خليفة ليس الصغير، بل كبر وأصبح رجل، ولكن ميلولهُ للبحر لا يزال كبير وكل تلك الذكريات لا تزال كألأفلام تدور في رأسه، أو لاتفارقهُ، وحالة لخصيفي تناديه بطبيعتها وبذكرياتها الجميلة والمشوقة، وصديقه الشنقوان أيضاً يناديه ليجري خلفه أو العكس .

في احدى الايجازات سأل بو خليفة جميع أصدقائه إن كانت لديهم الرغبة في زيارة حالة لخصيفي معهُ أو في طلعة رحلة لليلتين في أجواء روعة في سحرها وجمالها بقمرها ونجومها بالليل، وبشواطئها البيضاء وزرقة مياهها نهاراً وبخيراتها الوفيره من الاسماك .... لم يستجيبوا لتلك العروض ... وقال في نفسه هم لم يجربوها أو لم يأخذهم أحد إلى هناك في صغرهم ... وقال في نفسه .. وما أدراني قد لن تعجبهم ولن يستأنسوا لزيارتها، أما أنا فهي في دمي وبيني وبينها ترابط قوي ... بل إنها جزء مني ومن ذكرياتي وطفولتي ... ولن أستسيغ نهاية أي أسبوع بدونها .. أصبحت هويتي وهوايتي .. وأرجو من ألله أن يمدني بطولة العمر ليرافقني  أبنائي يوماً لحالة لخصيفي إن تزوجت يوماً .

وكالعادة ابوخليفة استعد هذا الاسبوع من يوم الثلاثاء في توضيب معداته وخيوطه وقطعته (الشبك) مع تنظيف البانوش ... استعداداً ليوم الطلعة وهو يوم الخميس ولوحده ... لأسباب كثيرة ومنها استعادة الذكريات وأيضاً الابتعاد عن صخب المدينة وتمضية ليلتان ولا في الاحلام .

بعد كل التجهيز وتعبئة الوقود من محطة الانتركونتننتال بأبوظبي انطلق برفقة مساعد طباخ المنزل (محيي) .... استغرقت ساعتان الرحلة إلى جزيرة لخصيفي بسرعة معتدلة .. وصلوا قبل المغرب .. انشغل ابوخليفة في نصب الخيمة وفي نفس الوقت طلب من (محيي) تجميع بعض الحطب (الخشب) لأشعال النار ... بو خليفة من النوع الذي يعتمد على نفسه في إنزال العدة والبرادات وبعض خيوط الحداق (الصيد) مع الييم (الطعم) وكما علمه المرجوم والده .. إن وصل متأخر لجزيرة لخصيفي .. عليه بؤأس الحد للصيد السريع للودام أو ودام العشاء .. أما محيي فانشغل في اشعال النار وتجهيز الخضار والسلطة .. محيي يعلم بأن أبو خليفة يستلذ السلطة حامضة .. وعليه أكثار الليمون بها .. أما أبوخليفة انشغل في الحداق وفي نفس الوقت يتأمل الغروب وستعجال مغادرة الشمس .. ولم يتبقى منها إلا تلك الخيوط الذهبية .. كأنها تلوح لهُ مودعة ... ثم شرد قليلاً بالتفكير في والده ورفيق عمره .. وقال في نفسه كم أنا محظوظ وكم أنا استفدت من والدي أشياء كثيرة وأولها الاعتماد على النفس والايمان بالله .. ثم قال الخبرات التي أستفدتها لم تقتصر على البحر فقط .. بل حتى ادارة المنزل فعلياً .. اليوم أنا من يقوم بصيانة كل شيء تقريباً .. الانابيب والكهرباء والطلاء .. وكانيتذكر توصية والده .. بأن لم يتحرك ستنهار قواه وستضمر عظلاته وسيسكنهُ العجز قبل الشيب .

وفجأة سمع أبوخليفة صوتاً .... ليس صوت محيي .. بل صوت يشبه صوت والده .... وتلفت حوله يميناً وشمالاً ولم يكن بجانبه أحداً  ... أو كان هناك طائر لخصيفي .. ثم قال مستحيل أن يكون ذلك الطائر يكلمني !!

ثم سمع الصوت يقول: طولت ثلاثة اشهر لم اراك يا صديقي .

أبو خليفة يرد: من أنت ؟ وماذا تُريد مني؟  ثم أنتبه بأن الصوت صادر من طائر لخصيفي .... لم يصدق ما يسمع ويرى ...

أبو خليفة لا يخاف ...لأنه يعلم بأن الدنيا والحياة مسيرة من الخالق كما هي لهُ ... هي أيضاً لغيره .

ثم أقترب لخصيفي أكثر تجاه بوخليفة .... وقال: لا تخف أنا علمني والدك الكلام رحمه ألله .... وكان يعلم بأن الطبيعة تكفينا جميعاً ... ودون أن نتنازع عليها .

ورد ابوخليفة على الخصيفي : ولكنك تنطق بنفس نبرة صوت أبي؟!

لخصيفي: هل تلوم الببغاء عندما يسجل نبرات الصوت لكل من بالبيت؟ أنا مثلك تعلمت منه اشياء كثيرة أيضاً ولست أنت من تعلم منه فقط .

ثم أكمل الخصيفي: هل تعلم بأننا في نفس العمر، أنا عرفتك من أول زيارة قمت بها لزيارتنا في جزيرتنا ... أو عندما كنت صغير ووالدك فرح بك .. كان يحملك على كتفه ويدخلك البحر ليزيد ثقتك ويعلمك السباحة ... كما كان والدي يعلمني أنا السباحة أيضاً ... أذكر بأنك تحفر الشنقوان وأنا اطير عالياً مع والدي ونضحك بشدة عندما كان الشنقوان يجري خلفك .... ثم كبرت قليلاً وكنت سريع الجري .... وكل ما تعبت أنا من الطيران ونزلت على السيف (الشاطىء) كنت أنت تجري خلفي وأعاود الطيران هروباً منك .... أما والدي فكان فرحاً على ردات فعلك تجاهي ... والدي يريدني كل الوقت أطير أحلق لأزداد قوة ... وجريك خلفي أعطاني تلك القوة في الطيران .

أبو خليفة: أسمعني ... في ذلك الزمن كان هناك الكثير من الطيور ومنها لخصيفية والزرعي واللوه والصر وهناك الطائر الكبير الدمي والطليلية .... ولكني لم أسمع طائر يتحدث أو يحدث البشر !! والان قل لي ولا تخف ... نحن جميعنا خلق ألله ... هل أنت من الجن مثلاً ؟ 

لخصيفي يرد: أنا لا أعلم أن كنت من الجن أو من الطيور أم ماذا فعلاً ... لأن مواهبي متعددة .

أبو خليفة:  لحظة يا بو خصاف .... دعنا نجرب إن كنت طائراً فقط أو طائراً من الجن ... أنا الان أحاول أن أصيد ثلاث أو أربع سمكات للعشاء ... واحدة لك يا بو خصاف وثلاث لنا .... هل بأمكانك أصديادهم ؟

الخصيفي : أنا أبن البحر وأصطاد متى أوريد .... أسحب خيطك وستجد فيه هامورين تكفيكم للعشاء الليلة يا بو خليفة ... وأنا لي طلب يقول الخصيفي: طلبي هو أن تعود لزيارتي كل أسبوع كما عهدتك يا صديقي .... وأن أنشغلت اجعلها كل أسبوعان مرة ... كي لا أكون فعلاً الطائر الحزين !

سحب بوخليفة الخيط وكان الخيط ثقيلاً جداً ... وبعد جهداً جهيد أظهر بو خليفة الهامورين .... ثم قال للخصيفي سأنادي الطباخ محيي لأخذ الهامورين .... بأمكانك أن تطير لعشر دقائق وثم تعود لنكمل الحديث .

وصل محيي وقال: هذا تمام ارباب ... اليوم سيضبط عشانا ... الاهامور الاول مرق والثاني مكبوس .

أبوخليفة: تمام يا محيي وكثر من اللومي اليابس مع البصل والثوم بالمرق ... وعندما يجهز كل شيء صوت علي  يا محيي أنا سأبقى هنا .

بعد عشر دقائق عاد الخصيفي وقال: أرجو أن تعجبك الهوامير يا صديقي . 

أبو خليفة: يمازح لخصيفي ... يا بو خصاف أين والدك ؟

قال لخصيفي: أنا أيضاً والدي مات .... ولكن لم يمت موتة طبيعية مثل والدك ... بل مات بطلقة نارية من بندقية أحد الرحالة ... وحرمتني تلك الطلقة والدي العزيز وصديقي الوحيد .... وبعد موته تعلقت بوالدك وكان نعم الوالد .... كان والدك عندما يراني على رأس الحد كان يرمي لي ببعض الاسماك الصغيرة التي لا تأكلونها أنتم لصغر حجمها ... أما أنا فكنت سعيداً بها .... مرات قليلة ومرات كثيرة جداً .... في حقيقة الامر كان والدك يعلم بأني صغير السن ولا يمكنني الغطس في الاعماق .... وأسبوعاً بعد أسبوع زاد الترابط بيننا ... ويوماً قال لي والدك بأن ابني سيزور الجزيرة لوحده وكم اتمنى أن تكون ونيساً لأبني في المستقبل وأن  تنفذ كل طلباته .. جميعها ...دون تردد منك ... على فكرة .. والدك وأنت فقط من يعلم بأن هذه حالة لخصيفي!

أبوخليفة: الأن بدأت توضح الصورة لي يا بو خصاف .... أولاً اسمح لي أقدم لك تعاوي في وفاة والدك العزيز لخصيفي الكبير ومالك هذه الجزيرة وما عليها وما تحتها وما في مياهها .... الف رحمة عليه .... وثانياً أرجو أن تمتد هذه الصداقة بمتداد أعمارنا يا بو خصاف العزيز .... ويكمل أبو خليفة : أوعدك يا بوخصاف أن أكون صديقك من هذه اللحظة .... ويرد أبو خصاف: وأنا سأكون صديقك وأكثر من ذلك بكثير .... أبو خليفة: قد أحتاجك يا بو خصاف غداً في صيد وفير ومن نوع معين  من الاسماك .

لخصيفي: أنت لا عليك ... غداً مد الشباك أو القطعة وحدد أو تمنى النوع الذي ترغب به من الاسماك ... ولك ما تتمنى .... أنا يا بوخليفة لن أخذلك أبداً .... ثم أكمل لخصيفي: هل تعتقد بأني كبرت؟ أقصد أخذت حجم الخصيفي الكبير ولا أحتاج إلى ستة شهور أخرى؟ 

أبوخليفة : يا صديقي العزيز عليك أن تفهم شيء مهم في هذه الحياة .... أو ربما في عالم البشر لا تقاس الامور بالحجم إنما بالمفعول ... مثلاً في عالم البشر قد يكون الانسان ضخم الجسم وصغير الدماغ .... ولكن اسمع مني فقط إقبل ما عطاك ربك من اشياء وقد تكفيك لتعيش سعيداً .

أبو خصاف: يا صديقي ... ونعم بالله .... ولكن في عالمنا نحن الطيور الامور تختلف قليلاً ... أنت لم تفهم قصدي ... أنا في سن يتعين علي الحصول على نصفي الاخر ... أنتم تتزوجون ونحن نحصل عليها إن كانت أجسامنا مكتملة ... بطول الجناحين وبالقوام الجيد وبالريش المصفوف وبكميات الهدايا من الاسماك التي نقدمها للنصف الاخر .... هل فهمتني يا صديقي ؟؟

أبو خليفة : الان فهمتك .... الظاهر هم هذا الموضوع منتشر على كل خلق ألله في هذه الدنياولكن يا بو خصاف أنت في نظري مكتمل وواضح المعالم الذكورية بشكلك الجميل وحجمك كبير مقارنة مع غيرك من لخصيفية  .

أبو خصاف أو لخصيفي: ماذا عنك يا بوخليفة؟ متى تتزوج ومتى سأرى ابنك أو ابنتك تركض على جزيرتي ؟

أبو خليفة: يا صديقي يا لخصيفي نحن نقول الحياة قسمة ونصيب .... متى أراد ألله أن أجدها ثق بأنني سأجدها ... ولكن علي أن أأسس نفسي أولاً ، أقصد أن أحصل على وظيفة تتماش مع تخصصي لكي أبدع بشكل مريح في خدمة وطني الغالي والعزيز ... وهذا وأنا مسؤول عن جميع أفراد عائلتي الكبيرة (أهلي) والوالدة والاشقاء والشقيقات والمنزل الكبير .

لخصيفي: لا عليك ... من هذه اللحظة أنت في مأمن وستحصل على كل ما تتمنى يا صديقي .... هناك نصيحة واحدة فقط ... وهي أن تتذكرني قبل أن تقدم على أي شيء مهم في حياتك ... إن كنت ستتذكر هذه النصيحة لن تكون هناك عقبة في حياتك حتى البنت التي ترغب في الارتباط بها .... فقط تذكرني وبدون أن تتفوه بأي كلمة عني أو عن صداقتنا ..... اتفقنا؟

أبوخليفة: اتفقنا يا صديقي .

لخصيفي : أنا تعب وعلي أن أنام .... يومنا غداً طويل .... استودعك ألله يا صديقي .

بو خليفة في نفسه ... أنا محظوظ بهذا لخصيفي .. وهناك الكثير من البنات أتمنى الزواج من واحدة منهن، وهناك الكثير أرغب في تحقيقه وطموحاتي لا حدود لها ... كم أنا محظوظ بقوة هذا لخصيفي .... شكراً يا رب .

رفع صوته بو خليفة لمحيي .... يا محيي أغرف العشاء رجاءً ... والسعادة واضحة على وجهه ومنتشيء والمعنويات المرتفعة .. التي جعلت محيي يلاحظها ويبتسم ... ويقول لبوخليفة ... كم يا ارباب أتمنى أن أراك هكذا سعيد دائماً إنشاء ألله . ... وانبساطك ينعكس علينا نحن الفقراء ... يا سيدي ولائي قوي جداً لأسرتك .. بسبب مساعدة والدك يوماً لي في بناء منزلنا في ماليبار بالهند .... عندما سمع بأن تكلفة المنزل ستصل لثلاثين ألف درهم لثلاث غرف والملاحق ... قال المرحوم والدك .. لا نجعل عدد الغرف ست غرف والحمامات سته والخدمات والملاحق مقابل خمسون الف درهم .. نعم وتفقنا مع المقاول بالمليبار بالهند .. ولهذه الاسباب حقيقةً يا سيدي أتمنى لك السعادة والنجاح والتوفيق .. يا رب .

شكراً يا محيي .. رد عليه أبوخليفة .... وضع محيي السرود (بساط يوضع عليه أواني الاكل ومصنوع من خوص النخيل) ... أبوخليفة يأكل من تلك الهوامير كأنه يأكل أول مرة ... هوامير لذيذة في طعمها وفي طزاجتها ... ويردد يا سلام عليك يا محيي ... هذا الاكل الطيب .... بعد أن شبع وغسل يديه ... أمر محيي بأن يفؤش لهُ المدة أولاً ثم يفرش الفراش عليها خارج الخيمة على بعد عشرة أمتار ..... تسائل محيي !! لماذا يا أرباب؟!! لمن تترك الخيمة؟ الخيمة لك يا محيي، ونحن في شهر مايو أو شهر خمسة  ... وأنا أبحث عن الهواء العليل تحت النجوم .... كأنه يعلم أبوخليفة بأن منظر النجوم في سماؤها من على جزيرة لخصيفي وبعيداً عن أنوار المدينة شيء ولا بلأحلام من ابهارهُ وجمال المنظر الخلاب .... أبوخليفة استغرق نصف ساعة وهو مركز على النجوم وعلى النيازك .... أما المنظر يختلف عن منظر النجوم التي نراها ونحن في المدينة .... كثافة النجوم وكل تلك التفاصيل ، وليست فقط في الاعلى السماء ، بل تحولت كالقبة الكونية تتلألأ من بداية الافق حتى نهايتها، نهاية الافق من الجانب الاخر .. كلها تتلألأ بروعتها الاخاذة ، وقليلاً قليلاً ونام أبوخليفة بعد أن طلب من ربه أن يحفظه ... ببعض الادعية القصيرة ... بعد أن تأكد لخصيفي بأن صديقه نام ... حل قريباً منه ونام هو أيضاً .

وفي اليوم الثاني من الرحلة الكل في أتم الاستعداد لمد القطعة وبعد الانتهاء من مدها ... ذهب أبو خليفة بمعية محيي إلى موقع ممتاز للحداق ..... وكان يتذكر الموقع بسبب البوهة الطافئة التي سبق ووضعها والده منذُ زمن بعيد (البوهة تعني جزء من قطعة فلينية مربوطة بحجر في حجم الكرة المتوسطة ولا تراها إلا أن كنت قريباً منها ومن الموقع تماماً مع معاينة أخر طرف من الحالة وأنت على بعد ميلين بالبحر ... (خطط أهل البحر) .... لهم الحق في ذلك لكسب أرزاقهم .

تذكر أبوخليفة توصية لخصيفي في أن يتذكرهُ  فقط ويرمي الخيط أو أن يقدم على ماينوي عليه، تذكرهُ ورمى في أن يحصل على سمك اليب الكبير، (عالمياً أسمه Jack Fish ) وبعد لحظات أصطاد اليب الكبير .... تم رمي ثانية وفي باله الهامور متوسط الحجم وعلى الفور اصطاد الهامور ... أبو خليفة لايزال مستغرب حقيقة الامر !!!  ثم فكر في قوة لخصيفي وقال الات سأرمي بدون طعم على أن يصيد صبيطي كبير ... وماهي إلا لحظات وشتد الخيط وكان في نهايته سبيطي كبير وسمين .... وقال يا خسارة لم أتمنى نوع الاسماك التي أرغب في القطعة أو الشبك ، وقال في نفسه أرجو يا لخصيفي أن يكون الشبك ممتلىء بسمك الجش والصافي ولشعوم وبعض ليبوب .... وعند عودتهم بعد الحداق ... وصلوا إلى موقع القطعة أو الشبك ولم تظهر منه البويات الاطراف ... يعني كل البوه بالوسط دام (دام تعني غاطس تحت الماء) بعمق متر تقريباً بالبحر بسبب كثرة الاسماك الحية والطازجة .

محيي يا أرباب هذا واجد  وكثير !!! 
أبوخليفة : مايهمك يا محيي أسماك الفريج (منطقتنا) على لخصيفي  .

أبو خليفة حقيقة بينه وبين نفسه لم يعطي لخصيفي قيمته الحقيقة أو مقدرته .. وواضح بأنه لا يزال يتوهم أو جاهل بالمقدرة لهذا الطير العجيب ... ولكن المسألة تطول ، وستمروا في المتابعة ومقابلة المفاجأت .

بو خليفة: ما شأالله .... هذه الكمية كبيرة من الاسماك، ونفس النوعية التي تمنيتها .
تفكير بو خليفة لم يتوقف وهو يفكك الاسماك من الشبك أو القطعة .. في باطن عقله يقول ماذا لو طلبته مركز مرموق بالحكومة وماذا لو طلبته ذهب وأموال  والماس؟! هل يعقل كل هذا؟!  أنا في حلم أو علم؟! طيب: كيف أحافظ على هذا الطائر أو لخصيفي وماذا لو هجمت عليه مجموعة طيور كبيرة بسبب انثى ..... والعادة الطيور والحيونات تتعارك فيما بينها ... هناك حل .. سأطلب منه الذهاب معي والعيش بمنزلنا .... لا .. حرام .. هو طائر يعشق الطبيعة والحرية .. وبالاضافة إلى ذلك لدينا قطاو (قطط) بالمنزل والواحد منها يقارب حجم النمر وقد يكون أقوى من النمر .... لا لا يستحسن أن يكون بعيد في جزيرته، وهو اعطاني نصيحته عندما اتمنى شيئاً ما علي إلا أن أتخيلهُ (لخصيفي) وأتمنى ... على كل حال عندما أتصل سأتمنى تمنيات كثيرة .

أبو خليفة: يا محيي .. هذه كميات لا تستوعبها الثلاجات ولا يكفيها الثلج المتوفر لدينا .... لايوجد حل إلا أن نلم الشبك بما فيه وأنت اركض ولم ادواتنا والخيمة ... سنغادر الان إلى أبوظبي وإلا سنخسر كل هذه الكميات الجيدة والنخبة الراقية يا محيي .

محيي: ضروري  يا  أرباب اللحين لازم نروح (نذهب) إلى أبوظبي .

أبوخليفة أنطلق مسرعاً إلى أبوظبي عائد بكل هذا الخير من الاسماك ... وصل أبو خليفة في الوقت المناسب ... محيي وسواق والطباخ والخادمات والكل يوزع اسماك على الجيران إلى أن تخلوا ونتهوا من كل الكمية لله الحمد .

اليوم التالي: أبو خليفة: قدم جميع أوراقه ال CV لشركة بترول أبوظبي (أدنوك) .... وقبل أن يُسلم الاوراق تذكر لخصيفي وتمنى من لحصيفي المساعدة في نجاح الامر .. وأن يجد القبول لديهم ... ثم قال مدير شؤون الموظفين أو ال H R بأننا سنتصل بك في الاسابيع القادمة ... وثم غادرهم ببتسامة الوثوق في النفس .... وماهي إلا ثلاثة أيام حتى أتاه الرد بالقبول وعليه زيارة دائرة ال I T بالشركة لمقابلة مدير الدائرة غداً في العاشرة صباحاً .

بو خليفة من الساعة السابعة وهو يستعد في اليوم التالي  ... طبعاً لمقابلة مدير الدائرة .... البس الابيض أو البيج .. الغترة الحمراء أو البيضاء .. ألبس الحذاء أو نعال التميمة .. نفس اللون أو أكسر الالوان .... في تمام العاشرة أبوخليفة في مكتب سكرتيرة مدير الدائرة .. وماهي إلا لحظات حتى خرج مدير الدائرة من مكتبهِ يرحب ببوخليفة .... حياك ألله يا بوخليفة .... نورت الشركة ، نحن نبحث عن أمثالك منذ فترة طويلة .... تصور يا بو خليفة ال CEO وصاني عليك شخصياً  ... حتى قال بعد أن أنهي المقابلة معك ، هو شخصياً يود في مقابلتك ... وهذه عمرها لم تحصل في تاريخ الشركة .... وبعد نصف ساعة من السوالف  مع مدير الدائرة .. توجهوا سوياً إلى مكتب رئيس الشركة ... وخرج رئيس الشركة شخصياً لمقابلة أبوخليفة .... أبوخليفة في قمة الاندهاش من هذه المعاملة ... يرحبون بي كأنهم يعرفونني منذ زمن طويل .... أبوخليفة هل فعلاً هذه قوة مفعول تأثير لخصيفي .... وبعد مرور أسبوع .. أبوخليفة في مكتبه بالبرج الجديد لشركة أدنوك والتي لم تنتقل لهُ رسمياً بعد ... والمكتب مطل على البحر وفندق قصر الامارات ... منظر يجعلك تذهب لمكتبك في الخامسة صباحاً ولا تغادره إلا بعد أن ترى شمس الغروب .

وبعد أسبوعان تقدم أبو خليفة لطلب يد عفراء المهندسة في شركة زادكو ، وتم القبول من أول ما تقدم  وبعد مرور شهر تزوج أبو خليفة من المهندسة عفراء ..... وإلى الان وأمور أبوخليفة في أرقى حالاتها وأكثر .

وأثناء ما كان بالمجلس مع مجموعة من الاصدقاء وزملاء العمل .. سألهُ أحد أصدقائه عن مكان تلك الاسماك الطبيعية والطيبة التي جلبها لهم قبل شهر  .

وما كان من أبو خليفة حتى أخبرهم عن موقع حالة لخصيفي بالضبط وأين يجدونها وبعد كم جزيرة ومن خلال أي زاوية . !!

وفي أول نهاية  أسبوع ذهبوا مجموعة أصدقاء أبوخليفة دون علمه .. وأحدهم عندما يزور الجزر غالباً  يكون لديه قطعة سلاح (الشوزن) أو بندقية الخرطوش .... أمضوا الليلتان وعادوا .. وعند أول جلسة بالمجلس ..... وعندما دخل أبو خليفة عليهم ضحكوا جميعاً .... ثم قال صديقه عبيد .. تلك الحالة أو الجزيرة يا بو خليفة لا يوجد بها أسماك .. نصبنا الشباك وحدقنا وشخطنا للهوامير ولم نتوفق أبداً يا بو خليفة .... مستحيل كميات الاسماك التي أتيت بها أنت ربما أن تكون من تلك الحالة مستحيل .... ولم نجد بها شيء ولا حتى طيور ....  خلفان: أصطاد طائر واحد فقط .... أرتفعت نبضات قلب أبو خليفة عندما سمع كلمة طائر واحد فقط .... ثم سأل عن نوع الطائر .. رد عليه صاحب البندقية أخصيفي وحيد .
وحقيقة كنت أجرب الشوزن ، وقلت سأجربها في الخصيفي ... تصور يا بو خليفة ماذا فعلت الشوزن بالخصيفي .... تقطع إلى أجزاء لا يتخيلها الانسان الطبيعي ... وتناثر على المنظر العام أجمع . 

وبمجرد سماع  أبو خليفة عن ماذا فعلوا بالخصيفي ... أو في حقيقة الامر هو من تسبب في قتله للخصيفي بأخبارهم عن جزيرة أو حالة الخصيفي ..... صرخ أبو خليفة على الجميع وخرج يبكي كالمجنون ويلطم رأسه ووجهه .

وتسببت حالة أبوخليفة  النفسية في تركهُ لو ظيفتهُ .. ثم طلبت عفراء زوجته الطلاق بعد مرور ستة شهور على مكوث  أبو خليفة بمصح عقلي ..... وبعد مرور ثلاث سنوات  سمع الجميع بأنه توفى أبو خليفة في مصح عقلي .. ألله يرحمه .  

تمت القصة ... وعلى موعد جديد مع قصص .... بن مهاه (محمد غيث بن مهاه المزروعي )



 














الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

من ذاكرة الوالدة 4

كما هي العادة، عندما تستجمع الوالدة ذاكرتها تتحفنا ببعض الابيات الشعرية القديمة لشعراء أبوظبي ، وليوم كنا محظوظين بأبيات قليلة .

١ . يعل من تسبب بفرقاهم ،،،، يعتزل في ديار جفرية
     أه  ويلي وين بالقاهـــم ،،،، أه يا وطرٍ مضى لية

2  . ألله وكبر يا ثناياله ،،،، برقهن من البعد يشعلي
      لو وليفي من بقى شله ،،،، كان أنا شليت لي خلي

3  . يعل يسقى يوم بالاجي ،،،، لي يسَل القلب ويريحه 
      نظرته من البعد علاجي ،،،، تنعش ألي روحه مسيحه

4 . وفي مورد المياه (مشيعل) تتذكر الوالدة هذا البيت .
     
     ليت المغاص مشيعل ،،،، اسرح وضوي عليه
     نهار ورد صرومه ،،،، أنا الذي أييه .

5 . وتقول الوالدة أكثر بيت يغنى في العيالات والرزيف هو

ألبارحة ساهرٍ واير أنا الونة ،،،، أصوغ طرق الهوى وعدل ألحاني
يا زالله البيض يا فعلٍ يسونه ،،،، لي ما بغنك سقنك سم لتلافي .

6 . تقول: قال الشاعر بطي بن مرشد بن محمد المحيربي: 

زوروا قبر النييبي ... وقروا عليه أيات 
لي يرحب بالغريبي ... والهين لي عيلات  .

الاثنين، 27 يوليو 2015

القطة وشهر العسل ... قصة قصيرة .

بعد مرور عدة شهور على أخر زيارة لأوروبا، حوالي ثمانية شهور تقريباً وبمناسبة زواج إبني عبدالله، اتفقت العائلة على تمضية عشرة أيام في أعلى نقطة جبلية بأوروبا وهي جبال الالب لسويسرية .

شتاء جبال سويسرا المثلجة والشديدة البرودة والقاسية هي المنطقة التي اختارها العرسان الجدد .. وأصروا على أن نرافقهم إلى هناك .. أنا وابنتي فاطمة .

كالعادة تم توكيل عمليات الحجوزات لإبنتي فاطمة، نسبة لتخصصها في هكذا شؤون (فنادق وتذاكر سفر وما شابه) وتعلمت كل هذه الامور بسبب سفرها معي زمان المتكرر وتعليمها الاعتماد على النفس، إلى أن دخلنا عالم الالكترونيات والانترنت وأصبحت العملية أكثر موائمة وسهولة .

لم أكن مستعد للسفر لأسباب كثيرة، أما ابنتي فاطمة ذكية إلى درجة أنها أقدمت على أخذ اجازة اسبوعين من عملها، متعذرة بطول مدة العمل (شهور طويلة دون اجازة) أما أنا فأعرف الاسباب الحقيقية خلف تلك الاجازة (هي السفر) 

قالت فاطمة: ماذا تنتظر يا أبي، هيا دعنا نسافر !!

أنا أعرف أجواء سويسرا في شهر واحد (يناير) يعني تحتاج نصف طن من الالبسة الصوفية على جسمك كلما فكرت في الخروج من الفندق والمشي إلى قلب قرية (قشتات Gstaad ) المشي في يناير صعب بقشتاد تتزحلق مهما كانت نوع أحذيتك حتى لو كانت أحذية (الكاتربلر) والبرودة تجمد كل أطرافك ومفاصلك مهما لبست من الثيرمو ومستوى الثلوج يكون قد دفن القرية عن بكرة أبيها .. والجماعة هدفهم الضحك علي أنا شخصياً وهات يا تصوير كلما وقعت أو تزحلقت فجأة أمام المحلات والمقاهي وأرصفتها المتجمدة بطبقة ثلجية أخفت كل معالم الطرق والارصفة ترتفع الهواتف وهات يا تصوير وبلمسات بسيطة تكون الصور وصلت لجميع العالم وحتى المريخ .. والجماعة في أبوظبي ينتظرون تلك اللقطات والمواقف ولي ما شاف يتفرج ..... دعونا نبدأ القصة .

فاطمة: أوه ... والله حرام، ثمانية شهور مستمرة من البيت إلى العمل، فعلاً أحتاج فترة استراحة قصيرة (يعني ودها تسافر معنا) وأغير فيها هذا الروتين المستمر والممل، تعبت فعلاً تعبت ... نفس الوجوه بالعمل وبالمنزل ونفس المواضيع، يا هذا الروتين .... أنا سأقدم على أسبوعين إجازة ... وبعدين شقيقي عبدالله تزوج ولم يغادر مع زوجته إلى أي جهة يقضون بها ما يسمى بشهر العسل ... فأرجو يا باباه أن تتفهم احتياجنا لهذه العشرة أيام سفر .

أنا: ماذا عن شقيقتك ميثاء ؟ هل لديها إجازة هي أيضاً ؟

فاطمة: لا، هي مشغولة بعمل بحث معين للعمل، ولديها فترة محددة لتنهيه، وأيضاً عليها متابعة شقيقي زايد ومتابعة دراسته .

أنا: صحيح زايد لديه مدرسة ومراجعات ومتابعة .

فاطمة: لا تهتم، ميثاء ستتابع هذا الجانب يا باباه وبعدين هي مهتمة بزوجة شقيقي عارف بعد الولادة وبالبيبي (حميد) 

أنا: صحيح ما قصرت .. نامت مع لمربي ثلاثة أيام تحاضيها في المستشفى إلى أن قادرته مع المولود الجديد .. البطل حميد ... حبيبي .... ألله يكون في عون ابني عارف وزوجته في الاهتمام بالاطفال .. عملية صعبة ... تذكرني بكم عندما كنتوا صغار ... عذاب .

أنا: طيب .. هناك شيء مهم في حياتك وهي قطتكِ Oushi ماذا ستفعلين بها ؟ ستكون وحيدة بدونكِ لمدة عشرة أيام وقد تتعقد Oushi ... وإن وضعتها ب Pet's Hotel مكلفة مالياً .

فاطمة: لا تخاف يا باباه، سأتركها بمعية شقيقتي ميثاء والخادمات هنا بالمنزل، وهي كما تعلم تعرف طريقها إلى طعامها وشرابها وستتجول في هذا المنزل الكبير، ولن تكون هناك مشكلة ... يالله يالله نسافر .

أنا: أنا موافق إن أتت شقيقتك ميثاء واثبتت امامي بأن ليس لديها مانع وبشرط أن يأتي شقيقكِ عبدالله مع زوجته ويثبتوا بأنهم مستعدين للسفر .

فاطمة: أنا سأأتي بهم جميعاً ليثبتوا لك بأنهم مستعدين للسفر وميثاء ستبقى بالمنزل للوقوف على طلبات زايد .... والقطة .. Oushi .

أنا: الظاهر ان الضغوطات من كل اتجاه !! يا ألله . .... وهاهي بطاقة الأتمان وعليكم بعمليات الحجز ... بشرط أن تكون مؤكدة في كل شيء .. تذاكر الطائرات (السفر) والفنادق و لنبتعد عن التعب في البحث هناك .... إتفقنا ؟

فاطمة: أنت هات البطاقة وترك الامور علينا يا باباه ... حشرتنا بهذه التوصيات والتحذير !!

أنا: أخاف عليكم من أن تتعبوا هناك، في بلد الغربة .. ويقال من خرج من داره قل مقداره .

فاطمة: ما دام هذه البطاقة أو البطاقات الأتمانية تعمل فلا تخف علينا يا باباه !! والان انتهت من حجز الفندق مع التذاكر والسيارة بمطار جنيف، ورتبت على أن يكون السفر غداً صباحاً، الساعة التاسعة صباحاً ... يعني أن نكون بالمطار في السادسة صباحاً !!

أنا: هيه .. ماشألله عليكِ، متى نتحرك من المنزل ومتى ننام ومتى نصحى ومتى استحم واحلق ذقني .. ولماذا كل هذه العجلة والسرعة؟؟ كنت أعلم ، هذه بداياتها الشطانة والاستعجال .. يقال إن كان ربعك (رفاقك) أنصاف شياطين فكن أكثرهم جنون أو شطانة .

اليوم التالي: قمت في الرابعة صباحاً، وهات يا ترتيب في الملابس والاحذية .. والملابس الداخلية والثيرمو .. سأخذ معي ساعة سواتش بسيطة وسأبتعد عن سوع الذهب والالماس والموضة القديمة من تلك السيع .... لكن لا أسمع صوت ! الظاهر الجميع في نوم عميق يغطون .. عموماً هذه فرصة للأستحمام والحلاقة .. أنا من الذين يحلقون الشنب واللحية (الذقن) ههههه .. أعلم بأنها عيب تحلق اللحية والشنب عندنا ولكن عندما تبيض الامور مالها إلا أمواس جيليت  ... البعض يقول منقود عند العرب فلان بدون لحية ولا شنب ... انتهي من الاستحمام ونزلت للدور الارضي .. لا توجد حقائب ، واضح بأني أول من نزل، الان علي أن اصحيهم، لعلهم نسوا موعد السفر، طرقت تلك الابواب وسمعت أصوات لاتزال نصف نائمة ، وكا عادتي رددت كلمة "إذا لا يوجد سفر سأعود للنوم" وفجأة سمعت دبيك وبعض الاصوات تقول لا لا قمنا قمنا من النوم .. وماهي الا عشر دقائق والجميع نزلوا  وستعدوا للصعود بالسيارة ، طيب .. أكلتوا شيء أو شربتوا شيء ؟! يالله يا باباه لا تضيع الوقت، وسمينا بسم الله وتحركنا إلى المطار.. ممتاز لا توجد زحمة في ذلك الوقت الباكر من الصباح في شوارع أبوظبي، وصلنا المطار وأدخلنا الشنط والحقائب .. ابتسموا العرسان عبدالله ونوره (وقمز العريس للعروس وبتسمت) هههههه أيه على حساب أبوهم كالعادة .. أما ابنتي فاطمة متوترة قليلاً بسبب المطار والطائرة والسفر .. الطائرة كانت من نوع أيرباص 330 A أبوظبي - جنيف - أبوظبي، موعد الاقلاع كان في التاسعة ولكن تأخرت كالعادة إلى العاشرة بسبب أحد الركاب ، كان منقول على نقالة أو سرير متحرك للمرضى (الله يشفيه) طارت الطائرة، وهنا قلت لهم أنا سأنام ولا تصحوني، ولكن هيهات أنام بقرب فطوم ، لا يوجد جهاز لم تجربه ولا فيلم لم تشاهده ولا لعبة الكترونية لم تلعبها ولا وجبة تحتوي على الشوكولاتة ولا أيس كريم، والحركة مرة مع الغطاء ومرة مع السماعات ومرة مع كاتلوجات الديوتي فري ... المهم أنا لم أذق طعم النوم .

وصلنا جنيف بالسلامة، فاطمة والعرسان.. يا باباه ماذا نقول ماذا نقول لجماعة الجوازات، أو إلى أين نحن ذاهبون في سويسرا ؟

أنا: قولوا لهم نحن ذاهبون إلى مقاطعة (سنن الجبلية وقرية قيشتاد .. ولا تنسون هذا الاسم .. اتفقنا ؟ اتفقنا ردوا جميعاً .... انتهينا من الجوازات لله الحمد، والان إلى أين يا باباه .

إلى شركة تأجير السيارات بعد أن أخذنا جميع الشنط والحقائب، نحن حجزنا سيارة مرسيدس من شركة (هيريتز) 

فاطمة: السيارة التي حجزناها كانت مرسيدس وهذه السيارة فولفو ؟!!

التلاعب بالمستأجرين للسيارات .. ضابط الشركة قال بأن هذه السيارات جميعها نفس المستوى أو الكاتوقري وهي كبيرة وذات دفع رباعي وأيضاً جديدة، قطعت الفان كيلو فقط .

أنا: انتوا خلصونا ودعونا نركب السيارة ونغادر هذا المكان، من مطار جنيف يعني علينا أن نتخذ طريق لوزان ومونترو وقبل فيفييه نعرج يسار، غوقل ايرث أو ماب رسم لنا خط سير قصير وجيد بدل الطريق السابق الذي متعارف عليه زمان والتعرج بين الجبال .

فاطمة: سأفتح النافذة .. الجو يجنن بارد ولطيف .. أما بعد قليل ارجو أرجو أن تتوقف يا باباه عند احدى محطات التزود بالوقود !! أقصد المحطة الكبيرة نرغب في شراء بعض المسليات ونتغدا في نفس الوقت في تلك المطاعم الكبيرة بتلك المحطات .

أنا: هناك محطة كبيرة قبل لوزان يعجبني البوفيه بها بالدور العلوي أما الدور الارضي فهو سوبرماركت كبير جداً، نحتاج لكمية مياه ومحارم ورقية مع القليل من الفواكه للطريق .. ولا تنسون الشوكولاة هههههه ، صحيح شاحنات لبطاريات الهواتف أيضاً يا فطوم، الجميع عجبهم وجبة العجل (ستيك) مع المشروم والبطاطا ... وبعد ساعة ونصف نحن في مقاطعة سنن على قمم جبال الالب وتلك الطبيعة الغناء والخلابة البكر .. وتلك الانهر الجارية والشلالات الباردة أما الثلوج فحدث ولا حرج .. قالت نورة يا عمي أنا أرى تلك الجبال كالعراس وعليهن الطرحة ... رديت .. كلٍ يفكر حسب حالته الانية يا ابنتي .. هو فعلاً من يرى تلك الجبال ويرى قممها البيضاء بثلوجها يتصور بأنها عرائس بطرحاتها .

أنا: يا فاطمة أغلقي النوافذ قبل أن أتحول إلى لوح ثلجي لا ينكسر وامرض عليكم في هذه الديار ..

نورة: ياعمي هكذا طبيعة أنا اول مرة أراها في هذا الوقت من العام .

أنا: يا ابنتي .. هذه الزيارة لكِ أنتي وزوجكِ عبدالله، وحقيقة كم أتمنى أن تستأنسوا بها مع زوجكِ لأرى تلك الابتسامات والسعادة على وجوهكم، الله يوفقكم جميعاً .... يا رب .

ثم ذكرني الموقف بمقولة في السعادة تقول: إذا صادفت الصفاء والسعادة فسوف يحسدك الناس فكن سعيداً مهما حدث .

أنا: المهم الان نحن وصلنا الفندق وأرجوكم رجاء خاص أن تنقلوا الحقائب ونغتسل وننام إلى يوم غد رجاءً، أنا حقيقةً لم أنم من يوم أمس .

اليوم التالي: فاطمة: يا لله ياباباه إلى مركز أو مدرسة التزحلق على الجليد .

أنا: أي مركز أو مدرسة ؟؟

فاطمة: هناك أمام الفندق على بعد 200 متر .. تعودنا عليها من زمان أتذكر .

أنا: وأنتم لا تنسون !! مادام قريبة من الفندق سنذهب إليها .. ولكن بعد الفطور رجاءً .. يا سلام على هذا البوفيه .. نعمة من الرب .. الخبز اللوف والبقيت و و و أنواع .. يا عبدالله صبلي كأس حليب بارد أولاً .. تصوروا المربى بأنواعه محلي الصنع وأيضاً العسل والزبدة .. أضني حتى دجاجهم لكبار بيضه راقي .. عليكم بالبيض لسكرامبل ... طبعاً لم يسمعوا لي .. بل ذهبوا للكرواسون بشوكولاة وكل ما يحتوي على الشوكولاة !! هذه حالة؟! .. المهم بعد الفطور أخذت تلك القهوة ذات الرائحة التي تصحصح جميع من بالمطعم ... على فكرة الهواتف شغالة تصوير من أمس!!

وقبل ركوب الجميع بالسيارة .. منهم من سقط وهو يمشي بسبب الثلوج المتجمدة أمام الفندق والباقي قبل ركوبهم السيارة .. يعني الجميع سقط .. أقصد لكبير ولصغير والضحك متواصل وهات يا صراخ، يا جماعة مجتمع قشتاد مجتمع هادي لاصوت ولا حس ، وفجأة تغير جو قشتاد .. نعم العرب وصلوا .

بسبب تراكم الثلوج حتى موقف للسيارة لم نجد، واضح بأن المنطقة هذا هو موسمها السياحي في التزحلق وهناك جنسيات من كل العالم وزدحام شديد تصوروا في شهر يناير والشتاء القارص .. انزلتهم في مركز التزحلق الجبلي المفتوح والطلق وستسمحتهم بالذهاب إلى مركز المدينة مشياً ووحيداً مع الثلوج المساقطة، قشتاد ليست مدينة ولا حتى تاون ، هي أقل كمستوى عمراني أو التوسع الافقي لها بسيط وتعتمد على البناء الخشبي الحديث بسبب الموقع الجبلي وكثرة الغابات والاخشاب، سابقاً كانت أكثر شهرة بسبب ذلك الشارع الذي يتوسط المطاعم والمحلات والبنوك، ثم قررت بلدية قشتاد بأغلاق ذلك الشارع حفاظاً على البيئة ، وتم شق نفق خارج حدود المباني لجتياز القرية، ولكن بسبب هذا القرار خسرت قشتاد الكثير في مواسم الصيف حسب كلام مدراء تلك المطاعم ومحلات الماركات العالمية الفخمة مقابل الحفاظ على البيئة، والان قدت مزاراً سياحياً للكبار في السن شتاءً وصيفاً .. أما نحن الباحثين عن الطبيعة والاخضرار والجبال والخدمات الممتازة فهي أكثر من مناسبة لمدة قصيرة بسبب كثرة الاوكسجين في هذا المستوى من الارتفاع المناسب ونوعية الهواء وجودته، حقيقة بعد اليوم الثاني يتخلص الجسم من التأكسد والكسل ويتولد لديك الاحساس بالصحة والمشي الطويل والخفة كأحساس بالوزن، مرة قطعت مسافات طويلة مشياً من قشتاد إلى القرى المجاورة ذهاباً وإياباً ، يعني من الساعة السابعة صباحاً إلى السابعة بالمغرب، تصورو لا يوجد احساس بالتعب ابداً بل بالعكس كانت الرغبة في السير أكثر متوفرة .

رن الهاتف .. ابنتي فاطمة على الطرف الاخر: أين أنت؟ .. أنا بالمقهى (شارلي) استمتع بتارت الفراولة .. فاطمة نحن في الطريق قادمين إليك، هل لديهم شراب الشوكولاة الساخن؟ نعم ولديهم أكثر من ذلك ، أنتم تعالوا فقط ... أنا كل هدفي أن أجعلهم يمشون ويقطعون مسافات طويلة ويطلقون العنان لأرجلهم في هذه الطبيعة الخلابة ... وصلوا جميعاً وهات يا شوكولاة ساخنة وهات يا تارتات مشكلة ومنوعة، كل هذا مع قصص من تزحلق ومن سقط ومن اتعب المدربين والمدربات ... وقليلاً قليلاً بدأت الاصوات ترتفع في مطعم ومقهى شارلي الهادىء (نحن وصلنا) وبعد كل تلك الوليمة بعشر دقائق سأل ابني عبدالله عن الغداء؟ .... يا جماعة بعد بوفية الفطور وهذه الوليمة نسأل الان عن الغداء؟! .... 

أنا: الغداء بعد ساعة ونصف من الان .. ولكن بشرط أن نقضي ذلك الوقت مشياً في قشتاد ونعود مشياً إلى السيارة البعيدة ... ومن ثم نذهب إلى الغداء في ذلك المطعم المختبىء خلف اربعة جبال وليس بعيداً عن قشتاد .

ثم صرخت فطوم: مرددة سنأكل (الروشتي) ... الروشتي عبارة عن البطاطا المبشورة وبالفرن مع الزبدة تخدم ساخنة وتقدم مع الطبق الرئيسي حسب الطلب وهي اطيب من البطاطا المقلية ... أنا شخصياً أفضله مع الباستا كطبق جانبي .... فعلاً لذيذ . 

نورة زوجة ابني او العروس تقول: وتسألني: من أين لك كل هذه الدلالة (المعرفة بالاماكن) بين هذه الجبال والمكان الغريب يا عمي ؟ 

أنا: قبل وفاة زوجتي أم عارف رحمها ألله أو بعد زواجي بها بقليل زرنا تقريباً جميع دول أوروبا وأسيا وأمريكا ثم وصل ابني عارف وحد قليلاً من ذلك الاندفاع السياحي ولكن لم يوقفه، وتمت الزيارات إلى دول العالم متفاوته حسب الاوضاع الصحية للام والمادية أيضاً، ولكن أتت ميثاء وزادت المسؤوليات ولكن يبقى ذلك الاندفاع مستمر معها حول العالم، ودليلاً على ذلك كما ترين يا ابنتي هذا أنا اتنقل بكم من دولة لدولة حسب إجازاتكم، لأنني ارى نفسي فيكم ... ويبقى الحمل كبير بعد مغادرة شريكة الحياة رحمها ألله .. ليس حمل المادي ولكن حمل الفقدان والوحدة المريرة ، يصبح ذلك الانسان المنتشىء بشريكة عمره وحيداً، ولكن الرب عز وجل عوضني بكم جميعاً وتسعدني ابتساماتكم عندما نكون مع بعضنا، أنا يا بنتي كل ما اتطلع لهُ هو أن توفروا وقت للقراءة والاطلاع لتكونوا أكثر وعياً وفهماً للحياة والعالم .. الثقافة والوعي هن حماية لذلك الانسان الواعي والدولي وعالمي بفكره وبمعتقداته وبعيداً عن التحزب والانطواء خلف تلك المجموعات المنطوية والمتطرفة في كل شيء، الحياة جميلة الحياة حلوة .. لو لم تكن الحياة جميلة لما خلقنا الرب لها ، التعامل مع الاخرين وكسب رضاهم وودهم شيء جيد (قيمة مضافة) لكل شيء بالحياة ، وصيتي لكم أن تسعدوا وتستأنسوا وتبتكرو الكثير ، واياكم وتخلي عن الوطن مهما حصل من تطورات في عالمنا العربي المتوعك هذه الايام بسبب التدخلات الغبية من قبل المجموعات الظلامية ... كونو أكثر حذراً وبتعدو عنهم  .... أما عن سؤالكِ .. ها أنتم تكتشفو الكثير في رحلاتكم معي وبرامجنا لن تنتهي أبداً بأذن الله ما دام راسي يشم الهواء .. ولكن بعد فترة وجيزة عليكم الاعتماد على انفسكم في كل شيء .. وعندما تتصعب الامور عودو إلي وسأعطيكم أقرب الحلول بأذنه تعالى .

أعلموا أن خطاكم خطوتان خطوة لكم وخطوة عليكم فانظروا أين تغدون وأين تروحون،،، وحذروا من الاحضان المسمومة لأنها تأتي من الأصدقاء دائماً .

أنا متأكد في يوم من الايام لن تسألوني عن اشياء كثيرة .. بسبب توفر غوقل وعياله .

أنا: استعدو غداً صباحاً سنتحرك إلى مدينة زيورخ .. والمسافة إلى هناك ساعتان أو أقل بدون الازدحامات والانفاق الطويلة .

نورة: يا عمي نحن اليوم هو أول يوم لنا في قشتاد !

أنا: كلامكِ صحيح .. ورحلتنا في سويسرا عشرة أيام، وأنا لدي برنامج ممتاز لكم جميعاً، يوم في قشتاد بأكمله واليوم الاخر نزور فيه مدينة من مدن سويسرا الجميلة، وهكذا نكون انصفنا الرحلة بشكل غير ممل وبأكتشافات وافرة وبالاضافة تتكون لديكم فكرة عن النظام في هذه البلاد مع درجة من الدلالة والتي ستنسخ بهواتفكم، يعني لو قلنا عشرة أيام .. يوم بقشتاد ويوم خارجها ستكون الحصيلة خمسة مدن كبيرة ، لأن المكوث في هذه القرية الصغيرة ممل جداً دون التحرك والاطلاع ومع كمية هذه الثلوج التي تعيق المشي والجري .. أنا سأجعلكم تتمتعون بزيارتكم لسويسرا الجميلة والنظيفة أكثر مما تتوقعون .

ابني عبدالله: ولكن الا تعتقد بأنك ستتعب وأنته تقود هذه السيارة ؟ 

أنا: يا ابني عبدالله يا حبيبي اسمعني جيداً .. السياقة على الجليد لايتقنها إلا من تعامل معها لسنوات، وإلا سيسقط من ارتفاع الاف من الامتار في سحيق جيوب هذه الجبال المخيفة ويضحي بكل من معه ... وبعدين لا يتعب من يكون معكم أنتم يا حبيبي .. بل يتجدد نشاطه ويعود لتلك الفترة الزمنية التي تحتاج الكثير لشرحها .

كما قال الشافعي:( كن رجلاً على الاهوال جلداً ,,,,, وشيمتك السماحة والوفاء
                      ولا تجزع لحادثة الليالــــي ,,,,,, فما لحوادث الدنيا بقـــا)

أنا حقيقةً سعيد بتواجدي معكم كاوالدكم وكاصديق يستمع لكم وتستمعون إليه ... وها نحن من قصة إلى قصة على هذه الطرق الجميلة والمناظر الخلابة وهذه السهول الخضراء والمملوءة بالزهور و الخزامى على مد النظر مطعم بأحواض ثلجية ، صورة معبرة عن حقيقة الشتاء الطبيعي .. وليس الشتاء الساخن والقصير لدينا بالوطن .

واضح بأننا على مشارف مدينة زيورخ الجميلة .

فاطمة: أين ستوقف السيارة يا باباه؟ واضح بأن المدينة مزدحمة جداً .

أنا: لا تنشغلي بهذا الموضوع فقط ركزي على تلك البحيرة وجمالها وتلك السفوح ومنازلها ومبانيها .. أنا اعرف أحد الفنادق في مدينة زيورخ وهذا الفندق لديه عدة مواقف للسيارات ويقبل عشرة مارك مقابل وقوف السارة في أحدى مواقفه .. أنا سأتصرف ولكن عليكم أن تأتو معي لمعرفة جريان الحديث في هكذا مواقف ولتكسبوا خبرة تفيدكم مستقبلاً .. هيا بنا إلى الكونسيرج بالفندق .

هل رأيتوا كيف العملية تتم، دفعنا وأوقفنا السيارة دون أي سوء فهم .. والان هيا بنا ننطلق إلى داخل المدينة مشياً في هذه الاجواء الممتعة والباردة .. غريبة !! لم تتساقط الثلوج بعد على مدينة زيورخ ولكنها مرشحة على السقوط في أي وقت، والان تعونا نقطع الشارع العام إلى البحيرة ومن ثم إلى الجسر الكبير ومنه إلى مركز سوق الجمعة الذي يقع خلف المصرف المركزي لسويسري ومنه إلى بداية شارع البانهوف شتراسا الذي سيأخذنا إلى داخل وسط المدينة ومحطة القطارات، يعني الولوج إلى قلبها مباشرة (زيورخ) ... وفي هذه اللحظة استأذنكم في أغنية جميلة (أجنبية) أنا أغني وهم يضحكون .. بعد الاغنية وصلنا لمقهى (شبرينكليه) المشهور بشهرة سويسرا نفسها، والجماعة مصرين على الهوت شوكولاة أما أنا فلايعجبني إلا فنجان قهوتها الفواحة والمركزة وبعض قطع الشوكولاة الخاصة بمصانعهم (الشبرينكليه) .. ثم واصلنا السير إلى محلات غلوبس ويالمولي وغيرها إلى أن وصلنا إلى محطة القطارات الكبيرة والاسواق التي تقع تحتها مباشرة وتلك التماثيل الكبيرة على مداخل المحطة، تماثيل الشخصيات التاريخية لسويسرية ... سألتني ابنتي فاطمة عن الجانب القديم من المدينة إذا كان هناك جانب قديم فيها .. وجاوبت بالايجاب .. نعم علينا قطع النهر من أحد الجسور للدخول من بداية الطرف للمدينة القديمة أو القسم القديم فيها .. هي عبارة مباني وزواريب ضيقة مملوءة بالمحلات الرخيصة والمقاهي ، ولكن تقع على تل لا يتطلب معرفة حيث أن المشي صعوداً يدل على التل إلى أن تنتهي المدينة القديمة وثم ينزل ذلك التل بالقرب من محطة الترامات بجانب الجسر الكبير والبحيرة .. بالقسم القديم بالمدينة ستجد كل ما تبحث عنه وأكثر بكثير .. ولكن هناك رقي في تصرف الشعب لسويسري حتى لو هو غير واضح يكفي أن تستشعر ذلك الرقي في كل شيء ابتداءً من التعامل مع السواح وغيرهم وينتهي بالنادلة التي تضع فنجان القهوة أمامك، يكفي أن ترى أناملها ملى بالمجوهرات والماركات العالمية وفوق كل هذا هناك نظرة في التعامل تشير بكل وضوح لذلك الرقي .
أما المدينة فهي زاهية بكنائسها ومبانيها الكبيرة والجميلة ونهرها الذي يتخللها بعرض مائة وخمسون متراً.

فاطمة: موعد الغداء قرب .. وفي خاطري اليوم بيتزا بمطعم الايطالي الشهير بــزيورخ  (Mascotte Italian Bistro) الذي يقع بجانب مواقف لترامات أو مقابلها تماماً وبجانب الاوبرا .. وافق الجميع على الفكرة .. وأنا قلت لنجعل الغداء خفيفاً بالبيتزا والعصير .. وهكذا أنتهت زيارتنا لمدينة زيورخ التي استمرت لأربع ساعات فقط مشياً متواصلاً مع شراء ابني عبدالله لساعة مونبلا الرياضية والحديثة وأخرى لزوجته نسائية الدزاين ، أما فاطمة استقرت على ساعة سواتش حدثة الشكل وأنا استكفيت بالمشي الممتع والقهوة فقط

والان يا شباب إلى السيارة للعودة إلى قشتاد والفندق .. نحن جعلنا قشتاد امحطة الرئيسية لنا ومن خلالها نزور مدينة لأربع أو خمس ساعات حسب حجم المدينة ونعود مباشرة لقشتاد كل يومين مرة .. والسبب هو حب التنقل في الطبيعة ومشاهدة أكبر عدد ممكن من المدن لسويسرية .

نصيحة يا أبنائي لكم جميعاً من أراد منكم شراء أي اكسسوارات غالية عليه شراءها من المطارات ولديوتي فري (الاسواق الحرة) كي لا تنضغط أثناء العودة للوطن بسترجاع الخصومات الضريبية الخاصة بهم والابتعاد عن نسيانها أو حتى التكاسل في الحصول عليها بسبب قرب الرحلة .. وتتفاجأ بأنك دفعت مبالغ يصعب استرجاعها .. ومرات تكون بالالاف الماركات او اليروات .

فاطمة: هذه تفرقة يا باباه !! تشتري لعبدالل وزوجته !! طيب .. وأنا والبقية بالمنزل؟!

أنا: يا فاطمة نحن الان على وشك الركوب بالسيارة والمغادرة .. ولكن نحن في أول الرحلة وأمامنا الكثير من الوقت، سنزور مدينة بيرن وأنترلاكن وجنيف وغيرها، والماركات السويسرية هي نفسها في كل مدينة وفي كل مطار وما عليكِ إلا الاختيار والانتقاء ولا تزعلين وتحطين في خاطرك، وعندما كنا في شارع البانهوف أنتي لم تطلبي شياءً .. علماً بأني سألتكِ يا حبيبتي يا فطوم .. ولكن فالك طيب .

غادرنا زيورخ في طريق العودة لقشتاد ... سنتوقف بأحدى المحطات للتزود بالوقود .

عبدالله: هذه أكبر من فقط محطة تعبئة، هذه منتجع كامل متكامل، لاحظوا هناك فندق ومحطة ولها مول تجاري وعيادة مع حديقة العاب للأطفال وتسهيلات كبيرة للعجزة والمعاقين .. والادهى من ذلك هناك مطعم سبع نجوم مع المطبخ المفتوح ... ويكمل عبدالله هناك نوعان من وقود الديزل! هناك ديزل للشاحنات وديزل للسيارات الخفيفة .. ما العبرة في ذلك؟

أنا: قد يكون ديزل الشاحنات أكثر أو عالي الكثافة والاخر خفيف .. لا يوجد أي تفسير أخر يا عبدالله .

عبدالله: ولكن الديزل المتوفر لدينا في الوطن هو نوع واحد يستعمل للشاحنات والسيارات الخفيفة .

أنا: لا تستعجل، وتذكر بأن لدينا بأبوظبي المصافي البترولية التي تنتج كل أنواع المشتقات البترولية ومنها الديزل بأعلى جودة ومواصفات عالمية .. ولا يوجد شيء لدينا غير مدروس يا ابني، نحن كلنا ثقة في مؤسساتنا العاملة بكل جهد وجد  لتوفير منتجاتها لنا وللأسواق الاقليمية ... والملاحظ بأن لم يشتكِ أحداً من تلك المنتجات الوفيرة والممتازة .

فاطمة: هل سنمضي اليوم بطولهُ في هذه المحطة؟ اليس أمامنا طريق طويل وضيق ومملوء بالثلوج يا باباه ... أنا تعبت وأرغب في الاستحمام والنوم .

أنا: هذه طبيعة البشر، عندما يأكل الانسان كميات كبيرة يراوده الاحساس بالتعب والرغبة في النوم والاستراحة ... هذا كله بسبب انتقال الدماء إلى المعدة الملئى بالاكل .. واضافة لذلك المشي الطويل ... فالك طيب يا فاطمة .. يالله إلى السيارة .. وبعد مدة وصلنا إلى منطقة سنن وإلى الفندق .. وما أحلاك يا نوم .

صباح اليوم التالي .... رن هاتف فاطمة ... وفجأة الخادمة (سوما) تتصل من أبوظبي يا فطوم كبير كبير مشكلة .. تقصد بأن المشكلة كبيرة .. القطة Aoushi ضاعت بحثنا عنها بكل المنزل ولم نجدها !

ونقلبت ابنتي فاطمة وتغيرت ورتفعت الضغوط بسبب ضياع القطة Aoushi .

فاطمة: أبحثوا بالمجالس والصالات والغرف وتحت وفوق الاثاث .. كل الردود تؤكد عدم وجودها بالمنزل .. وأدخلتنا القطة Aoushi في ضغوطات بسبب ضياعها ونحن نبعد عنها 6000 ميلاً في سويسرا، هناك من يبكي في الخفاء وهناك من فقد تركيزه ومزاجه .. يا خبر لم نكن نتوقعهُ .. يا هذي مصيبة وحلت علينا بسبب القطة Aoushi .

أنا: طيب .. يا فاطمة دعينا ننهي الرحلة والمتبقي فيها أسبوع .



فاطمة: سأحاول يا أبي .

ذهبنا إلى وسط قرية قشتاد والخواطر مكسورة .. ولا يوجد ما يتحدثون عنه! وأنا أحاول خلق القصص والمواضيع لجذب انتباههم بأننا لا نزال في سويسرا وجمال المكان .. وكتشفت بأنني أحدث الجدران .. القلوب والحواس والمدارك كلها مع القطة Aoushi .

أنا: يا فاطمة أرجوكِ تفهمي لبرنامجنا .. نحن في شهر العسل لشقيقكِ عبدالله وزوجته نورة .. ولا يجب أن نتصرف كالأطفال ونخرب هذه الطلعة الجميلة التي تجمعنا جميعاً لأجمل فترة لهم .

اليوم التالي: فاطمة: تحزم حقيبتها .. ماذا تفعلين يا فاطمة؟

فاطمة: أنا سأغادر إلى أبوظبي لوحدي ونتم كملوا الطلعة ! 

أنا: ومن سيسمح لكِ بالعودة لوحدكِ؟ هناك مشوار إلى مدينة جنيف وهناك تغيير في المواعيد وهناك برامج شركة الطيران ستتغير ! وقد تكون الطائرات ممتلئة ولايوجد حجز ، وقد لانجد مقعد بالطائرة وقد لا نجد حتى حجز بأحد فنادق جنيف للمكوث يوم أويومين إلى أن نجد الطائرة .. وماذا نفعل بهذا الفندق المحجوز لمدة عشرة أيام متتالية والاسئلة لا تنتهي .

فاطمة: انهارت وبدأت تبكي كالأطفال بسبب القطة اللعينة Aoushi .. أنا ضائع بين حقوق ابني في هذه الطلعة وشهر العسل وبين ابنتي المتعلقة بقطتها Aoushi وبين هذه المشكلة الغير متوقعة أبداً ... يا من يابله من حلاله علة !!!!

أنا: عندي حل يا فاطمة ... سنغادر سويسرا جميعنا إلى أبوظبي بعد غد .. وغداً لدينا طلعة لمدينة لوتزيرن الجميلة ...

فاطمة : انشالله يا أبي .. بشرط أن أقوم بعمل الحجوزات الجديدة من اليوم لضمان وجود مقاعد .. وتمت الاتصالات بمكتب طيران الاتحاد بجنيف وتم شرح ظروف العودة المفاجأة .. وأتت الموافقة مع حسبة جزئية تكلفة اضافية على تذاكرنا وعتماد الموعد الجديد للعودة بسبب القطة Aoushi ... 

توجهنا إلى مدينة لوتزيرن الجميلة .. كل شيء جميل في تلك المدينة .. من بحيرتها واسواقها ومحطة قطاراتها وميادينها والجسر الخشبي الذي تعرض للحريق قبل سنوات (جسر الحب) .. وابنتي فاطمة أبداً ليست معانا بسبب شرودها تجاه تلك القطة السيامية التي ربتها من صغرها وتعلقت بها .. سألت ابنتي فاطمة مرة عن لو تزوجت ورفض زوجها أخذها للقطة Aoushi معها إلى بيت الزوجية، ماذا كانت ستفعل في تلك الحالة ... ردت علي بأنها ستطلب الطلاق ولا أن تبتعد عن القطة Aoushi .. الحكمة قالت: تأتيك المصائب من حيث لا تعلم .. يا سبحان الله .

الحقيقة تقال: جميعنا بالمنزل نحب تلك القطة Aoushi .. يعني عاملة جو بالبيت ومدللة إلى أخر مستويات الدلال .

استغرقتنا الزيارة لمدينة لوتزيرن اربع ساعات ونصف إلى الرابعة عصراً تقريباً ومن ثم عدنا إلى قشتاد .. ولكن واضح بأن هذه الزيارة لم تكن فرحة وسعيدة مثل زيارتنا لزيورخ بسبب ضياع القطة Aoushi بأبوظبي .. كان في خاطري أفتح محاضرة طويلة بسبب تعلق أحد أفراد العائلة بقطة .. بالسيارة ونحن في طريق العودة لقشتاد .. وكتشفت أني لو فتحت هكذا محاضرة سيبدأ البعض في البكاء والزعل .. ولكن السكوت على أن أفتح صفحة قد لا تنتهي بسبب القطة لا بركةٍ فيها .

واليوم التالي الجميع يوضبون حقائبهم في الصباح الباكر تجهيزاً للعودة إلى أبوظبي .. صاحبت الفندق متفاجأة وأنا ما أعرف ماذا أقول لها .. ثم رديت عليها بأن أمور طارءة حدثت بالوطن ويتعين علينا العودة .. ووعدتها بالعام القادم سنعود ونسكن فندقها الدافىء .. وطلبت منها أن تخصم كل المبلغ إن ارادت للعشرة أيام لأنهُ ليس ذنبها بل هو ذنبُنا نحن بسبب القطة Aoushi .. ولكنها كانت راقية في كل شيء .. وقالت مستحيل أفعل ذلك .. ولكننا ننتظركم العام القادم وناولتها بطاقتي الشخصية التي تحتوي على العنوان والارقام وصندوق البريد .. وشكرتها مبتسماً .. أما البقية فهم في انشغال تحميل الحقائب بالسيارة .. والأستعجال جعلهم ينسون بعض الاحذية وبعض الملابس وأكياس الشوكولاة وأشياء نسيناها بسبب تلك القطة Aoushi .


وبعد ساعة ونصف وصلنا مطار جنيف ومباشرة إلى موقف تسليم السيارات المؤجرة وأخذ الباص إلى المطار .. وكان الادخال في الساعة الثانية عشر ظهراً .. ودخلنا بعد تسليم كل الامتعة .. مطار جنيف يظلمنا في موقف الطائرة .. الطائرة تقف في أخر الكاريدور الطويل والطويل والطويل إلى الاخر .. لماذا ؟ لا أعرف . . جلسنا بجانب الاسواق الحرة بالمطار لأخذ بعض المشروبات والمياه .. ثم دنوت على فاطمة وقلت لها أنا لازلت عند وعدي لكِ .. هيا نذهب إلى أقسام الساعات أو أي شيء أخر أنتِ ترغبين به يالله .. قالت أولاً أنا أسفة على كل ما حصل يا والدي يا حبيبي أنا أعلم مدى كبر قلبك وأعلم بأنك تسعى لأرضاء الجميع وأكثر .. ولكن ماذا أفعل أحب تلك القطة وربيتها من كل قلبي وداريتها إلى أن سارت قطعة مني ياوالدي .. وأنا أردد أعلم أعلم يا فطوم .. حقيقة خيرتها بين ساعة قيمتها في حدود ال30,000 الف درهم أو خاتم بناتي حديث قيمته 80 درهم تقريباً .. ففضلت الخاتم على الساعة الغالية .. وبعد ذلك ذهبت فاطمة إلى مديرة محل العطور والشوكولاة وطلبت من المديرة بتجميع كل كمية الجولدن بار شوكولاة المتوفر في ذلك القسم بالمطار وشوكولاة الكوينز او الدراهم (على شكل العملات) ووفروا كرتون كبير لصف تلك الكمية به .. وستوزع على كل زميلات العمل والصديقات وما تبقى سيبقى بالمنزل .


أنا: الرحمة بأوروبا يا فطوم .. نشفتي الاسواق الحرة بمطارات أوروبا .. هذا وسفرك لأربع أيام فقط ! كيف لو كان لشهر أو شهران ؟ الحق يقال أينما حلوا الناس الطيبين تبقى لمساتهم واضحة .. أما أنا فكتفيت بمجموعة أفتر شيف ممتازة بعبق الليمون (فرش) والمعاريس طلبت منهم العذر وعليهم التعويض في هذا السوق .. وقلت لإبنتي نورة يا الغالية وزوجة الغالي عبدالله هذه فرصتك .. عندك الضوء الاخضر عليك بالزين وما تردكِ إلا يديكِ .. ابتسمت وقالت يا عمي مايحتاي أنا أعرفك .. أنته لا ترتاح الا برضاء الجميع .. ولكن سأخذ مجموعة عطور أعرفها .. وعليكِ يا نورة بالشوكولاة أيضاً.. الربع هناك ينتظرون الصوقة .. أنا سبق وكلمت المديرة بأن تجمع الفواتير كلها والسداد من بطاقتي الائتمانية .. ثم أتى البيجنق عن رحلتنا وعلينا الاستعداد للرحلة التي ستصل أبوظبي في السادسة صباحاً .

قبل الركوب بالطائرة وصل أتصال يشير بأن القطة Aoushi ظهرت من مخبأها.. وأن ميثاء ستجلب القطة Aoushi معها إلى المطار غداً أثناء وصولنا بأبوظبي دار الظبي دار زايد دار الجميع .


تمت .... محمد غيث بن مهاه المزروعي