الاثنين، 15 يونيو 2015

جزيرة صير بني ياس .. قصة قصيرة

قصة قصيرة: ترويجية لإمارة أبوظبي ومواقعها السياحية (جزيرة صير بني ياس) وتدور أحداثها في جزيرة صير بني ياس وبعض المناطق .

ترددت سلامة قبل أن تنطق بخجل عن موضوع زيارتهم لجزيرة صير بني ياس، ثم قالت: نحن عائلة حقيقةً لم نعرف الانطلاق والسفر والرحلات البعيدة بسبب التزام الوالد، هو لم يكن ملتزم بأعمال تجارية أو غيرها، ولكنه ملتزم دينياً، أي أنه من البيت للمكتب في أحدى الدوائر الحكومية ويعود، وطبعاً من المواظبين على الصلاة بالمسجد، لدرجة أنه يأم بالمصلين عند توعك الامام صحياً .. ونزور بعض الاهل والاقارب مرة في الشهر أو كل شهران .

أما غير ذلك فلم نرى شيئاً إلى أن تزوجت شقيقتي الكبرى عليا من أحد أبناء جيراننا، شاب ملتزم راقي خريج ولكن نشط، محب للزيارات والرحلات .... ومرة فاجأنا سعيد زوج شقيقتي بأنه سيأخذنا إلى جزيرة صير بني ياس، والتي لا أعلم شيئاً عنها إلا ما أشاهده في التلفاز بأنها تحتوي على أكبر حديقة أو محمية للحيوانات مفتوحة طليقة، وبأنها من لمسات المرحوم الوالد الشيخ زايد رحمة الله عليه، وفكر بها قبل أن تفكر المنظمات العالمية بها، أي أنه اختار جزيرة متكاملة، وتحيط بها المياه من الجهات الاربع لكي لا تتسرب منها الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض .

جميعنا فرحين لهذه الدعوة من شقيقتي وزوجها سعيد، سنغادر ثاني أيام العيد لجزيرة صير بني ياس، ولنمكث بها ثلاثة أيام متتالية، صراحة جميعنا متحفزين لهذه الطلعة إلا والدي الذي فضل أن لا يغادر المنزل، وغالباً ما يردد بأن هكذا طلعات هي مضيعة للوقت والاموال وملهاة عن أشياء كثيرة مهمة في الحياة .

وعندما خرجت من غرفتي تفاجأت بالجميع ، أقصد أخواني وأخواتي وكلٍ منهم مجهز حقيبته الصغيرة !!  يا جماعة باقي اسبوعان على العيد! قالوا: هذا حدث كبير في العائلة .. ولا تلوميننا على هذا الاستعجال والاشتياق لهذه الرحلة الموعودة .

الوالد يرى هذه الفرحة في أعيننا، وأيضاً من خلال نظراته نعلم بأنه متألم لعدم اخراجنا من البيت في كل تلك المناسبات أو غير مناسبات، ونعلم أيضاً لخوفه علينا، ولكن نحن كبرنا وتخرجنا ، يعني بأمكاننا تحمل مسئولياتنا لوحدنا .

وبعد الغداء جلست معه (الوالد) بصالة المنزل، وبادرته بالكلام .. أنت أولاً أجمل أب .. وأرقى أب .. ويحفظك ألله لنا، ولكن أيضاً يا أبي نحن من حقنا أن نتمتع في حياتنا وخصوصاً في هذا العمر مع شقيقاتي وأشقائي، ونحن ذاهبون مع شقيقتنا عليا وزوجها سعيد صاحب الاخلاق الحميدة والذي يخاف ألله في كل شيء، هو مثلك تماماً يا أبي، وبعدين كلها ثلاثة أيام إلى تلك الجزيرة السياحية وأنا أسميها سياحية ثقافية، أما أشقائي لهم هدف اللعب على شواطئها الجميلة والبيضاء .

هل أنت يا أبي مطمأن لنا في هذه الرحلة؟

الاب: نعم يا ابنتي سلامة، أنا مطمأن وليوفقكم ألله، وأيضاً لأرى الفرحة في عيونكم، أنا يا ابنتي سلامة بعد وفاة والدتكم الغالية خففت خروجي خوفاً عليكم وحفاظاً لكم، ولهذه الاسباب حرمت نفسي وحرمتكم متعة الخروج والزيارة اعتقاداً مني بتصرفي هذا أحافظ عليكم، ولكن أنتِ على صواب عندما قلتي أنه من حقكم الخروج والتمتع في مراحل حياتكم المختلفة ... أما أشقائكِ وشقيقاتكِ الصغار فهم أمانة عندكِ يا سلامة .

عندما تكلم والدي وشرح لي عن خوفهُ علينا أيام كنا صغار، رأيت الرضى والثقة في وجهه، وهذه الاشارات هي عبارة عن الضوء الاخضر لنا في هذه الرحلة، والدي رجل مثقف وخريج ولكن ظروف موت والدتي هي التي جعلته يتقوقع بالمنزل لسنوات خوفاً علينا وحفاظاً على صحته من أي نشاط مضر لهُ .. وأثناء ذلك التقوقع بالمنزل تحول إلى معلم درجة أولى لنا، لدرجة أن كل درجاتنا التعليمية ارتفعت من الستينات المائوية إلى التسعينات بسبب المراجعات والمتابعة وكان حفظه ألله لا يترك كبيرة وصغيرة في عموم المواد، حتى عندما كنا بالجامعات، كانت لديه طرق في توفير البحوث المناسبة والمدعمة علمياً والدالة على الهدف المطلوب .

في ثاني أيام العيد نحن جميعنا في قلب المنزل أو صالته الرئيسية من الصباح ننتظر شقيقتي عليا وزوجها سعيد، الان الساعة السابعة والنصف وكلٍ منا بحقيبته وبسبب الانتظار اذكر فطرنا مرتان، أخي عبدالله الصغير يقول بأنه متخصص في صيد القبقوب وأخر يقول: بأنه سيركب الجمل وأخرى ستصور مع الزرافة، لأول مرة أكتشف بأن معلوماتهم عن عالم الحيوان كبيرة جداً، الظاهر بأن الاستعداد للرحلة أخرج كل المعلومات العامة التي لديهم الحلوين .

وعند الساعة العاشرة والنصف صباحاً وصلت شقيقتي وزوجها لأخذنا في أول رحلة حسب ذكري إلى جزيرة صير بني ياس وستمتد لثلاث ليالي متتالية، وكانت أمام منزلنا سيارتان ذات الدفع الرباعي كبيرة، أنا ركبت مع شقيقتي وزوجها لأضمن الحصول على أكبر معلومات ممكنة عن المناطق التي سنمر عليها لأحكيها لوالدي ولكم .

تحركنا من أبوظبي غرباً بتجاه منطقة الضبعية ونفس الطريق يأخذنا إلى بو الابيض ومن ثم إلى طريف والمرفا والهرمية والثميرية وقرين العيش وأخيراً إلى الظنة أو جبل الظنة .. وصادف وصولنا في الساعة الواحدة والنصف، أو بما معناه موعد الغداء، والجميع رشح بأن نتغدا في فندق جبل الظنة، وقبل الغداء بقليل أصر زوج شقيقتي سعيد أن يأخذ الجميع إلى مدينة منطقة الظنة الصناعية، تلك المدينة التي لا أعرف عنها شيء ولم أسمع بها في حياتي، هي مدينة متوسطة الحجم ويقطنها مهندسين البترول، طبعاً بعوائلهم، وفيها المدارس والمستشفيات وجميع الخدمات المكونة للمدينة العصرية، ثم سمعته يقول هذه المدينة هي تحت ادارة شركة أبوظبي للبترول (أدنوك) وهي سياسة جيدة أن تجعل استقرارهم بجانب مواقعهم واعمالهم .

ولكن ما شد انتباهي هو نظافة تلك المدينة وطرقها، وهي عصرية بكل معنى الكلمة، ومن ثم توجهنا إلى فندق دانات جبل الظنة للغدا، فندق خمس نجوم مزدحم والكثير من الاجانب الاوروبيين والامريكيين، وبمجرد جلوسنا على طاولتنا الكبيرة، سمعت زوج شقيقتي سعيد يقول دعونا نذهب إلى البوفيه لملىء الاطباق وننتهي من الغداء قبل الساعة ثلاث والنصف، لأن العبارة البحرية ستقلنا إلى جزيرة صير بني ياس في تمام الساعة الرابعة عصراً .

أنا واخوتي انبهرنا بالوبي الكبير وتلك الخدمات الخمس نجوم ونحن في المطعم ومتقيدين بالطابور قبل وصولنا إلى تلك القدور الملئى بمختلف صنوف الاكلات، المشاوي والمقلي والايطالي وغيرها الكثير، رأيت اسماك الكنعد والهامور التي اعرفها بسبب حب والدي لتلك النوعيات بالمنزل، ولكن قررت أن أختار الباستا الايطالية، القليل من الأسبغيتي واللازانيا مع بعض الخضار المسلوقة .

شقيقتي عليا: يا سلامة ... انتبهي لأشقائكِ واضح بأنهم خلطوا الغداء مع الحلو !! فضحونا، شقيقك حمد حامل كأس كوكتيل الربيان ويركض بين الطاولات .

معليش يا عليا .. هذه أول زيارة لهم وفرحانين .

المهم عدت الامور على خير وكانت تجربة مفيدة لنا، ثم غادرنا الفندق متوجهين إلى موقع العبارة البحرية التي ستأخذنا إلى جزيرة صير بني ياس، ونزل كلٍ منا يسحب حقيبته متوجهين إلى العبارة والغبطة تأسرنا، تصورو أول مرة في حياتي أصل إلى هذه النقطة في وطني الحبيب، وأول مرة اختبر هذه الطلعة بالعبارة، الكل يتظاهر بأنه متعود على هذه الرحلات والحقيقة تقول خلاف ذلك، وكل منا يناظر أخيه وأخته وبتسامة الفرح تعلو الوجوه، أما زوج عليا فهو ايضاً مرتبك من ارتباكنا، رن أحد أجراس العبارة، وزاد الطين بلة كما يقال، من ركب جرى إلى الداخل ومن لم يركب هرب بعيداً خوفاً من تحركها، و ردت الفعل هذه فضحت تلك الثقة التي كنا نتظاهر بها، وهات يا ضحك على خيبتنا، ولكن دعونا نتوكل على الله ونركب العبارة الكبيرة .

أنا استسلمت لهذه العبارة وجلست بالمقدمة المفتوحة على الهواء الطلق، ونزعت الشيلة (غطاء الرأس) واطلقت شعري في هذا العليل وروائح البحر وذلك البعد الذي يصل إليه نظري بالافق ، وعند أخذ الزفير وأملىء رئتاي بهذا العبق البحري والرطب، وفي مخيلتي حياة الاجداد وتنقلهم بين هذه الجزر بالضبط، والياسات العالي منها والسافلي وبعيا، والقصص التي كنا نسمعها من الاهل عن أيام الغوص وبعض المناوشات مع الانجليز ومع الجيران، كان زمن تبحث فيه العشائر عن لقمة العيش، حتى لو بالقوة والنهب وغيره ... كانت الحياة صعبة في ذلك الزمان الغابر .

الظاهر مفعول سحر نسيم البحر جعلني اسرح مع ذاكرتي، عموماً تحول نسيم البحر إلى رطب ولكن منعشاً، وكان الجالسون في العبارة يتضاحكون ومبتسمين أشقائي وشقيقاتي وبعض السائحين الاجانب، جاؤا جميعا للاستمتاع بهذه الجزيرة التي لا تزال شبه عذراء.

وبعد عشرون دقيقة نحن بالمرفا الخاص بالجزيرة أو جزيرة الصير، وستقبلنا باص مكشوف ينتظرنا لأخذنا إلى الفندق، وماهي إلا لحظات حتى مر بنا الباص بجانب تلك التضاريس الصخرية، يميناً بر الصير وشمالاً زرقة المياة أو البحر، والباص يتحرك بأقل سرعة ليتسنى للركاب رؤية جوانب الجزيرة، وطبعاً أنشغل الركاب بالتصوير ومشاهدة بعض الحيوانات النادرة والجميلة والتي تعودت على الزوار ولا تخاف البر او الاقتراب ونحن نسير إلى أن وصلنا إلى الفندق وهنا كانت المفاجأة الكبرى ، الفندق لم يكن كما توقعته كأي فندق على أي جزيرة ، البهو (اللوبي) كبير جداً وحديث طبعاً خمسة نجوم بحق وحقيق، ردهة الفندق دالة على فخامة الفندق من أول نظرة، الاستقبال هناك بعيد، التحف والثريات دالة بشكل واضح بأنها عملية متعوب عليها ومستثمرة بشكل جيد ، المساحات شرحة للغاية، المهم نحن سكنا كل اثنان بغرفة، وأتت الاتصالات من غرفة شقيقتي عليا وطرحت فكرة بأن نبقى بالفندق اليوم لأننا بوقت المغرب الان والشمس غربت وغداً صباحاً سيبدأ النشاط وننطلق، والان من أراد العشاء عليه بخدمة الغرف أو النزول إلى المطعم للأكل من البوفية، أما أنا فخترت أن أبقى في الغرفة مع شقيقتي الصغرى وأستحم بعد كل هذا التعب والحركة التي لم اتعود عليها .

شقيقتي  الصغرى عزة: طلبت مني أن أفتح التلفاز لها، إلى أن أنتهي من الاستحمام، وبعدها نجلس ونضع خطة برنامج غداً .

شقيقتي الصغرى عزة: ماذا هناك؟ هم شيئان ، غداً نركب عربات أو سيارات الفرجة على الحيوانات صباحاً إلى موعد الغداء وبعدها نذهب نمشي على الشاطىء لتجميع القواقع لعمل مشروع في مادة العلوم بالمدرسة أو لاحتفظ بهن في المنزل كذكرى عن جزيرة صير بني ياس، ولأنها أول رحلة لنا ... ماهو رأيك يا سلامة ؟

واضح يا عزة أنك حافظة لواجب الرحلة تماماً، ولكن يا عزة هناك أماكن بها العاب مخصصة للي في أعماركم بجانب الفندق .

عزة: تضحك .. نحن شبعنا من هذه الالعاب المكررة، أود اللعب مع الموج ومع قواقع واجري على الشاطىء (السيف) زاركض خلف الشنقوان (سلطعون صغير) كما يفترض بي، أنا في جزيرة والبحر يحيطني من أربع جهات وهل هناك متعة أكبر تشويقاً من البحر والشاطىء يا سلامة ؟

سلامة: كلامك واقعي ما شالله عليكِ .... والان دعيني أتصل بباقي الغرف لأسألهم عن العشاء الي يرغبون بهِ، الكل أجمع على الهبي ميل للاطفال أو وجبة الصغار، وأنا سأطلب كلوب ساندوتيش وننام إلى الغد .

اليوم الثاني صباحاً، الساعة التاسعة على بوفيه الفطور وصل مرشد زيارة وكتشاف الجزيرة يستأذنهم ان كانوا من ضمن المجموعات التي ترغب في  زيارة والاطلاع على الحيوانات بشكل سافاري (الجلوس بالمركبة المخصصة للطرق المتعرجة بين مناطق الحيوانات المختلفة على بر الجزيرة) والسبب هو الحيوانات شبه طليقة حرة والزوار في مركبتهم يتنقلون بينها،  والبرنامج هذا يستقرق من الساعتان إلى ساعتان ونصف، يعني من العاشرة صباحاً إلى الثانية عشر ظهراً، وهناك برامج زيارة تبدأ بالعصر أيضاً .

وجميعنا ردينا عليه بأننا من ضمن الذين سيزورون الحيوانات، وقد نكون أكثرهم رغبة في تلك الزيارة، ورد الجميع نعم نعم أو YES YES والفرحة على تلك الوجوه واضحة بشكل ملفت، بيني وبين نفسي أقول أين أنت يا أبي عن كل هذه المغامرات .... أه ليتك معنا ...  ولكن جميعنا متجهزين بالكيمرات، منها بالهواتف ومنها كاميرات مستقلة والصور ستصلك أينما كنت يا أبي .... وفجأة أسمع شقيقتي عليا تناديني ... يا سلامة ... يالله نحن تحركنا .... أنا سرحت أتخيل والدي بالمنزل لوحده أو قد يكون بسوق السمك والخضروات، أو قد يكون يتابع محطات الاخبار بالتلفزيون أو محطة ناشيونال جغرافيك أبوظبي ... محظوظين نحن جميعنا في مركبة سفاري واحدة، وهذا النوع من المركبات مرتبة بشكل يسمح للركاب بمشاهدة الحيوانات من أرتفاع مناسب وجلساتها مريحة جداً وملائمة، وتحركنا منطلقين .

شقيقتي عزة: واضح بأن البر كبير جداً في هذه الجزيرة الجميلة وهناك مشاريع لا تزال قيد الانشاء ولكن الكثير منها جاهز (شاليهات وفلل وغيرها الكثير) ... وفجأة سمعناها تردد رحمك الله يا بابا زايد .... وكل منا نظر إلى الاخر .... ورددنا جميعاً (الله يرحمه)

أكثر ما شاهدنا هي غزلان الظباء والوعول والدماني وغيرها الكثير، وما لفت الانتباه هي تلك الزرافات الطويلة أكثر أكثر طولاً من ما نشاهده في التلفاز، النعام ومختلف الطيور، ولكن مالفت انتباهي هو ذلك الاهتمام بالطاقة النظيفة، فعلاً هناك توجه كبير للطاقة النظيفة الشمسية، وتلك الالواح تراها في كل مكان، بعد انقضاء ساعتان عدنا إلى الفندق، وشقيقتي عزة تسحبني وتقول لا تنسين شاطىء البحر والقواقع رجاءً .... انشاالله ونتظري لحظة ...
يا عليا إذا بتاخذين لصغار إلى منطقة الالعاب، أنا وعزة سنذهب إلى الشاطىء  .... حقيقة لدينا رغبة في السباحة والجري على الشاطىء لمدة ساعة أو إلى موعد الغداء ... وعزة في خاطرها تجميع القواقع (الصقوع والمحار)

في مياه البحر عزة تقول لشقيقتها سلامة ... أضني يا سلامة عضتني قبقوبة صغيرونة .

سلامة: كل من يطول ما يدخل البحر ويدخله فجأة وعندما تلامس ارجله أي شيء حاد بعوه ولا حصاة يعتقد بأنها قبقوبة، ما شالله عليها جزيرة سيفها نظيف وجميل والبحر معتدل الحرارة، والطيور الحريش والصلال والطليلية مجاربة وايد .. أما لخصيفي والزرعي ما يجارب .

عزة: سأذهب واحفر بيت الشنقوان إلى أن يخرج من بيته لأجري خلفه .

سلامة: يا عزة لا تبعدين، عندك عشرة متر يسار وعشرة يمين ... ثم استلقت سلامة على المياه طافئة مستمتعة بنسائم البحر وعتدال المياه وهدوء المنطقة، كأن الشاطىء لهم هي وشقيقتها عزة، ثم بدأت سلامة في الغناء وهي طافئة على سطح المياه .

سلامة: يا عزة خذي هاتفي وصوريني وأنا طافئة على الماء لأرسلها إلى الوالد ليعرف بأننا متمتعين في رحلتنا، وأيضاً ليعرف بأن يأخذنا معه في المرات القادمة .

عزة: يا سلامة شوفي الشنقوان لكبير بعد أن أخرجته من حفرته (عزة تركض خلف الشنقوان وهي تصرخ منادية سلامة لتشاركها متعة الجري خلف الشنقوان)

في اليوم التالي طرح سعيد زوج عليا فكرة الذهاب إلى جبل الصير لتسلق تلك الجبال المتوسطة الحجم، بشرط أن يبدأون من الفندق عملية المشي ذهاباً وعودة .

وافق الجميع على طلعة (الهايكينغ) أو الاستكشاف للجزيرة مع سلال مخصصة تحتوي على المياه والاطعمة ... سلة لكل شخص ... ومن خلال تلك الطلعة مروا على مواقع قديمة تتخللها بعض الصخور صعوداً ونزولاً ، وشاهدوا أجزاء من سفن خشبية محطمة بسبب الزمن أو أمواج البحر، وستغرقتهم عملية الهايكنغ من الصباح إلى الساعة الخامسة مساءً، وأثناء عودتهم إلى الفندق سمعت سلامة زوج شقيقتها سعيد يقول: علينا مغادرة الفندق غداً صباحاً (الصباح الباكر) حيث أن برنامج العودة أيضاً طويل، ويشتمل المرور بالغربية وغياثي وليواء .

سلامة: بعد أن وصلوا إلى الفندق ... يا صغار عليكم الاستحمام والنوم باكراً أستعداداً للعودة .

في صباح يوم العودة العبارة تغادر الجزيرة الساعة الثامنة صباحاً إلى البر الكبير، يعني الجميع عليهم أن يكونوا في ردهت الفندق الساعة السادسة والنصف وفي السابعة الافطار وبعدها التوجه إلى العبارة .

زوج شقيقتي عليا ، سعيد يقول : برنامج العودة سيستغرق مدة طويلة ! 

شقيقتي عليا تسأل: لماذا مدة طويلة، غالباً ما تكون نفس المدة ؟!

سعيد: يا الغالية أولاً غدانا في فندق قصر السراب بعد المرور على غياثي ومنطقة عرادة في عمق الظفرة ونكون دخلنا ليوا ومنها  سنتجه إلى منطقة حميم مروراً بالمحاضر الرائعة، حصان خنور ، المارية الغربية، انفير، الحومانة، المارية الشرقية، مروان، مزيرعة، الحويلة، وشاه، والثروانية، وجية، وباقي المحاضر إلى أن نصل لحميم .. وسنتغدا في فندق قصر السراب وسنتجه إلى مدينة العين الجميلة والخضراء عبر طريق حميم - العين الجديد ومن ثم إلى أبوظبي .

ويكمل سعيد: ونكون أعطيناهم صورة كاملة عن الغربية والشرقية، ولم يفهم الشباب أن بلدهم أبوظبي ليست صغيرة بل هي كبيرة وكبيرة جداً، وأيضاً كبيرة بعمقها التاريخي، وبمجرد وصولنا إلى ليوا سأحاول أتذكر مواقع القلاع القديمة وسأخذكم إليها لتصوروها وتروها لتبقى في ذاكرتكم إلى الابد، والان دعونا نتحرك إلى عمق الغربية .

سلامة: أنا لم يكن في اعتقادي بأن هناك طريق يشبك ليوا بمنطقة العين، ومتى نفذوا هذا الطريق؟

سعيد: القيادة والحكومة أرتأت بأن لابد من هكذا طريق ليخفف الضغط على الطرق الاخرى ، مثل طريق العين أبوظبي و أبوظبي طريف، تفادياً للازدحامات المرورية وختناقاتهم، واليوم أي شخص يستعمل هذا الطريق يتلمس قلة الازدحامات على الطرق المشار إليها لله الحمد وأيضاً اختصاراً للوقت و مد عمر الطرق ، الحكومة أعطت أوامرها لأي نقل ثقيل يجب أن ينقل عبر القطارات لأطالة عمر الطرق، كما هو معمول به في جميع دول العالم المتحضر .

عليا: تصدق أنا أول مرة أشاهد مدينة غياثي، ما شالله لدينا اراضي واسعة وكبيرة، هل تعتقد يا سعيد بأن هناك امكانية في استقلال هذه الاراضي كمناطق استثمارية عالمية مثلاً؟

سعيد: نعم، بأمكانهم وضع خطة مستقبلية استثمارية كما تعلمين هناك منشئات منطقة الظنة وهناك المحطة النووية الاولى بالمنطقة ومستمرة في التوسع إلى أن تصل إلى اربع محطات نووية وقد تزيد حسب الحاجة للطاقة الكهربائية، إذاً جميع التسهيلات متوفرة .

عليا: متى تعتقد سيتحرك مجلس تطوير الغربية ويستقل كل هذه المعارض والمؤتمرات في الدولة وخارجها ليروج عن الغربية، علماً بأن هناك شركات عالمية ضاقت بها المساحات في دولها وتحتاج إلى مناطق أكبر لتتوسع، ونحن كما تعلمون في الوسط بين جميع قارات العالم، يعني موقعنا سيخدم اسيا وأفريقيا وحتى اوروبا، واضافةعملية جذب وهي عدم احتساب ظرائب (فترة سماح) لمدة عشر سنوات، وبأمكاننا اللعب من خلال دوائر التخزين (مخازن) للتأجير على تلك الشركات، أنا سمعت بأن هناك شركات طيران في أمس الحاجة إلى شبه مطارات بمدرجات طويلة جداً لعمل التجارب للطائرات الجديدة، تصوروا إن عملنا أو وفرنا هذه المدرجات والمباني وسوقناها عالمياً كم شركة تصنيع طائرات عالمية ستنتقل بسببها وستنقل مصانعها إلى الغربية مثلاً، نعلم بأن هناك شركات مضغوطة بمحدودية المساحة في دولها وكل عام يمر تنضغت أكثر، وهذا يسري على الشركات الاخرى وليست فقط الطياران، أقصد جميع شركات الخدمات والتصنيع ... عموماً نحن نطرح الافكار والامر يعود لهم، الفرص كثيرة وكبيرة، وما عليهم الا التحرك والتسويق .

سلامة: رأيتم كم استقرقنا من وقت في المسافة الواقعة بين غياثي وعرادة ومضروبة بالعرض، اخذت ساعة ونصف بمنطقة تخلُ من أي شيء تقريباً، فعلاً لابد من أن يستقلوها في شيء مفيد ويعود على الوطن بالكثير .. أقلها ستتوفر الوظائف، وسيكون لدينا المهندسين والمتخصصين .

الموقف العام: السيارة تسير وبعض الاطفال في سبات (نايمين) والمسافة تطول .

سعيد: هل تناظرون هذه القلعة الجميلة ؟

عليا: واضح بأنها قديمة جداً ، قد تكون شيدت قبل ثلاثمائة أو أربعمائة عام، طيب لماذا شيدت أصلاً ؟

سعيد: كما تعلمون .. في ذلك الزمن هناك غزوات وأطماع وحروب، وهذه القلاع شيدت لصد تلك الغزوات .

عليا: ومن شيدها ؟

سعيد: شيدوها أجدادنا وأبائهم ومن قبلهم للدفاع عن الوطن والذود عنه، ولكنهم (أجدادنا) ليسوا جيش نظامي، هم قبائل متعاونة ولديهم الغيرة على وطنهم وشرفهم والولاء للقيادة في ذلك الزمن، وكان كل ذلك النشاط دون مقابل، أي أنهُ لاتصرف رواتب لهم، هي فقط العزة والغيرة على تراب الوطن ، وهذه من أعلى درجات الانتماء وهناك الكثير من الاجداد فعلاً ضحى بدمائه في سبيل أن ننعم نحن اليوم في هذا الوطن الكبير .. وبأمكاننا أن نلخصها في كلمة واحدة وهي (الولاء الحقيقي للوطن)

ويكمل سعيد: حقيقةً في ذلك الزمن لا يوجد لدى القيادة ما تعطيه، بل أجدادنا هم من يدعمون الوطن والقيادة من شدة ولائهم وحبهم للقيادة والوطن، وفي هكذا مراحل تنعدم الماديات والمصالح الشخصية وغيرها ... ولا يبقى إلا الولاء والتعاون الشريف بينهم.

سلامة: من أين لهم ليدعموا الوطن والقيادة ؟

سعيد:  ركزي معي يا سلامة ... من لديه نخيل ويوان يعطي من أنتاجها ومن لديه حلال (الجمال والاغنام وغيرها) أيضاً يعطي منه ومن يغوص بالبحر يعطي من مارزقهم الله، وفي حالة صيد الؤلؤ تسمى (الحاصلة) وهي تعادل نصف كمية الؤلؤ المصيود أو المجمع من البحر ، علماً بأن عملية الغطس او (الغوص) من أخطر عمليات كسب الرزق، والتهديد يأتي من أسماك القرش وغيرها من الاسماك، ومن إنقطاع الاوسجين، يعني حقيقةً تغادر السفينة بخمسين رجل وتعود بثلاثين أو أقل في بعض المرات، نعم كانت المسألة خطرة للغاية .

عليا: وكيف للحكومة أن تتأكد بأن هذه هي الكمية الحقيقية ؟

سعيد: زمان يا حبيبتي عليا، الاهالي لديهم شيء أسمه (الذمة) وهم أصلاً يعرفون مخافة ألله في كل شيء ... لأن الولاء والحب والانتماء جميعها متوفرة .. وجميعها تقود إلى الذمة الخالصة، أنفسهم نظيفة، إذاً لا توجد شكوك أبداً .
وها نحن وصلنا منطقة أو محضر مزيرعة، ومزيرعة هي تتوسط ليوا أو تتوسط محاضر ليوا وبها أيضاً قلعة جميلة .

سلامة: الساعة الحادية عشر ظهراً، متى سنصل إلى قصر السراب ؟

سعيد: نحتاج إلى أربعون دقيقة لنصل إلى محضر حميم ومن ثم ننعطف يميناً إلى قصر السراب، هو فندق يتخذ لون الصحراء ورمالها وموجود على عمق خمسة كيلومتر في الصحراء من الطريق العام، ولكن يعتبر خمسة نجوم لما لهُ أو يحتوي على جميع التسهيلات ، أجنحة وفلل وشاليهات وأحواض سباحة خاصة وعامة ومجموعة كبيرة من المطاعم وقاعات الاجتماعات والمحاضرات والمؤتمرات وأيضاً الحفلات وغيرها الكثير، أنهُ عجيب وغريب وجميل أيضاً .

المنظر خلاب .. الأخضرار في كل أتجاه والمزارع ممتدة وأكثر ونحن نسير بسرعة معتدلة، وعندما نمر او نسير بين كل هذه المزارع والكثبان الرملية الجميلة يستشعرها تحكي لهُ قصصها أو كأن التاريخ يحاول أن يتواصل بالحاضر عبر أحاسيسنا، سقطت دمعة من عيني وأنا أتذكر الاولين الذين خلفوا لنا هذا الوطن الجميل رحمهم الله جميعاً .

سعيد: هذا نحن وصلنا إلى الفندق أو فندق السراب بعمق الصحراء .

عليا: يا سلامة صحيهم من نومهم ليستعدوا للنزول اخوتك .


نزلنا جميعاً وهممنا بالدخول في تلك القاعة الرهيبة، كأنه أحد قصور هارون الرشيد .. ثم بحثنا عن طاولة عائلية كبيرة وكثيرة العدد ... أما لصغار فذهبوا جميعاً إلى البوفية قبل الجميع .
ثم تناقلنا إلى البوفية الواحد بعد الاخر .. وطلبت من لصغار (الاطفال) عدم مغادرة الطاولة والمحافظة على هدوئهم .. ووعدتهم بغداء طيب ويعجبهم كالعادة .

وكلما اقتربت من البوفية ظهرت لي كميات من حافظات الطعام كبيرة جداً وممتدة لعشرين متراً تقريباً وبشكل دائري، يعني حسبوا حساب الجميع، وليغطوا جميع الاذواق، الشيء الذي يجعلك تشبع قبل أن تختار أو تعرف ماذا تحتوي كل هذه الحافظات الفضية الكبيرة .. وأكثر من ذلك أكتشفت بأن هناك بوفية خاص بالاطفال .. وقلت في داخلي يا حظهم من أطفال.. وبوفية أخر أو ثالث يحتوي على كل ما طاب من الحلويات ، وأصناف أول مرة أراها في حياتي ... ثم عدت للبوفيه الاول وخترت البرياني بالحم، والهيل أو بنكهة الهيل وأيضاً على الطريقة الهندية، وخبز النان أو التنور الساخن .

انتهينا من الغداء وذهبنا إلى إكتشاف اسرار هذا الفندق العجيب والجميل، ما أعرف كيف أشرح لكم أو قد يطول الشرح، جميع وكل ما يتوقعهُ الانسان وأكثر متوفر في قصر السراب وجربوه، واضح بأنه استثمار كبير ومتعوب عليه .... وقبل أن نغادر اقترحت عليا أن نأخذ وجبة الحلو أو بالاحرى الايس كريم وفي نفس الوقت أخذت الاطفال إلى الحمام بعد تلك الوجبة الكبيرة والمدعومة بالايس كريم ضروري الحمام .

وطريقنا يطول إلى مدينة العين عبر الطريق الوسيع والجديد (حميم - العين) (حقيقةً لا يوجد طريق يربط حميم - بالعين في الوقت الحالي ، وأنا تعمدت وضعة بالقصة ليلفت أنتباه المسؤولين عن أهميته مستقبلاً) ومن ثم إلى أبوظبي ... وقد نصل إلى مدينة أبوظبي في العاشرة مساءً .

غادرنا فندق قصر السراب إلى مدينة العين الغالية علينا جميعاً عبر الطريق الجديد ليوا - العين، وهذا الطريق أول تجربة لي وقتصر الكثير من المعاناة، فعلاً طريق عالمي وواسع ومحمي ومطعم بمحطات الوقود وهناك موتيل بوسط المسافة ومجموعة محلات وتجارية مع عيادة طبية والكثير من الخدمات، والحقيقة تقال،  الان فعلاً ربطوا مدن ومناطق الوطن بشكل مدروس ... شكراً لهم ولمن فكر ونتبه للحاجة ولكل هذه الانجازات .... وبعد ساعة وصلنا إلى مدينة العين، وكانت مناشدة الاطفال في أن تكون أول محطة لهم هي حديقة الحيوانات الكبيرة بالعين، بشرط أن تسمعوا الكلام وأن تتقيدو بالتعليمات، وتمتنعو من لمس شباك الاقفاص الخاصة بالحيوانات ... أتفقنا؟ .... أتفقنا .

سعيد: نحتاج لسبعة تذاكر، وعلينا شراء بعض المياة المعدنية .

عليا: أيام عيد واجازات وهذه الفرص التي تتوفر لديهم لأفراح الاطفال .

الموقف العام: مقهى الحديقة مليان من العوائل، وأحد أبناء تلك العوائل شاهد سلامة وهي مهتمة بالاطفال أشقائها الصغار والماراة التي تبذلها معهم، أعجب بها وفي نفس الوقت توجه إلى سعيد وطلب منه رقم الهاتف، تفاجأ سعيد من هذا الموقف، ثم رد عليه الشاب أحتاج رقمك في خير بأذن الله تعالى .. وساعتها لم يتردد سعيد في اعطاء الشاب رقم هاتفه، ثم استمرت العائلة في زيارة مناطق الحيوانات المختلفة بالحديقة لأكثر من ساعتان ونصف .

عليا: يا سعيد في خاطري ناخذ لفة إلى العين مول وأيضاً نتعشى ونعشي الاطفال بأحد مطاعم المول وبعدها نتحرك إلى أبوظبي .. لايزال الوقت مبكر وطويل، وفي خاطري أن نزور سوق العين قبل المول لشراء الحناء والبهارات (بزار العين) يا سلام رد سعيد .

سعيد: حشى !! أنتِ إنجلبتِ خالتي العيوز، حناء وبهارات العين !! هيه صدقج نحتاي لومي العين بعد الخضر للسلطات وخصوصاً سلطة لرويد، وذكريني با ناخذ جفير رطب (جفير - سلة من خوص النخل للحمل) انشالله يسدنا اسبوعين، إلى أن نزور العين أو حد من الربع يطرشلنا (يبعث لنا) من رطب الدباس .

ها نحن وصلنا إلى سوق العين، هلموا بالنزول يا شباب، ماشالله على الروائح، الجاشع او السحناة المختلطة بروائح البهارات .. فعلاً اسواق عريقة، ومن هذه الروائح بأمكان أي إنسان أن يميز عمر هذا السوق، السوق القديم يختلف عن المولات ومحلات ومقاهيها، يا جماعة عندكم أربعون دقيقة لننتهي من التسوق، هناك العين مول في الانتظار وبعده العشاء، من الان أرى بعض التعب على وجوه الاطفال، عموماً هذه ليلتنا الاخيرة وبأذنه تعالى ستكون لنا الكثير من الطلعات والرحلات .

انتهينا من سوق العين العريق ، وروائح الحناء والبهارات بدأت تفوح بالسيارة، ولكنها تذكرني بتاريخ طيب بالماضي، واضح الازدحام .. وشديد أمام العين مول وأراه من نسبة عدد السيارات المتوقفة وعدم وجود الفرصة للحصول على موقف، دعونا ننتظر إلى أن تتحرك أحدى السيارات لنأخذ مكانها .

سعيد: يا عليا أنتِ خذي المجموعة معكِ إلى المحلات والمطاعم التي ترغبون او تفضلون .. أما أنا سأبحث عن وزرة وغتر في تلك المحلات الرجالية، كل ما نويت الشراء نسيت موضوعهن، أما اليوم ماضني سأنسى، وسألتقيكم بالمطعم، رجاءً لا تقصرين معاهم، خذيلهم كل ما في خاطرهم يا عليا ولا تنسون الايس كريم بشوكولاة ... عندما كنت صغير كان خاطري في الايس كريم دائماً .. ابو عود المصاص، قبل أن تصل كل هذه الانواع الجديدة .

وبعد مرور ساعة ونصف غادرنا إلى أبوظبي وكل منا وزنه طن بسبب العشاء، ناظرتني عليا وعلى وجهها ابتسامة، منها الرضى ومنها على شكلي وانا ممتعد بسبب الكل الزائد، ولكن حين أناظرها أرى سحر عينيها الجميلة وتشعلني بالطاقة، جميلة، بسيطة، بريئة .

والان سأحيل تكملة الموضوع إلى سلامة بطلة القصة .

سلامة: وصلنا إلى أبوظبي بالسلامة، وحلفت عليا إلا أن تعطيني القليل من الحناء والبهارات العيناوية، وفجأة الوالد واقف على الباب وواضح بأنه افتقدنا جميعاً وبأمكاني أن احكم على ذلك من خلال ابتسامة أبي عندما يكون حقيقةً فقدنا، ولكن تلك الابتسامة تجعلني أحس بالذنب لأننا تركناه وحيداً، ارجو أن يكون هو أيضاً استمتع بوقته ، عموماً الان علي أن اجعل البقية يغادرون إلى غرفهم وينامون، وغداً هناك مجموعة من صديقاتي خططن لزيارتي وشترطن أن يتغدن عندي بالمنزل، وعلي أن أفكر في ماذا أطبخ لهن، واتصلت بأحداهن لتصل منزلنا في الصباح لتشاركني المطبخ وتحضير الوليمة والسلطات والمحاشي، الوالد معزوم لدى الجيران بيت بو بدر على اسماك، وهذا فرصة لصديقاتي لأخذ راحتهن  بالمنزل معي، وراودتني فكرة عجن وخلط الحناء اليوم ووضعة بالثلاجة، وغداً سيكون مفاجأة البنات وهي عليهن أن يتحنن، أما بزار العين غداً سيلعب في الوجبة الرئيسية .

اليوم الثاني .. وصلت عفراء صديقتي في الساعة الثامنة والنصف صباحاً .. جزاها الله خيراً لتساعدني في تحضير الغداء، وجميعهن وصلن في الحادية عشر قبل الظهر، ووكلت صديقتي مريم على ادارة شؤون الحناء، عليها أن تحنيهن الان الان قبل الغداء والغداء سيكون في الساعة الثانية والنصف أو في الثالثة، وساعتان أو ثلاث كافية أن يرسم مفعوله على الايادي ةالاصابع، جميعنا ست بنات وكمية الحناء ستكفي المجموعة، أنا وعفراء سنتحنا بعد الغداء . 

في تمام الساعة الواحدة وصلت شقيقتي عليا وهي تناديني بصوت مرتفع في صراخ وخوف وفرحة .

سلامة: ماذا حدث ؟!  خوفتيني ... عسى ماشر؟! ... هيا تكلمي يا عليا ... وعليا تناظرني وتناظر هذه المجموعة من البنات وعينيها زائقتان .

عليا: يا بنات إشهدن على كلامي هذا .... صديقتكن سلامة تم طلب يدها اليوم أو قبل ساعة من الان .

سلامة: مستغربة .. ماذا تقولين يا عليا ؟!

عليا: اتذكرين الشاب بمقهى حديقة الحيوانات، ذلك الشاب الوسيم الطويل الذي لم تفارقكِ نظراته، طلب رقم هاتف سعيد ونحن لن نلاحظ، وسعيد اعطاه الرقم بعد عدة أسألة، اتصلوا أهله .. تلك الحريم الذين كانوا بالمقهى .... أتذكرين؟

سلامة: نعم اذكرهم، وكانن لابسات بوتيلة (نوع معين من القماش معروف بالامارات) ولكن شو هذا ؟! كله سار بسرعة، الموضوع أمس فقط أو امبارح .

عليا: صدقيني إن لم يكن جاد لما اتصل اليوم، وهذا دليل جدية هذا الشاب، وعلى فكرة .. الشاب حاصل على الماجستير، ويعمل بوظيفة قنصل بوزارة الخارجية، ولم يسبق لهُ الزواج .

الوضع العام: رمت سلامة كل ما في يديها وذهبت إلى غرفتها وأغلقت الباب، أما عفراء استمرت في انهاء الغداء وشاركتها عليا المطبخ، وباقي البنات مصدومات بالخبر والحناء في ايديهن .

أتصلت عليا بالوالد وأخبرته بالموضوع (مسكين أخر من يعلم) انبسط وضحك وقال هذا كلهُ بسبب الحناء أو حناء العين خيره يتبعهُ ، عموماً الله يوفق الجميع، أنا يا ابنتي لا أمانع ابداً ولعل الله يحط البركة فيهم ونفرح بعيالهم (أطفالهم) وأما سلامة (العروس) أنا على يقين بأنها ستكون أماً حريصة على بيتها وعلى زوجها وأطفالها .

تم تحديد يوم الزواج وتزوجت سلامة، ثم اقترح زوجها بطي أن يكون شهر العسل في اعلبي جبال الالب لسويسرية ... رفضت سلامة الفكرة على اساس انها مكلفة وبعيدة، ثم طلب منها بطي زوجها أن تقترح أي مكان وهو على استعداد أن يلبي طلبها .

سلامة: شهر العسل الخاص بي عشرة أيام، خمسة منها في جزيرة صير بني ياس وخمسة منها في فندق قصر السراب في ليوا .

ثم وقف زوجها بطي وقبلها على رأسها وقال لكِ ما طلبتي يا حبيبتي الغالية سلامة .

تمت ..... محمد غيث بن مهاه المزروعي .



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق