السبت، 22 مارس 2014

تأخير و وردة و درجة ...... قصة قصيرة جداً

صباح يوم الاحد الماضي هو يوم بداية الاسبوع العملي والرسمي لدينا هنا بأبوظبي والامارات ..... اما أنا فذهبت الى عملي ومكتبي متأخرة الى العمل .....  لاسباب أعلم جيداً أنها لن تقنع رئيس قسمنا بالشركة ..... ماذا علي أن أعمل؟ ...... راجعت أموري ، بحثت عن أعذار لتكن حبل النجاة في داخلي وعلى موقفي البائخ هذا .

قررت أن أتقدم بعتذار ثم أشرح أسبابي ..... أسباب التأخير ..... ولكن ليس لدي اسباب اشرحها او اذكرها ......وهكذا تضاربت الافكار وتجمدت ، لدرجة أنني أعتقدت في وهلة بأنني طفلة بريئة لا تقوى على هذه المسئوليات والمكاتب والارتباط بالعمل وزملاء العمل و رؤساء الدوائر والاقسام، واللف والدوران .... انا لم اخلق لهكذا مواقف او حياة صعبة ..... ولكن ماذا افعل وحال العائلة صعب بدون راتبي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع .

وفي تلك الاثناء كنت اسير بخطواتي المترددة بجانب جدار حديقة الخالدية بأبوظبي الحبيبة ..... بسبب وجود سكني مع عائلتي بجانب حديقة الخالدية، او منطقة خزان المياة تسمى زمان .... تماماً على بداية الشارع الموازي لشارع الخليج العربي ..... ذكرتني كل تلك الزهور بحديقة الخالدية وعبق شذاها وانا في طريقي الى العمل، وفي نفس الوقت مشغولة البال في البحث عن سبب مقنع لتأخري .

وانا اسير راودتني فكرة جهنمية ومن المؤكد بأنها ستنقذني، هناك مجموعة محلات تجارية مختلفة، ومن تلك المحلات هناك محل للزهور ابتعت منه وردة واحدة فقط، جميلة تلك الوردة ..... لن أذكر لونها لكم ..... ولكن ارجو ان تفي بالغرض وتحل مشكلة تأخري البائخ والمحرج ، عموماً وجود تلك الوردة بيدي ازاح كل ذلك التوتر والخوف من داخلي، وقلت أكيد سأتي بالاسباب المقنعة في وقتها أمام رئيس القسم .... وكوني يا شيخة واثقة من نفسكِ، وفجأة أرتفع صعوداً مؤشر الثقة والتفاءل لدي ولن يخونني ابداً .

وهناك مكتبة صغيرة قبل شركتنا او مقر عملي تبيع الجرائد والكتب وبعض الخرائط السياحية للاجانب، شقيقي قبل اسبوع كان قد طلب شراء مجموعة أقلام باركر لهُ، هو يثق بتلك الاقلام الباركر ذات الخط الجميل، والذي يفضلها على الماركات الكبيرة والعالمية والتي أغلبها يخونك بالكتابة ، سريع الجفاف والتوقف او العكس يسيل الحبر ويضيع عليك تلك اللحظة في متعة الكتابة ..... عموماً عندما التفتت الى الصحف والجرائد اليومية شدني ذلك العنوان بأحدى الجرائد الاماراتية الانجليزية، والتي أتت على موضوع متعلق بنشاط شركتنا المتخصصة في المناقصات العالمية للمشاريع البترولية، وهي تعتبر ذراع لادنوك كباقي الشركات الاخرى التابعة لها أيضاً ، ولم اتردد في شرائها، وتوجهت الى عملي بأسرع ما يمكن لمعرفتي السابقة بأهمية الموضوع .

وقلت هيا يا شيخة ضعي تلك الابتسامة الجميلة على وجهك وتشجعي وكوني واثقة في هذا الصباح الجميل ، وعند دخولي القسم توجهت الى مكتبي مباشرة وانا اصبح على الجميع بالخير بذلك الغطاء الجميل وهي أبتسامتي ..... وجمعت كل اوراقي وتلك المعاملات المؤجلة من الاسبوع الفائت والتي تحتاج الى توقيع وعتماد مدير القسم، وأثناء أنشغالي بترتيب تلك المعاملات كنت احس واتلمس تلك النظرات المندهشة من جميع الزملاء بالمكتب والمتسائلة عن هذا التأخير الغير مبرر والغير لاءق لبنت تعمل بهكذا شركة شبه حكومية أن تتأخر وبدون سبب! ولكن حقيقةً لا الومهم اذا أنا نفسي اعاقب نفسي على هذا التأخير واحساسي بالذنب حطم اقدامي الكبير والمعروف .

ولكن يا شيخة ألتزمي الهدووء ليتسنى لكِ التفكير وبشكل واثق، هيا لملمي كل تلك الاوراق والمعاملات وتجهي الى مكتب مدير القسم، ولا تنسي الوردة ولا الابتسامة، تلفت الى داخل المكتب الخاص بالسيد أبو أحمد ..... صباح الخير يا بو أحمد ..... أبو أحمد منشغل بأحدى المكالمات المهمة وبعض الاوراق المربوطة بموضوع المكالمة، من المؤكد في خصوص المشروع البترولي والشركات المتقدمة للمناقصات ..... أبو أحمد يتكلم وهو رافع يده لي، كأشارة أنتظار، يعني أنتظري قليلاً الى أن انتهي من هذه المكالمة رجاءً .

هممت بوضع تلك الجريدة الانجليزية التي أتت على خبر المنشأت البترولية التي تعنى بها شركتنا ذات الاختصاص والمناقصات المستمرة والتي نرفعها الى جميع تلك الشركات العالمية والمتعاونة معنا منذ عشرات السنين، واشرت بالقلم تجاه الموضوع المذكور بالجريدة الانجليزية ذاتها، ووضعت جميع المعاملات المحتاجة الى توقيعه وأخيراً وضعت وردتي الجميلة فوق المعاملة او ملفات المعاملات ..... وهو لا يزال يتحدث ومن خلال حديثه عرفت بأن الادارة العليا تتوقع نزول الخبر بالجرائد بعد أيام ..... وليس بهذه السرعة ..... فرفعت الجريدة الانجليزية واشرت برأس قلمي الى ذلك الخبر او خبر المناقصة الكبيرة والعالمية ..... وعندما ركز أبو أحمد على عنوان الخبر نهض واقفاً ويردد ..... أنت تأمر يا بو علي ..... عطني دقائق .... أنا قادم الى مكتبك بالبشرى ..... نعم نعم لدي مفاجأة لك ..... مع السلامة يا بو علي .

ممتاز ممتاز يا شيخة هذه المتابعة من طرفكِ ...... أنتِ فعلاً منقذة وذكية في نفس الوقت.

نظر الى الوردة ..... يسعد صباحكِ يا شيخة ..... أنا أعرف بأنكِ متأخرة اليوم عن العمل نصف ساعة !!   لا يا بو أحمد ...... هل يتأخر من يثابر ومن يتابع أهم الامور ...... أنا عرفت بأن موضوع المناقصة هو الشاغل الرئيسي لك وللادارة العليا .... لذلك قررت الوصول لاحدى وسائل الاعلام ..... وللاسف كل جرائدنا وصحفنا العربية لم تأتي على الخبر اليوم .....أما الانجليزية فغلبتها وهاهي أمامك يا بو أحمد ..... أنا صراحة لا أعرف كيف أشكرك يا شيخة على كل هذا الاهتمام والمجهود ..... ولكن قولي لي عن قصة هذه الوردة الجميلة ؟

أنتِ تعرفين يا شيخة بأن لدي زوجتان وليست لدي النية أن اتزوج الثالثة ...... لا لا يا بو أحمد لا تفهمها بهذا المعنى ..... الوردة حقيقةً أجمل بمكتبك، وارجو أن تضعها بكأس ماء لتكون أكثر جمالاً ...... لديك ويزورك الكثير من مندوبين تلك الشركات العالمية .... وهم يعلمون قيمة الوردة وشكلها بالكأس وتعكس أنطباع أيجابي عن صاحبها ..... وسترى تأثيرها اليوم عليك وعلى الجو العام حولك بالاضافة للقوة الايجابية ستعم القسم يا بو أحمد ..... وارجو لك التوفيق ...... وغادرت مكتب أبو أحمد شيخة متجهة الى مكتبها مع تلك الابتسامة المتفائلة .

وتجه مسرعاً أبو أحمد الى مكتب السي أي أو ، او الرئيس التنفيذي للشركة أبو علي والجريدة الانجليزية بيده ..... دخل أبو أحمد على أبو علي بعد أن رمق السكرتيرة الشقراء (كاثي) بنظرة وبتسامة .

أنا لدي موظفين لا تفوتهم الاخبار وخصوصاً أخبارنا بالخارج يا بو علي ..... أنت وأنا كنا نتوقعها بعد ثلاثة أيام .... ولكن موظفي دائرتي المتفانين في تخصصاتهم والملمين بأهمية أنشطت هذه الشركة تجاه الحكومة ومشاريعها الجبارة والاستراتيجية أتونا بالاخبار اليوم بعد البحث المستمر من قبل الانسة شيخة ..... وانا الذي كنت اعتقد بأنها متأخرة عن العمل ..... مسكينة كانت تعمل أكثر من البقية بكثير، عموماً اليوم نحن عرفنا بأن موضوع المناقصة قد وصل الى الشركات المقصودة والرأي العام الاقتصادي العالمي، ممتاز يا بو أحمد ..... وارجو منك ان تستمر في المتابعة والنشاط وتزويدي أول بأول عن ردات الفعل العالمية ...... أنتم الدائرة المعنية بالمتابعة والتسويق .

يا بو أحمد ..... أنا أعرفك بأنك غير مشترك بهذه الجريدة الانجليزية ..... ولست من الذين يقراءون الجرائد الانجليزية ...... علماً بأنك متخرج من ارقى الجامعات الامريكية.... ولكن قل لي من هو من موظفيك أتاك بالخبر حقيقةً ؟  الانسة شيخة ..... وهي متابعة جيدة لامور الشركة وهتماماتها .. يقول أبو أحمد .

علينا دعم هذه الاهتمامات وهذه العناصر المواطنة الشابة والواعدة بشتى الطرق ..... لحظة دعني أرى ملف الانسة شيخة على السيستم لدينا ..... هي في الدرجة التاسعة بسلم الوظائف ..... ويكمل ... أرجوك يا بو أحمد أن توصي راشد بشؤون الموظفين لدينا بالشركة ان يصرفوا لها الدرجة العاشرة أعتباراً من يوم غد ، بمناسبة أجتهادها وتفانيها بالعمل ..... يرد أبو أحمد الف شكر لك يا بو علي على هذا الدعم المتواصل والملموس من الجميع، ونؤكد لك بأن الجميع يداري المسئوليات المترتبة عليهم .

أبو أحمد يعود لمكتبه مبتسم وفرح كاعادته عندما تكون هناك مناسبات سعيدة ..... يرفع سماعة الهاتف ويتصل بشيخة ..... يا شيخة عندي لكِ خبر سعيد ..... ولكن بنهاية العمل سأخبركِ به ..... وبعد خروج الموظفين لا تخرجين معهم ...... تأخري قليلاً ..... ولا تخبري أحداً بالموضوع يا شيخة .... وارجو أن يكون سراً بيننا !!

شيخة بدى الفأر يلعب بعبها ..... ماذا يريد ؟! ........ أتأخر ! ولا أخبر أحداً !  ولا أخرج مع الجميع !  وسيقابلني بعد ساعات العمل !!  ويرجو أن يكون الموضوع سراً !!! ...... ولماذا قلبي ينبض بهذه السرعة ؟! ..... وهل أنا أدخل مرحلة الهلع الان ؟ ...... وكل دقيقة تمر تتوتر شيخة ..... وتقول بينها وبين نفسها هل اتظاهر بأني نسيت وأغادر مع الجميع ..... لماذا كل هذا الظن السيء في بو أحمد وهو رئيس قسمنا ..... وشخصية أمينة ولم نلاحظ عليه شيء يجعلنا نحكم عليه بالسوء .

وقبل أنتهاء ساعة العمل بنصف ساعة طلبها بو أحمد بمكتبه وزف عليها الخبر السعيد .... بأنه تقرر صرف درجة لها من رئيس الشركة بو علي بمناسبة أجتهادها بالعمل ..... ويقول أبو أحمد وهو سعيد ومبتسم أنتِ تستاهلين يا شيخة كل خير .

تردد في داخلها شيخة ..... أنا أعلم بأن هذا من ربي العلي القدير .... ويعلمني عز وجل بأن أحترم عملي وساعاته وبأن الوصول والارتقاء بالعمل هو يتوقف على الجد والعمل والمثابرة ..... وليس بالتقاعس والكسل ..... وبأن الامور ليست معقدة كما يتخيل لي .... بل هي في غاية البساطة، وما علينا نحن البشر هو بذل القليل من المجهود .

كم أنت كريم يا رب واوعدك بأنني لن اتخاذل يوماً ما حييت، واحترم وظيفتي ..... نعم فهمتها يا ربي القدير .... هي كانت أشارة منك جل جلالك يا كريم .

وفرحة شيخة تواصلت بالمنزل مع جميع افراد أسرتها وعلى رأسهم الوالدة والارملة والتي بذلت كل غالي ورخيص في الاهتمام بأطفالها بعد موت أبيهم ...... شيخة لديها اربع أخوات (شقيقات) ..... اما الدرجة التي حصلت عليها فهي فاصل كبير بين الموظفين والمدراء، وتبقى درجة لتصل الى مستوى القريب من المدراء، عموماً هذه الدرجة تضيف 33% زيادة بالمرتب الشهري .

وبهذه المناسبة دعت كل شقيقاتها للغداء غداً يوم الجمعة بالماكدونلدز وبعده حضور أحد الافلام الجديد أعتقد كان (الجاذبية) او The Gravity  ....... تمت

بن مهاه المزروعي 











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق