الأحد، 29 نوفمبر 2015

خصيفي الحالة ..... قصة قصيرة

(الخصيفي هو طير أو الطائر الحزين أو المالك الحزين، كما يسمى عربياً )

 بو خليفة منذ نعومة أظافره وهو يرافق والده إلى طلعات صيد السمك نهاية كل أسبوع، ويجد بو خليفة كل المتعة والاستفادة وأيضاً رفقة الوالد، لكسب القوة والصبر والخبرة وليكون كا والده يوماً .
بو خليفة الصغير غالباً ما يستعد من يوم الثلاثاء في ترتيب القطعة (شبك الصيد) مع خيوط الحداق (خيوط صيد الاسماك) وتنظيف الثلاجات أو برادات ، ويهتم بجميع اللوازم المطلوبة والمهمة مثل الخيمة الصغيرة ، ويقوم بكل ذلك بعد عودته من المدرسة، أما يوم الاربعاء فهو يوم نقل كل تلك المعدات إلى البانوش (المركب الصغير) وتمضية بعض الوقت في تجربة وتشغيل مكائن البانوش وتركها تعمل لمدة قصيرة تكفيه لتنظيف البانوش وتعبئته بالمياه النقية والتي تكفي لليلتان على تلك الجزيرة (الحالة) الجميلة (جزيرة لخصيفي) سميت حالة لخصيفي لأنها تحتوي على ذلك الطائر الوحيد على تلك الجزيرة أو الحالة، ولهذا السبب أخذت أسمه .

بو خليفة الصغير يحب تلك الجزيرة بسبب شواطئها النظيفة ومياه بحرها الزرقاء بسبب انعكاس السماء عليها، وغالباً ما يكون سعيداً مع والده عندما يذهبون صباحاً لتجميع بعض الاخشاب الطافئة واللائثة على الشاطىء لتساعدهم في اشعال النار وليتسنى لهم طبخ ما لذ وطاب من الاكلات والاسماك الطازجة، أما بو خليفة الصغير لديه هواية تعيين تقوب (الشنقوان) (نوع من أنواع السلطعون البحري والرملي) غالباً ما يكون مسكن الشنقوان في ذلك الثقب بالرمال، عندما يحفر الشنقوان لهُ منزل يكون بجانب منزله تل صغير من الرمال والذي يدل على مكان ثقبه، وعادة بوخليفة الصغير حفر تلك الثقوب ليخرج ذالك الكائن أو الشنقوان (حقيقة أغلبنا نحن أبناء أبوظبي كنا نمارس تلك الالعاب عندما نرافق أهالينا في رحلاتهم لتلك الجزر) وبعد خروج الشنقوان يا يجري خلفك يا أنت تجري خلفه ، وهذا ما حدث مع أبوخليفة الصغير .

بوخليفة الصغير يقول في نفسه بأنها أجمل لعبة يا أن يخرج الشنقوان على يدي أو عندما تسقي الماية (عندما يمد البحر) سيخرج من حفرته .

والدهُ: في الخامسة صباحاً بعد الصلاة مديت القطعة (نشرت الشبك) والان في العاشرة صباحاً موعد اخراج القطعة بأسماكها إن كان حظنا قوي اليوم، ولكن أنا أتمنى أن تكون الكمية مناسبة للودام (أن تكون كافية للغداء) للولد وأبيه، أما غداً أرجو أن تكون الكمية وفيرة لتعبئة ثلاجاتنا وارجو أن تكون كمية الثلج أيضاً كافية لضمان وصوله للمنزل طازج بأذن ألله .

وصل البانوش لمنطقة القطعة .... الوالد يقول لبوخليفة الصغير:  أنت اسحب القطعة (الشبك)  وأنا أفك الاسماك وارميها بالثلاجة كالعادة، ولا تستعجل في السحب، الوالد: يا ألله بعطاياك يا كريم ياألله ويردد يا ألله بعطاياك ... بوخليفة الصغير يقول هناك ثلاث سمكات متوسطة الحجم .... الوالد: لا ... هذه عنافيز كبيرة ... وهكذا تكون أحجامها عندما تكون كبيرة وممتازة للشوي .

ويصرخ بوخليفة الصغير: الحق الحق ... هناك يا والدي شيء كبير وثقيل !!

ضحك الوالد وقال: هذه سمكة اللخمة متوسطة الحجم ولسنا في حاجة لها .... الابن: هناك سمكة متوسطة وتلمع .... الوالد: هذه سمكة اليب وستكون مناسبة للعشاء الليلة، هذا يكفي لليوم، نحن يا أبني اليوم نبحث عن الودام فقط لي ولك .... أما عملنا وصيدنا الكبير سيكون غداً بأذن ألله تعالى .

الوالد: ضع القليل من الثلج على الصيد ... أما سمكة اللخمة اعد رميها إلى البحر قبل أن تموت أو تضعف .

بعد مرور عشر سنوات تخرج أبو خليفة من الجامعة ... وتوفي والدهُ ولم يتبقى من تلك الابوة والترابط الا الذكريات .

أبو خليفة ليس الصغير، بل كبر وأصبح رجل، ولكن ميلولهُ للبحر لا يزال كبير وكل تلك الذكريات لا تزال كألأفلام تدور في رأسه، أو لاتفارقهُ، وحالة لخصيفي تناديه بطبيعتها وبذكرياتها الجميلة والمشوقة، وصديقه الشنقوان أيضاً يناديه ليجري خلفه أو العكس .

في احدى الايجازات سأل بو خليفة جميع أصدقائه إن كانت لديهم الرغبة في زيارة حالة لخصيفي معهُ أو في طلعة رحلة لليلتين في أجواء روعة في سحرها وجمالها بقمرها ونجومها بالليل، وبشواطئها البيضاء وزرقة مياهها نهاراً وبخيراتها الوفيره من الاسماك .... لم يستجيبوا لتلك العروض ... وقال في نفسه هم لم يجربوها أو لم يأخذهم أحد إلى هناك في صغرهم ... وقال في نفسه .. وما أدراني قد لن تعجبهم ولن يستأنسوا لزيارتها، أما أنا فهي في دمي وبيني وبينها ترابط قوي ... بل إنها جزء مني ومن ذكرياتي وطفولتي ... ولن أستسيغ نهاية أي أسبوع بدونها .. أصبحت هويتي وهوايتي .. وأرجو من ألله أن يمدني بطولة العمر ليرافقني  أبنائي يوماً لحالة لخصيفي إن تزوجت يوماً .

وكالعادة ابوخليفة استعد هذا الاسبوع من يوم الثلاثاء في توضيب معداته وخيوطه وقطعته (الشبك) مع تنظيف البانوش ... استعداداً ليوم الطلعة وهو يوم الخميس ولوحده ... لأسباب كثيرة ومنها استعادة الذكريات وأيضاً الابتعاد عن صخب المدينة وتمضية ليلتان ولا في الاحلام .

بعد كل التجهيز وتعبئة الوقود من محطة الانتركونتننتال بأبوظبي انطلق برفقة مساعد طباخ المنزل (محيي) .... استغرقت ساعتان الرحلة إلى جزيرة لخصيفي بسرعة معتدلة .. وصلوا قبل المغرب .. انشغل ابوخليفة في نصب الخيمة وفي نفس الوقت طلب من (محيي) تجميع بعض الحطب (الخشب) لأشعال النار ... بو خليفة من النوع الذي يعتمد على نفسه في إنزال العدة والبرادات وبعض خيوط الحداق (الصيد) مع الييم (الطعم) وكما علمه المرجوم والده .. إن وصل متأخر لجزيرة لخصيفي .. عليه بؤأس الحد للصيد السريع للودام أو ودام العشاء .. أما محيي فانشغل في اشعال النار وتجهيز الخضار والسلطة .. محيي يعلم بأن أبو خليفة يستلذ السلطة حامضة .. وعليه أكثار الليمون بها .. أما أبوخليفة انشغل في الحداق وفي نفس الوقت يتأمل الغروب وستعجال مغادرة الشمس .. ولم يتبقى منها إلا تلك الخيوط الذهبية .. كأنها تلوح لهُ مودعة ... ثم شرد قليلاً بالتفكير في والده ورفيق عمره .. وقال في نفسه كم أنا محظوظ وكم أنا استفدت من والدي أشياء كثيرة وأولها الاعتماد على النفس والايمان بالله .. ثم قال الخبرات التي أستفدتها لم تقتصر على البحر فقط .. بل حتى ادارة المنزل فعلياً .. اليوم أنا من يقوم بصيانة كل شيء تقريباً .. الانابيب والكهرباء والطلاء .. وكانيتذكر توصية والده .. بأن لم يتحرك ستنهار قواه وستضمر عظلاته وسيسكنهُ العجز قبل الشيب .

وفجأة سمع أبوخليفة صوتاً .... ليس صوت محيي .. بل صوت يشبه صوت والده .... وتلفت حوله يميناً وشمالاً ولم يكن بجانبه أحداً  ... أو كان هناك طائر لخصيفي .. ثم قال مستحيل أن يكون ذلك الطائر يكلمني !!

ثم سمع الصوت يقول: طولت ثلاثة اشهر لم اراك يا صديقي .

أبو خليفة يرد: من أنت ؟ وماذا تُريد مني؟  ثم أنتبه بأن الصوت صادر من طائر لخصيفي .... لم يصدق ما يسمع ويرى ...

أبو خليفة لا يخاف ...لأنه يعلم بأن الدنيا والحياة مسيرة من الخالق كما هي لهُ ... هي أيضاً لغيره .

ثم أقترب لخصيفي أكثر تجاه بوخليفة .... وقال: لا تخف أنا علمني والدك الكلام رحمه ألله .... وكان يعلم بأن الطبيعة تكفينا جميعاً ... ودون أن نتنازع عليها .

ورد ابوخليفة على الخصيفي : ولكنك تنطق بنفس نبرة صوت أبي؟!

لخصيفي: هل تلوم الببغاء عندما يسجل نبرات الصوت لكل من بالبيت؟ أنا مثلك تعلمت منه اشياء كثيرة أيضاً ولست أنت من تعلم منه فقط .

ثم أكمل الخصيفي: هل تعلم بأننا في نفس العمر، أنا عرفتك من أول زيارة قمت بها لزيارتنا في جزيرتنا ... أو عندما كنت صغير ووالدك فرح بك .. كان يحملك على كتفه ويدخلك البحر ليزيد ثقتك ويعلمك السباحة ... كما كان والدي يعلمني أنا السباحة أيضاً ... أذكر بأنك تحفر الشنقوان وأنا اطير عالياً مع والدي ونضحك بشدة عندما كان الشنقوان يجري خلفك .... ثم كبرت قليلاً وكنت سريع الجري .... وكل ما تعبت أنا من الطيران ونزلت على السيف (الشاطىء) كنت أنت تجري خلفي وأعاود الطيران هروباً منك .... أما والدي فكان فرحاً على ردات فعلك تجاهي ... والدي يريدني كل الوقت أطير أحلق لأزداد قوة ... وجريك خلفي أعطاني تلك القوة في الطيران .

أبو خليفة: أسمعني ... في ذلك الزمن كان هناك الكثير من الطيور ومنها لخصيفية والزرعي واللوه والصر وهناك الطائر الكبير الدمي والطليلية .... ولكني لم أسمع طائر يتحدث أو يحدث البشر !! والان قل لي ولا تخف ... نحن جميعنا خلق ألله ... هل أنت من الجن مثلاً ؟ 

لخصيفي يرد: أنا لا أعلم أن كنت من الجن أو من الطيور أم ماذا فعلاً ... لأن مواهبي متعددة .

أبو خليفة:  لحظة يا بو خصاف .... دعنا نجرب إن كنت طائراً فقط أو طائراً من الجن ... أنا الان أحاول أن أصيد ثلاث أو أربع سمكات للعشاء ... واحدة لك يا بو خصاف وثلاث لنا .... هل بأمكانك أصديادهم ؟

الخصيفي : أنا أبن البحر وأصطاد متى أوريد .... أسحب خيطك وستجد فيه هامورين تكفيكم للعشاء الليلة يا بو خليفة ... وأنا لي طلب يقول الخصيفي: طلبي هو أن تعود لزيارتي كل أسبوع كما عهدتك يا صديقي .... وأن أنشغلت اجعلها كل أسبوعان مرة ... كي لا أكون فعلاً الطائر الحزين !

سحب بوخليفة الخيط وكان الخيط ثقيلاً جداً ... وبعد جهداً جهيد أظهر بو خليفة الهامورين .... ثم قال للخصيفي سأنادي الطباخ محيي لأخذ الهامورين .... بأمكانك أن تطير لعشر دقائق وثم تعود لنكمل الحديث .

وصل محيي وقال: هذا تمام ارباب ... اليوم سيضبط عشانا ... الاهامور الاول مرق والثاني مكبوس .

أبوخليفة: تمام يا محيي وكثر من اللومي اليابس مع البصل والثوم بالمرق ... وعندما يجهز كل شيء صوت علي  يا محيي أنا سأبقى هنا .

بعد عشر دقائق عاد الخصيفي وقال: أرجو أن تعجبك الهوامير يا صديقي . 

أبو خليفة: يمازح لخصيفي ... يا بو خصاف أين والدك ؟

قال لخصيفي: أنا أيضاً والدي مات .... ولكن لم يمت موتة طبيعية مثل والدك ... بل مات بطلقة نارية من بندقية أحد الرحالة ... وحرمتني تلك الطلقة والدي العزيز وصديقي الوحيد .... وبعد موته تعلقت بوالدك وكان نعم الوالد .... كان والدك عندما يراني على رأس الحد كان يرمي لي ببعض الاسماك الصغيرة التي لا تأكلونها أنتم لصغر حجمها ... أما أنا فكنت سعيداً بها .... مرات قليلة ومرات كثيرة جداً .... في حقيقة الامر كان والدك يعلم بأني صغير السن ولا يمكنني الغطس في الاعماق .... وأسبوعاً بعد أسبوع زاد الترابط بيننا ... ويوماً قال لي والدك بأن ابني سيزور الجزيرة لوحده وكم اتمنى أن تكون ونيساً لأبني في المستقبل وأن  تنفذ كل طلباته .. جميعها ...دون تردد منك ... على فكرة .. والدك وأنت فقط من يعلم بأن هذه حالة لخصيفي!

أبوخليفة: الأن بدأت توضح الصورة لي يا بو خصاف .... أولاً اسمح لي أقدم لك تعاوي في وفاة والدك العزيز لخصيفي الكبير ومالك هذه الجزيرة وما عليها وما تحتها وما في مياهها .... الف رحمة عليه .... وثانياً أرجو أن تمتد هذه الصداقة بمتداد أعمارنا يا بو خصاف العزيز .... ويكمل أبو خليفة : أوعدك يا بوخصاف أن أكون صديقك من هذه اللحظة .... ويرد أبو خصاف: وأنا سأكون صديقك وأكثر من ذلك بكثير .... أبو خليفة: قد أحتاجك يا بو خصاف غداً في صيد وفير ومن نوع معين  من الاسماك .

لخصيفي: أنت لا عليك ... غداً مد الشباك أو القطعة وحدد أو تمنى النوع الذي ترغب به من الاسماك ... ولك ما تتمنى .... أنا يا بوخليفة لن أخذلك أبداً .... ثم أكمل لخصيفي: هل تعتقد بأني كبرت؟ أقصد أخذت حجم الخصيفي الكبير ولا أحتاج إلى ستة شهور أخرى؟ 

أبوخليفة : يا صديقي العزيز عليك أن تفهم شيء مهم في هذه الحياة .... أو ربما في عالم البشر لا تقاس الامور بالحجم إنما بالمفعول ... مثلاً في عالم البشر قد يكون الانسان ضخم الجسم وصغير الدماغ .... ولكن اسمع مني فقط إقبل ما عطاك ربك من اشياء وقد تكفيك لتعيش سعيداً .

أبو خصاف: يا صديقي ... ونعم بالله .... ولكن في عالمنا نحن الطيور الامور تختلف قليلاً ... أنت لم تفهم قصدي ... أنا في سن يتعين علي الحصول على نصفي الاخر ... أنتم تتزوجون ونحن نحصل عليها إن كانت أجسامنا مكتملة ... بطول الجناحين وبالقوام الجيد وبالريش المصفوف وبكميات الهدايا من الاسماك التي نقدمها للنصف الاخر .... هل فهمتني يا صديقي ؟؟

أبو خليفة : الان فهمتك .... الظاهر هم هذا الموضوع منتشر على كل خلق ألله في هذه الدنياولكن يا بو خصاف أنت في نظري مكتمل وواضح المعالم الذكورية بشكلك الجميل وحجمك كبير مقارنة مع غيرك من لخصيفية  .

أبو خصاف أو لخصيفي: ماذا عنك يا بوخليفة؟ متى تتزوج ومتى سأرى ابنك أو ابنتك تركض على جزيرتي ؟

أبو خليفة: يا صديقي يا لخصيفي نحن نقول الحياة قسمة ونصيب .... متى أراد ألله أن أجدها ثق بأنني سأجدها ... ولكن علي أن أأسس نفسي أولاً ، أقصد أن أحصل على وظيفة تتماش مع تخصصي لكي أبدع بشكل مريح في خدمة وطني الغالي والعزيز ... وهذا وأنا مسؤول عن جميع أفراد عائلتي الكبيرة (أهلي) والوالدة والاشقاء والشقيقات والمنزل الكبير .

لخصيفي: لا عليك ... من هذه اللحظة أنت في مأمن وستحصل على كل ما تتمنى يا صديقي .... هناك نصيحة واحدة فقط ... وهي أن تتذكرني قبل أن تقدم على أي شيء مهم في حياتك ... إن كنت ستتذكر هذه النصيحة لن تكون هناك عقبة في حياتك حتى البنت التي ترغب في الارتباط بها .... فقط تذكرني وبدون أن تتفوه بأي كلمة عني أو عن صداقتنا ..... اتفقنا؟

أبوخليفة: اتفقنا يا صديقي .

لخصيفي : أنا تعب وعلي أن أنام .... يومنا غداً طويل .... استودعك ألله يا صديقي .

بو خليفة في نفسه ... أنا محظوظ بهذا لخصيفي .. وهناك الكثير من البنات أتمنى الزواج من واحدة منهن، وهناك الكثير أرغب في تحقيقه وطموحاتي لا حدود لها ... كم أنا محظوظ بقوة هذا لخصيفي .... شكراً يا رب .

رفع صوته بو خليفة لمحيي .... يا محيي أغرف العشاء رجاءً ... والسعادة واضحة على وجهه ومنتشيء والمعنويات المرتفعة .. التي جعلت محيي يلاحظها ويبتسم ... ويقول لبوخليفة ... كم يا ارباب أتمنى أن أراك هكذا سعيد دائماً إنشاء ألله . ... وانبساطك ينعكس علينا نحن الفقراء ... يا سيدي ولائي قوي جداً لأسرتك .. بسبب مساعدة والدك يوماً لي في بناء منزلنا في ماليبار بالهند .... عندما سمع بأن تكلفة المنزل ستصل لثلاثين ألف درهم لثلاث غرف والملاحق ... قال المرحوم والدك .. لا نجعل عدد الغرف ست غرف والحمامات سته والخدمات والملاحق مقابل خمسون الف درهم .. نعم وتفقنا مع المقاول بالمليبار بالهند .. ولهذه الاسباب حقيقةً يا سيدي أتمنى لك السعادة والنجاح والتوفيق .. يا رب .

شكراً يا محيي .. رد عليه أبوخليفة .... وضع محيي السرود (بساط يوضع عليه أواني الاكل ومصنوع من خوص النخيل) ... أبوخليفة يأكل من تلك الهوامير كأنه يأكل أول مرة ... هوامير لذيذة في طعمها وفي طزاجتها ... ويردد يا سلام عليك يا محيي ... هذا الاكل الطيب .... بعد أن شبع وغسل يديه ... أمر محيي بأن يفؤش لهُ المدة أولاً ثم يفرش الفراش عليها خارج الخيمة على بعد عشرة أمتار ..... تسائل محيي !! لماذا يا أرباب؟!! لمن تترك الخيمة؟ الخيمة لك يا محيي، ونحن في شهر مايو أو شهر خمسة  ... وأنا أبحث عن الهواء العليل تحت النجوم .... كأنه يعلم أبوخليفة بأن منظر النجوم في سماؤها من على جزيرة لخصيفي وبعيداً عن أنوار المدينة شيء ولا بلأحلام من ابهارهُ وجمال المنظر الخلاب .... أبوخليفة استغرق نصف ساعة وهو مركز على النجوم وعلى النيازك .... أما المنظر يختلف عن منظر النجوم التي نراها ونحن في المدينة .... كثافة النجوم وكل تلك التفاصيل ، وليست فقط في الاعلى السماء ، بل تحولت كالقبة الكونية تتلألأ من بداية الافق حتى نهايتها، نهاية الافق من الجانب الاخر .. كلها تتلألأ بروعتها الاخاذة ، وقليلاً قليلاً ونام أبوخليفة بعد أن طلب من ربه أن يحفظه ... ببعض الادعية القصيرة ... بعد أن تأكد لخصيفي بأن صديقه نام ... حل قريباً منه ونام هو أيضاً .

وفي اليوم الثاني من الرحلة الكل في أتم الاستعداد لمد القطعة وبعد الانتهاء من مدها ... ذهب أبو خليفة بمعية محيي إلى موقع ممتاز للحداق ..... وكان يتذكر الموقع بسبب البوهة الطافئة التي سبق ووضعها والده منذُ زمن بعيد (البوهة تعني جزء من قطعة فلينية مربوطة بحجر في حجم الكرة المتوسطة ولا تراها إلا أن كنت قريباً منها ومن الموقع تماماً مع معاينة أخر طرف من الحالة وأنت على بعد ميلين بالبحر ... (خطط أهل البحر) .... لهم الحق في ذلك لكسب أرزاقهم .

تذكر أبوخليفة توصية لخصيفي في أن يتذكرهُ  فقط ويرمي الخيط أو أن يقدم على ماينوي عليه، تذكرهُ ورمى في أن يحصل على سمك اليب الكبير، (عالمياً أسمه Jack Fish ) وبعد لحظات أصطاد اليب الكبير .... تم رمي ثانية وفي باله الهامور متوسط الحجم وعلى الفور اصطاد الهامور ... أبو خليفة لايزال مستغرب حقيقة الامر !!!  ثم فكر في قوة لخصيفي وقال الات سأرمي بدون طعم على أن يصيد صبيطي كبير ... وماهي إلا لحظات وشتد الخيط وكان في نهايته سبيطي كبير وسمين .... وقال يا خسارة لم أتمنى نوع الاسماك التي أرغب في القطعة أو الشبك ، وقال في نفسه أرجو يا لخصيفي أن يكون الشبك ممتلىء بسمك الجش والصافي ولشعوم وبعض ليبوب .... وعند عودتهم بعد الحداق ... وصلوا إلى موقع القطعة أو الشبك ولم تظهر منه البويات الاطراف ... يعني كل البوه بالوسط دام (دام تعني غاطس تحت الماء) بعمق متر تقريباً بالبحر بسبب كثرة الاسماك الحية والطازجة .

محيي يا أرباب هذا واجد  وكثير !!! 
أبوخليفة : مايهمك يا محيي أسماك الفريج (منطقتنا) على لخصيفي  .

أبو خليفة حقيقة بينه وبين نفسه لم يعطي لخصيفي قيمته الحقيقة أو مقدرته .. وواضح بأنه لا يزال يتوهم أو جاهل بالمقدرة لهذا الطير العجيب ... ولكن المسألة تطول ، وستمروا في المتابعة ومقابلة المفاجأت .

بو خليفة: ما شأالله .... هذه الكمية كبيرة من الاسماك، ونفس النوعية التي تمنيتها .
تفكير بو خليفة لم يتوقف وهو يفكك الاسماك من الشبك أو القطعة .. في باطن عقله يقول ماذا لو طلبته مركز مرموق بالحكومة وماذا لو طلبته ذهب وأموال  والماس؟! هل يعقل كل هذا؟!  أنا في حلم أو علم؟! طيب: كيف أحافظ على هذا الطائر أو لخصيفي وماذا لو هجمت عليه مجموعة طيور كبيرة بسبب انثى ..... والعادة الطيور والحيونات تتعارك فيما بينها ... هناك حل .. سأطلب منه الذهاب معي والعيش بمنزلنا .... لا .. حرام .. هو طائر يعشق الطبيعة والحرية .. وبالاضافة إلى ذلك لدينا قطاو (قطط) بالمنزل والواحد منها يقارب حجم النمر وقد يكون أقوى من النمر .... لا لا يستحسن أن يكون بعيد في جزيرته، وهو اعطاني نصيحته عندما اتمنى شيئاً ما علي إلا أن أتخيلهُ (لخصيفي) وأتمنى ... على كل حال عندما أتصل سأتمنى تمنيات كثيرة .

أبو خليفة: يا محيي .. هذه كميات لا تستوعبها الثلاجات ولا يكفيها الثلج المتوفر لدينا .... لايوجد حل إلا أن نلم الشبك بما فيه وأنت اركض ولم ادواتنا والخيمة ... سنغادر الان إلى أبوظبي وإلا سنخسر كل هذه الكميات الجيدة والنخبة الراقية يا محيي .

محيي: ضروري  يا  أرباب اللحين لازم نروح (نذهب) إلى أبوظبي .

أبوخليفة أنطلق مسرعاً إلى أبوظبي عائد بكل هذا الخير من الاسماك ... وصل أبو خليفة في الوقت المناسب ... محيي وسواق والطباخ والخادمات والكل يوزع اسماك على الجيران إلى أن تخلوا ونتهوا من كل الكمية لله الحمد .

اليوم التالي: أبو خليفة: قدم جميع أوراقه ال CV لشركة بترول أبوظبي (أدنوك) .... وقبل أن يُسلم الاوراق تذكر لخصيفي وتمنى من لحصيفي المساعدة في نجاح الامر .. وأن يجد القبول لديهم ... ثم قال مدير شؤون الموظفين أو ال H R بأننا سنتصل بك في الاسابيع القادمة ... وثم غادرهم ببتسامة الوثوق في النفس .... وماهي إلا ثلاثة أيام حتى أتاه الرد بالقبول وعليه زيارة دائرة ال I T بالشركة لمقابلة مدير الدائرة غداً في العاشرة صباحاً .

بو خليفة من الساعة السابعة وهو يستعد في اليوم التالي  ... طبعاً لمقابلة مدير الدائرة .... البس الابيض أو البيج .. الغترة الحمراء أو البيضاء .. ألبس الحذاء أو نعال التميمة .. نفس اللون أو أكسر الالوان .... في تمام العاشرة أبوخليفة في مكتب سكرتيرة مدير الدائرة .. وماهي إلا لحظات حتى خرج مدير الدائرة من مكتبهِ يرحب ببوخليفة .... حياك ألله يا بوخليفة .... نورت الشركة ، نحن نبحث عن أمثالك منذ فترة طويلة .... تصور يا بو خليفة ال CEO وصاني عليك شخصياً  ... حتى قال بعد أن أنهي المقابلة معك ، هو شخصياً يود في مقابلتك ... وهذه عمرها لم تحصل في تاريخ الشركة .... وبعد نصف ساعة من السوالف  مع مدير الدائرة .. توجهوا سوياً إلى مكتب رئيس الشركة ... وخرج رئيس الشركة شخصياً لمقابلة أبوخليفة .... أبوخليفة في قمة الاندهاش من هذه المعاملة ... يرحبون بي كأنهم يعرفونني منذ زمن طويل .... أبوخليفة هل فعلاً هذه قوة مفعول تأثير لخصيفي .... وبعد مرور أسبوع .. أبوخليفة في مكتبه بالبرج الجديد لشركة أدنوك والتي لم تنتقل لهُ رسمياً بعد ... والمكتب مطل على البحر وفندق قصر الامارات ... منظر يجعلك تذهب لمكتبك في الخامسة صباحاً ولا تغادره إلا بعد أن ترى شمس الغروب .

وبعد أسبوعان تقدم أبو خليفة لطلب يد عفراء المهندسة في شركة زادكو ، وتم القبول من أول ما تقدم  وبعد مرور شهر تزوج أبو خليفة من المهندسة عفراء ..... وإلى الان وأمور أبوخليفة في أرقى حالاتها وأكثر .

وأثناء ما كان بالمجلس مع مجموعة من الاصدقاء وزملاء العمل .. سألهُ أحد أصدقائه عن مكان تلك الاسماك الطبيعية والطيبة التي جلبها لهم قبل شهر  .

وما كان من أبو خليفة حتى أخبرهم عن موقع حالة لخصيفي بالضبط وأين يجدونها وبعد كم جزيرة ومن خلال أي زاوية . !!

وفي أول نهاية  أسبوع ذهبوا مجموعة أصدقاء أبوخليفة دون علمه .. وأحدهم عندما يزور الجزر غالباً  يكون لديه قطعة سلاح (الشوزن) أو بندقية الخرطوش .... أمضوا الليلتان وعادوا .. وعند أول جلسة بالمجلس ..... وعندما دخل أبو خليفة عليهم ضحكوا جميعاً .... ثم قال صديقه عبيد .. تلك الحالة أو الجزيرة يا بو خليفة لا يوجد بها أسماك .. نصبنا الشباك وحدقنا وشخطنا للهوامير ولم نتوفق أبداً يا بو خليفة .... مستحيل كميات الاسماك التي أتيت بها أنت ربما أن تكون من تلك الحالة مستحيل .... ولم نجد بها شيء ولا حتى طيور ....  خلفان: أصطاد طائر واحد فقط .... أرتفعت نبضات قلب أبو خليفة عندما سمع كلمة طائر واحد فقط .... ثم سأل عن نوع الطائر .. رد عليه صاحب البندقية أخصيفي وحيد .
وحقيقة كنت أجرب الشوزن ، وقلت سأجربها في الخصيفي ... تصور يا بو خليفة ماذا فعلت الشوزن بالخصيفي .... تقطع إلى أجزاء لا يتخيلها الانسان الطبيعي ... وتناثر على المنظر العام أجمع . 

وبمجرد سماع  أبو خليفة عن ماذا فعلوا بالخصيفي ... أو في حقيقة الامر هو من تسبب في قتله للخصيفي بأخبارهم عن جزيرة أو حالة الخصيفي ..... صرخ أبو خليفة على الجميع وخرج يبكي كالمجنون ويلطم رأسه ووجهه .

وتسببت حالة أبوخليفة  النفسية في تركهُ لو ظيفتهُ .. ثم طلبت عفراء زوجته الطلاق بعد مرور ستة شهور على مكوث  أبو خليفة بمصح عقلي ..... وبعد مرور ثلاث سنوات  سمع الجميع بأنه توفى أبو خليفة في مصح عقلي .. ألله يرحمه .  

تمت القصة ... وعلى موعد جديد مع قصص .... بن مهاه (محمد غيث بن مهاه المزروعي )



 














الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

من ذاكرة الوالدة 4

كما هي العادة، عندما تستجمع الوالدة ذاكرتها تتحفنا ببعض الابيات الشعرية القديمة لشعراء أبوظبي ، وليوم كنا محظوظين بأبيات قليلة .

١ . يعل من تسبب بفرقاهم ،،،، يعتزل في ديار جفرية
     أه  ويلي وين بالقاهـــم ،،،، أه يا وطرٍ مضى لية

2  . ألله وكبر يا ثناياله ،،،، برقهن من البعد يشعلي
      لو وليفي من بقى شله ،،،، كان أنا شليت لي خلي

3  . يعل يسقى يوم بالاجي ،،،، لي يسَل القلب ويريحه 
      نظرته من البعد علاجي ،،،، تنعش ألي روحه مسيحه

4 . وفي مورد المياه (مشيعل) تتذكر الوالدة هذا البيت .
     
     ليت المغاص مشيعل ،،،، اسرح وضوي عليه
     نهار ورد صرومه ،،،، أنا الذي أييه .

5 . وتقول الوالدة أكثر بيت يغنى في العيالات والرزيف هو

ألبارحة ساهرٍ واير أنا الونة ،،،، أصوغ طرق الهوى وعدل ألحاني
يا زالله البيض يا فعلٍ يسونه ،،،، لي ما بغنك سقنك سم لتلافي .

6 . تقول: قال الشاعر بطي بن مرشد بن محمد المحيربي: 

زوروا قبر النييبي ... وقروا عليه أيات 
لي يرحب بالغريبي ... والهين لي عيلات  .

الاثنين، 27 يوليو 2015

القطة وشهر العسل ... قصة قصيرة .

بعد مرور عدة شهور على أخر زيارة لأوروبا، حوالي ثمانية شهور تقريباً وبمناسبة زواج إبني عبدالله، اتفقت العائلة على تمضية عشرة أيام في أعلى نقطة جبلية بأوروبا وهي جبال الالب لسويسرية .

شتاء جبال سويسرا المثلجة والشديدة البرودة والقاسية هي المنطقة التي اختارها العرسان الجدد .. وأصروا على أن نرافقهم إلى هناك .. أنا وابنتي فاطمة .

كالعادة تم توكيل عمليات الحجوزات لإبنتي فاطمة، نسبة لتخصصها في هكذا شؤون (فنادق وتذاكر سفر وما شابه) وتعلمت كل هذه الامور بسبب سفرها معي زمان المتكرر وتعليمها الاعتماد على النفس، إلى أن دخلنا عالم الالكترونيات والانترنت وأصبحت العملية أكثر موائمة وسهولة .

لم أكن مستعد للسفر لأسباب كثيرة، أما ابنتي فاطمة ذكية إلى درجة أنها أقدمت على أخذ اجازة اسبوعين من عملها، متعذرة بطول مدة العمل (شهور طويلة دون اجازة) أما أنا فأعرف الاسباب الحقيقية خلف تلك الاجازة (هي السفر) 

قالت فاطمة: ماذا تنتظر يا أبي، هيا دعنا نسافر !!

أنا أعرف أجواء سويسرا في شهر واحد (يناير) يعني تحتاج نصف طن من الالبسة الصوفية على جسمك كلما فكرت في الخروج من الفندق والمشي إلى قلب قرية (قشتات Gstaad ) المشي في يناير صعب بقشتاد تتزحلق مهما كانت نوع أحذيتك حتى لو كانت أحذية (الكاتربلر) والبرودة تجمد كل أطرافك ومفاصلك مهما لبست من الثيرمو ومستوى الثلوج يكون قد دفن القرية عن بكرة أبيها .. والجماعة هدفهم الضحك علي أنا شخصياً وهات يا تصوير كلما وقعت أو تزحلقت فجأة أمام المحلات والمقاهي وأرصفتها المتجمدة بطبقة ثلجية أخفت كل معالم الطرق والارصفة ترتفع الهواتف وهات يا تصوير وبلمسات بسيطة تكون الصور وصلت لجميع العالم وحتى المريخ .. والجماعة في أبوظبي ينتظرون تلك اللقطات والمواقف ولي ما شاف يتفرج ..... دعونا نبدأ القصة .

فاطمة: أوه ... والله حرام، ثمانية شهور مستمرة من البيت إلى العمل، فعلاً أحتاج فترة استراحة قصيرة (يعني ودها تسافر معنا) وأغير فيها هذا الروتين المستمر والممل، تعبت فعلاً تعبت ... نفس الوجوه بالعمل وبالمنزل ونفس المواضيع، يا هذا الروتين .... أنا سأقدم على أسبوعين إجازة ... وبعدين شقيقي عبدالله تزوج ولم يغادر مع زوجته إلى أي جهة يقضون بها ما يسمى بشهر العسل ... فأرجو يا باباه أن تتفهم احتياجنا لهذه العشرة أيام سفر .

أنا: ماذا عن شقيقتك ميثاء ؟ هل لديها إجازة هي أيضاً ؟

فاطمة: لا، هي مشغولة بعمل بحث معين للعمل، ولديها فترة محددة لتنهيه، وأيضاً عليها متابعة شقيقي زايد ومتابعة دراسته .

أنا: صحيح زايد لديه مدرسة ومراجعات ومتابعة .

فاطمة: لا تهتم، ميثاء ستتابع هذا الجانب يا باباه وبعدين هي مهتمة بزوجة شقيقي عارف بعد الولادة وبالبيبي (حميد) 

أنا: صحيح ما قصرت .. نامت مع لمربي ثلاثة أيام تحاضيها في المستشفى إلى أن قادرته مع المولود الجديد .. البطل حميد ... حبيبي .... ألله يكون في عون ابني عارف وزوجته في الاهتمام بالاطفال .. عملية صعبة ... تذكرني بكم عندما كنتوا صغار ... عذاب .

أنا: طيب .. هناك شيء مهم في حياتك وهي قطتكِ Oushi ماذا ستفعلين بها ؟ ستكون وحيدة بدونكِ لمدة عشرة أيام وقد تتعقد Oushi ... وإن وضعتها ب Pet's Hotel مكلفة مالياً .

فاطمة: لا تخاف يا باباه، سأتركها بمعية شقيقتي ميثاء والخادمات هنا بالمنزل، وهي كما تعلم تعرف طريقها إلى طعامها وشرابها وستتجول في هذا المنزل الكبير، ولن تكون هناك مشكلة ... يالله يالله نسافر .

أنا: أنا موافق إن أتت شقيقتك ميثاء واثبتت امامي بأن ليس لديها مانع وبشرط أن يأتي شقيقكِ عبدالله مع زوجته ويثبتوا بأنهم مستعدين للسفر .

فاطمة: أنا سأأتي بهم جميعاً ليثبتوا لك بأنهم مستعدين للسفر وميثاء ستبقى بالمنزل للوقوف على طلبات زايد .... والقطة .. Oushi .

أنا: الظاهر ان الضغوطات من كل اتجاه !! يا ألله . .... وهاهي بطاقة الأتمان وعليكم بعمليات الحجز ... بشرط أن تكون مؤكدة في كل شيء .. تذاكر الطائرات (السفر) والفنادق و لنبتعد عن التعب في البحث هناك .... إتفقنا ؟

فاطمة: أنت هات البطاقة وترك الامور علينا يا باباه ... حشرتنا بهذه التوصيات والتحذير !!

أنا: أخاف عليكم من أن تتعبوا هناك، في بلد الغربة .. ويقال من خرج من داره قل مقداره .

فاطمة: ما دام هذه البطاقة أو البطاقات الأتمانية تعمل فلا تخف علينا يا باباه !! والان انتهت من حجز الفندق مع التذاكر والسيارة بمطار جنيف، ورتبت على أن يكون السفر غداً صباحاً، الساعة التاسعة صباحاً ... يعني أن نكون بالمطار في السادسة صباحاً !!

أنا: هيه .. ماشألله عليكِ، متى نتحرك من المنزل ومتى ننام ومتى نصحى ومتى استحم واحلق ذقني .. ولماذا كل هذه العجلة والسرعة؟؟ كنت أعلم ، هذه بداياتها الشطانة والاستعجال .. يقال إن كان ربعك (رفاقك) أنصاف شياطين فكن أكثرهم جنون أو شطانة .

اليوم التالي: قمت في الرابعة صباحاً، وهات يا ترتيب في الملابس والاحذية .. والملابس الداخلية والثيرمو .. سأخذ معي ساعة سواتش بسيطة وسأبتعد عن سوع الذهب والالماس والموضة القديمة من تلك السيع .... لكن لا أسمع صوت ! الظاهر الجميع في نوم عميق يغطون .. عموماً هذه فرصة للأستحمام والحلاقة .. أنا من الذين يحلقون الشنب واللحية (الذقن) ههههه .. أعلم بأنها عيب تحلق اللحية والشنب عندنا ولكن عندما تبيض الامور مالها إلا أمواس جيليت  ... البعض يقول منقود عند العرب فلان بدون لحية ولا شنب ... انتهي من الاستحمام ونزلت للدور الارضي .. لا توجد حقائب ، واضح بأني أول من نزل، الان علي أن اصحيهم، لعلهم نسوا موعد السفر، طرقت تلك الابواب وسمعت أصوات لاتزال نصف نائمة ، وكا عادتي رددت كلمة "إذا لا يوجد سفر سأعود للنوم" وفجأة سمعت دبيك وبعض الاصوات تقول لا لا قمنا قمنا من النوم .. وماهي الا عشر دقائق والجميع نزلوا  وستعدوا للصعود بالسيارة ، طيب .. أكلتوا شيء أو شربتوا شيء ؟! يالله يا باباه لا تضيع الوقت، وسمينا بسم الله وتحركنا إلى المطار.. ممتاز لا توجد زحمة في ذلك الوقت الباكر من الصباح في شوارع أبوظبي، وصلنا المطار وأدخلنا الشنط والحقائب .. ابتسموا العرسان عبدالله ونوره (وقمز العريس للعروس وبتسمت) هههههه أيه على حساب أبوهم كالعادة .. أما ابنتي فاطمة متوترة قليلاً بسبب المطار والطائرة والسفر .. الطائرة كانت من نوع أيرباص 330 A أبوظبي - جنيف - أبوظبي، موعد الاقلاع كان في التاسعة ولكن تأخرت كالعادة إلى العاشرة بسبب أحد الركاب ، كان منقول على نقالة أو سرير متحرك للمرضى (الله يشفيه) طارت الطائرة، وهنا قلت لهم أنا سأنام ولا تصحوني، ولكن هيهات أنام بقرب فطوم ، لا يوجد جهاز لم تجربه ولا فيلم لم تشاهده ولا لعبة الكترونية لم تلعبها ولا وجبة تحتوي على الشوكولاتة ولا أيس كريم، والحركة مرة مع الغطاء ومرة مع السماعات ومرة مع كاتلوجات الديوتي فري ... المهم أنا لم أذق طعم النوم .

وصلنا جنيف بالسلامة، فاطمة والعرسان.. يا باباه ماذا نقول ماذا نقول لجماعة الجوازات، أو إلى أين نحن ذاهبون في سويسرا ؟

أنا: قولوا لهم نحن ذاهبون إلى مقاطعة (سنن الجبلية وقرية قيشتاد .. ولا تنسون هذا الاسم .. اتفقنا ؟ اتفقنا ردوا جميعاً .... انتهينا من الجوازات لله الحمد، والان إلى أين يا باباه .

إلى شركة تأجير السيارات بعد أن أخذنا جميع الشنط والحقائب، نحن حجزنا سيارة مرسيدس من شركة (هيريتز) 

فاطمة: السيارة التي حجزناها كانت مرسيدس وهذه السيارة فولفو ؟!!

التلاعب بالمستأجرين للسيارات .. ضابط الشركة قال بأن هذه السيارات جميعها نفس المستوى أو الكاتوقري وهي كبيرة وذات دفع رباعي وأيضاً جديدة، قطعت الفان كيلو فقط .

أنا: انتوا خلصونا ودعونا نركب السيارة ونغادر هذا المكان، من مطار جنيف يعني علينا أن نتخذ طريق لوزان ومونترو وقبل فيفييه نعرج يسار، غوقل ايرث أو ماب رسم لنا خط سير قصير وجيد بدل الطريق السابق الذي متعارف عليه زمان والتعرج بين الجبال .

فاطمة: سأفتح النافذة .. الجو يجنن بارد ولطيف .. أما بعد قليل ارجو أرجو أن تتوقف يا باباه عند احدى محطات التزود بالوقود !! أقصد المحطة الكبيرة نرغب في شراء بعض المسليات ونتغدا في نفس الوقت في تلك المطاعم الكبيرة بتلك المحطات .

أنا: هناك محطة كبيرة قبل لوزان يعجبني البوفيه بها بالدور العلوي أما الدور الارضي فهو سوبرماركت كبير جداً، نحتاج لكمية مياه ومحارم ورقية مع القليل من الفواكه للطريق .. ولا تنسون الشوكولاة هههههه ، صحيح شاحنات لبطاريات الهواتف أيضاً يا فطوم، الجميع عجبهم وجبة العجل (ستيك) مع المشروم والبطاطا ... وبعد ساعة ونصف نحن في مقاطعة سنن على قمم جبال الالب وتلك الطبيعة الغناء والخلابة البكر .. وتلك الانهر الجارية والشلالات الباردة أما الثلوج فحدث ولا حرج .. قالت نورة يا عمي أنا أرى تلك الجبال كالعراس وعليهن الطرحة ... رديت .. كلٍ يفكر حسب حالته الانية يا ابنتي .. هو فعلاً من يرى تلك الجبال ويرى قممها البيضاء بثلوجها يتصور بأنها عرائس بطرحاتها .

أنا: يا فاطمة أغلقي النوافذ قبل أن أتحول إلى لوح ثلجي لا ينكسر وامرض عليكم في هذه الديار ..

نورة: ياعمي هكذا طبيعة أنا اول مرة أراها في هذا الوقت من العام .

أنا: يا ابنتي .. هذه الزيارة لكِ أنتي وزوجكِ عبدالله، وحقيقة كم أتمنى أن تستأنسوا بها مع زوجكِ لأرى تلك الابتسامات والسعادة على وجوهكم، الله يوفقكم جميعاً .... يا رب .

ثم ذكرني الموقف بمقولة في السعادة تقول: إذا صادفت الصفاء والسعادة فسوف يحسدك الناس فكن سعيداً مهما حدث .

أنا: المهم الان نحن وصلنا الفندق وأرجوكم رجاء خاص أن تنقلوا الحقائب ونغتسل وننام إلى يوم غد رجاءً، أنا حقيقةً لم أنم من يوم أمس .

اليوم التالي: فاطمة: يا لله ياباباه إلى مركز أو مدرسة التزحلق على الجليد .

أنا: أي مركز أو مدرسة ؟؟

فاطمة: هناك أمام الفندق على بعد 200 متر .. تعودنا عليها من زمان أتذكر .

أنا: وأنتم لا تنسون !! مادام قريبة من الفندق سنذهب إليها .. ولكن بعد الفطور رجاءً .. يا سلام على هذا البوفيه .. نعمة من الرب .. الخبز اللوف والبقيت و و و أنواع .. يا عبدالله صبلي كأس حليب بارد أولاً .. تصوروا المربى بأنواعه محلي الصنع وأيضاً العسل والزبدة .. أضني حتى دجاجهم لكبار بيضه راقي .. عليكم بالبيض لسكرامبل ... طبعاً لم يسمعوا لي .. بل ذهبوا للكرواسون بشوكولاة وكل ما يحتوي على الشوكولاة !! هذه حالة؟! .. المهم بعد الفطور أخذت تلك القهوة ذات الرائحة التي تصحصح جميع من بالمطعم ... على فكرة الهواتف شغالة تصوير من أمس!!

وقبل ركوب الجميع بالسيارة .. منهم من سقط وهو يمشي بسبب الثلوج المتجمدة أمام الفندق والباقي قبل ركوبهم السيارة .. يعني الجميع سقط .. أقصد لكبير ولصغير والضحك متواصل وهات يا صراخ، يا جماعة مجتمع قشتاد مجتمع هادي لاصوت ولا حس ، وفجأة تغير جو قشتاد .. نعم العرب وصلوا .

بسبب تراكم الثلوج حتى موقف للسيارة لم نجد، واضح بأن المنطقة هذا هو موسمها السياحي في التزحلق وهناك جنسيات من كل العالم وزدحام شديد تصوروا في شهر يناير والشتاء القارص .. انزلتهم في مركز التزحلق الجبلي المفتوح والطلق وستسمحتهم بالذهاب إلى مركز المدينة مشياً ووحيداً مع الثلوج المساقطة، قشتاد ليست مدينة ولا حتى تاون ، هي أقل كمستوى عمراني أو التوسع الافقي لها بسيط وتعتمد على البناء الخشبي الحديث بسبب الموقع الجبلي وكثرة الغابات والاخشاب، سابقاً كانت أكثر شهرة بسبب ذلك الشارع الذي يتوسط المطاعم والمحلات والبنوك، ثم قررت بلدية قشتاد بأغلاق ذلك الشارع حفاظاً على البيئة ، وتم شق نفق خارج حدود المباني لجتياز القرية، ولكن بسبب هذا القرار خسرت قشتاد الكثير في مواسم الصيف حسب كلام مدراء تلك المطاعم ومحلات الماركات العالمية الفخمة مقابل الحفاظ على البيئة، والان قدت مزاراً سياحياً للكبار في السن شتاءً وصيفاً .. أما نحن الباحثين عن الطبيعة والاخضرار والجبال والخدمات الممتازة فهي أكثر من مناسبة لمدة قصيرة بسبب كثرة الاوكسجين في هذا المستوى من الارتفاع المناسب ونوعية الهواء وجودته، حقيقة بعد اليوم الثاني يتخلص الجسم من التأكسد والكسل ويتولد لديك الاحساس بالصحة والمشي الطويل والخفة كأحساس بالوزن، مرة قطعت مسافات طويلة مشياً من قشتاد إلى القرى المجاورة ذهاباً وإياباً ، يعني من الساعة السابعة صباحاً إلى السابعة بالمغرب، تصورو لا يوجد احساس بالتعب ابداً بل بالعكس كانت الرغبة في السير أكثر متوفرة .

رن الهاتف .. ابنتي فاطمة على الطرف الاخر: أين أنت؟ .. أنا بالمقهى (شارلي) استمتع بتارت الفراولة .. فاطمة نحن في الطريق قادمين إليك، هل لديهم شراب الشوكولاة الساخن؟ نعم ولديهم أكثر من ذلك ، أنتم تعالوا فقط ... أنا كل هدفي أن أجعلهم يمشون ويقطعون مسافات طويلة ويطلقون العنان لأرجلهم في هذه الطبيعة الخلابة ... وصلوا جميعاً وهات يا شوكولاة ساخنة وهات يا تارتات مشكلة ومنوعة، كل هذا مع قصص من تزحلق ومن سقط ومن اتعب المدربين والمدربات ... وقليلاً قليلاً بدأت الاصوات ترتفع في مطعم ومقهى شارلي الهادىء (نحن وصلنا) وبعد كل تلك الوليمة بعشر دقائق سأل ابني عبدالله عن الغداء؟ .... يا جماعة بعد بوفية الفطور وهذه الوليمة نسأل الان عن الغداء؟! .... 

أنا: الغداء بعد ساعة ونصف من الان .. ولكن بشرط أن نقضي ذلك الوقت مشياً في قشتاد ونعود مشياً إلى السيارة البعيدة ... ومن ثم نذهب إلى الغداء في ذلك المطعم المختبىء خلف اربعة جبال وليس بعيداً عن قشتاد .

ثم صرخت فطوم: مرددة سنأكل (الروشتي) ... الروشتي عبارة عن البطاطا المبشورة وبالفرن مع الزبدة تخدم ساخنة وتقدم مع الطبق الرئيسي حسب الطلب وهي اطيب من البطاطا المقلية ... أنا شخصياً أفضله مع الباستا كطبق جانبي .... فعلاً لذيذ . 

نورة زوجة ابني او العروس تقول: وتسألني: من أين لك كل هذه الدلالة (المعرفة بالاماكن) بين هذه الجبال والمكان الغريب يا عمي ؟ 

أنا: قبل وفاة زوجتي أم عارف رحمها ألله أو بعد زواجي بها بقليل زرنا تقريباً جميع دول أوروبا وأسيا وأمريكا ثم وصل ابني عارف وحد قليلاً من ذلك الاندفاع السياحي ولكن لم يوقفه، وتمت الزيارات إلى دول العالم متفاوته حسب الاوضاع الصحية للام والمادية أيضاً، ولكن أتت ميثاء وزادت المسؤوليات ولكن يبقى ذلك الاندفاع مستمر معها حول العالم، ودليلاً على ذلك كما ترين يا ابنتي هذا أنا اتنقل بكم من دولة لدولة حسب إجازاتكم، لأنني ارى نفسي فيكم ... ويبقى الحمل كبير بعد مغادرة شريكة الحياة رحمها ألله .. ليس حمل المادي ولكن حمل الفقدان والوحدة المريرة ، يصبح ذلك الانسان المنتشىء بشريكة عمره وحيداً، ولكن الرب عز وجل عوضني بكم جميعاً وتسعدني ابتساماتكم عندما نكون مع بعضنا، أنا يا بنتي كل ما اتطلع لهُ هو أن توفروا وقت للقراءة والاطلاع لتكونوا أكثر وعياً وفهماً للحياة والعالم .. الثقافة والوعي هن حماية لذلك الانسان الواعي والدولي وعالمي بفكره وبمعتقداته وبعيداً عن التحزب والانطواء خلف تلك المجموعات المنطوية والمتطرفة في كل شيء، الحياة جميلة الحياة حلوة .. لو لم تكن الحياة جميلة لما خلقنا الرب لها ، التعامل مع الاخرين وكسب رضاهم وودهم شيء جيد (قيمة مضافة) لكل شيء بالحياة ، وصيتي لكم أن تسعدوا وتستأنسوا وتبتكرو الكثير ، واياكم وتخلي عن الوطن مهما حصل من تطورات في عالمنا العربي المتوعك هذه الايام بسبب التدخلات الغبية من قبل المجموعات الظلامية ... كونو أكثر حذراً وبتعدو عنهم  .... أما عن سؤالكِ .. ها أنتم تكتشفو الكثير في رحلاتكم معي وبرامجنا لن تنتهي أبداً بأذن الله ما دام راسي يشم الهواء .. ولكن بعد فترة وجيزة عليكم الاعتماد على انفسكم في كل شيء .. وعندما تتصعب الامور عودو إلي وسأعطيكم أقرب الحلول بأذنه تعالى .

أعلموا أن خطاكم خطوتان خطوة لكم وخطوة عليكم فانظروا أين تغدون وأين تروحون،،، وحذروا من الاحضان المسمومة لأنها تأتي من الأصدقاء دائماً .

أنا متأكد في يوم من الايام لن تسألوني عن اشياء كثيرة .. بسبب توفر غوقل وعياله .

أنا: استعدو غداً صباحاً سنتحرك إلى مدينة زيورخ .. والمسافة إلى هناك ساعتان أو أقل بدون الازدحامات والانفاق الطويلة .

نورة: يا عمي نحن اليوم هو أول يوم لنا في قشتاد !

أنا: كلامكِ صحيح .. ورحلتنا في سويسرا عشرة أيام، وأنا لدي برنامج ممتاز لكم جميعاً، يوم في قشتاد بأكمله واليوم الاخر نزور فيه مدينة من مدن سويسرا الجميلة، وهكذا نكون انصفنا الرحلة بشكل غير ممل وبأكتشافات وافرة وبالاضافة تتكون لديكم فكرة عن النظام في هذه البلاد مع درجة من الدلالة والتي ستنسخ بهواتفكم، يعني لو قلنا عشرة أيام .. يوم بقشتاد ويوم خارجها ستكون الحصيلة خمسة مدن كبيرة ، لأن المكوث في هذه القرية الصغيرة ممل جداً دون التحرك والاطلاع ومع كمية هذه الثلوج التي تعيق المشي والجري .. أنا سأجعلكم تتمتعون بزيارتكم لسويسرا الجميلة والنظيفة أكثر مما تتوقعون .

ابني عبدالله: ولكن الا تعتقد بأنك ستتعب وأنته تقود هذه السيارة ؟ 

أنا: يا ابني عبدالله يا حبيبي اسمعني جيداً .. السياقة على الجليد لايتقنها إلا من تعامل معها لسنوات، وإلا سيسقط من ارتفاع الاف من الامتار في سحيق جيوب هذه الجبال المخيفة ويضحي بكل من معه ... وبعدين لا يتعب من يكون معكم أنتم يا حبيبي .. بل يتجدد نشاطه ويعود لتلك الفترة الزمنية التي تحتاج الكثير لشرحها .

كما قال الشافعي:( كن رجلاً على الاهوال جلداً ,,,,, وشيمتك السماحة والوفاء
                      ولا تجزع لحادثة الليالــــي ,,,,,, فما لحوادث الدنيا بقـــا)

أنا حقيقةً سعيد بتواجدي معكم كاوالدكم وكاصديق يستمع لكم وتستمعون إليه ... وها نحن من قصة إلى قصة على هذه الطرق الجميلة والمناظر الخلابة وهذه السهول الخضراء والمملوءة بالزهور و الخزامى على مد النظر مطعم بأحواض ثلجية ، صورة معبرة عن حقيقة الشتاء الطبيعي .. وليس الشتاء الساخن والقصير لدينا بالوطن .

واضح بأننا على مشارف مدينة زيورخ الجميلة .

فاطمة: أين ستوقف السيارة يا باباه؟ واضح بأن المدينة مزدحمة جداً .

أنا: لا تنشغلي بهذا الموضوع فقط ركزي على تلك البحيرة وجمالها وتلك السفوح ومنازلها ومبانيها .. أنا اعرف أحد الفنادق في مدينة زيورخ وهذا الفندق لديه عدة مواقف للسيارات ويقبل عشرة مارك مقابل وقوف السارة في أحدى مواقفه .. أنا سأتصرف ولكن عليكم أن تأتو معي لمعرفة جريان الحديث في هكذا مواقف ولتكسبوا خبرة تفيدكم مستقبلاً .. هيا بنا إلى الكونسيرج بالفندق .

هل رأيتوا كيف العملية تتم، دفعنا وأوقفنا السيارة دون أي سوء فهم .. والان هيا بنا ننطلق إلى داخل المدينة مشياً في هذه الاجواء الممتعة والباردة .. غريبة !! لم تتساقط الثلوج بعد على مدينة زيورخ ولكنها مرشحة على السقوط في أي وقت، والان تعونا نقطع الشارع العام إلى البحيرة ومن ثم إلى الجسر الكبير ومنه إلى مركز سوق الجمعة الذي يقع خلف المصرف المركزي لسويسري ومنه إلى بداية شارع البانهوف شتراسا الذي سيأخذنا إلى داخل وسط المدينة ومحطة القطارات، يعني الولوج إلى قلبها مباشرة (زيورخ) ... وفي هذه اللحظة استأذنكم في أغنية جميلة (أجنبية) أنا أغني وهم يضحكون .. بعد الاغنية وصلنا لمقهى (شبرينكليه) المشهور بشهرة سويسرا نفسها، والجماعة مصرين على الهوت شوكولاة أما أنا فلايعجبني إلا فنجان قهوتها الفواحة والمركزة وبعض قطع الشوكولاة الخاصة بمصانعهم (الشبرينكليه) .. ثم واصلنا السير إلى محلات غلوبس ويالمولي وغيرها إلى أن وصلنا إلى محطة القطارات الكبيرة والاسواق التي تقع تحتها مباشرة وتلك التماثيل الكبيرة على مداخل المحطة، تماثيل الشخصيات التاريخية لسويسرية ... سألتني ابنتي فاطمة عن الجانب القديم من المدينة إذا كان هناك جانب قديم فيها .. وجاوبت بالايجاب .. نعم علينا قطع النهر من أحد الجسور للدخول من بداية الطرف للمدينة القديمة أو القسم القديم فيها .. هي عبارة مباني وزواريب ضيقة مملوءة بالمحلات الرخيصة والمقاهي ، ولكن تقع على تل لا يتطلب معرفة حيث أن المشي صعوداً يدل على التل إلى أن تنتهي المدينة القديمة وثم ينزل ذلك التل بالقرب من محطة الترامات بجانب الجسر الكبير والبحيرة .. بالقسم القديم بالمدينة ستجد كل ما تبحث عنه وأكثر بكثير .. ولكن هناك رقي في تصرف الشعب لسويسري حتى لو هو غير واضح يكفي أن تستشعر ذلك الرقي في كل شيء ابتداءً من التعامل مع السواح وغيرهم وينتهي بالنادلة التي تضع فنجان القهوة أمامك، يكفي أن ترى أناملها ملى بالمجوهرات والماركات العالمية وفوق كل هذا هناك نظرة في التعامل تشير بكل وضوح لذلك الرقي .
أما المدينة فهي زاهية بكنائسها ومبانيها الكبيرة والجميلة ونهرها الذي يتخللها بعرض مائة وخمسون متراً.

فاطمة: موعد الغداء قرب .. وفي خاطري اليوم بيتزا بمطعم الايطالي الشهير بــزيورخ  (Mascotte Italian Bistro) الذي يقع بجانب مواقف لترامات أو مقابلها تماماً وبجانب الاوبرا .. وافق الجميع على الفكرة .. وأنا قلت لنجعل الغداء خفيفاً بالبيتزا والعصير .. وهكذا أنتهت زيارتنا لمدينة زيورخ التي استمرت لأربع ساعات فقط مشياً متواصلاً مع شراء ابني عبدالله لساعة مونبلا الرياضية والحديثة وأخرى لزوجته نسائية الدزاين ، أما فاطمة استقرت على ساعة سواتش حدثة الشكل وأنا استكفيت بالمشي الممتع والقهوة فقط

والان يا شباب إلى السيارة للعودة إلى قشتاد والفندق .. نحن جعلنا قشتاد امحطة الرئيسية لنا ومن خلالها نزور مدينة لأربع أو خمس ساعات حسب حجم المدينة ونعود مباشرة لقشتاد كل يومين مرة .. والسبب هو حب التنقل في الطبيعة ومشاهدة أكبر عدد ممكن من المدن لسويسرية .

نصيحة يا أبنائي لكم جميعاً من أراد منكم شراء أي اكسسوارات غالية عليه شراءها من المطارات ولديوتي فري (الاسواق الحرة) كي لا تنضغط أثناء العودة للوطن بسترجاع الخصومات الضريبية الخاصة بهم والابتعاد عن نسيانها أو حتى التكاسل في الحصول عليها بسبب قرب الرحلة .. وتتفاجأ بأنك دفعت مبالغ يصعب استرجاعها .. ومرات تكون بالالاف الماركات او اليروات .

فاطمة: هذه تفرقة يا باباه !! تشتري لعبدالل وزوجته !! طيب .. وأنا والبقية بالمنزل؟!

أنا: يا فاطمة نحن الان على وشك الركوب بالسيارة والمغادرة .. ولكن نحن في أول الرحلة وأمامنا الكثير من الوقت، سنزور مدينة بيرن وأنترلاكن وجنيف وغيرها، والماركات السويسرية هي نفسها في كل مدينة وفي كل مطار وما عليكِ إلا الاختيار والانتقاء ولا تزعلين وتحطين في خاطرك، وعندما كنا في شارع البانهوف أنتي لم تطلبي شياءً .. علماً بأني سألتكِ يا حبيبتي يا فطوم .. ولكن فالك طيب .

غادرنا زيورخ في طريق العودة لقشتاد ... سنتوقف بأحدى المحطات للتزود بالوقود .

عبدالله: هذه أكبر من فقط محطة تعبئة، هذه منتجع كامل متكامل، لاحظوا هناك فندق ومحطة ولها مول تجاري وعيادة مع حديقة العاب للأطفال وتسهيلات كبيرة للعجزة والمعاقين .. والادهى من ذلك هناك مطعم سبع نجوم مع المطبخ المفتوح ... ويكمل عبدالله هناك نوعان من وقود الديزل! هناك ديزل للشاحنات وديزل للسيارات الخفيفة .. ما العبرة في ذلك؟

أنا: قد يكون ديزل الشاحنات أكثر أو عالي الكثافة والاخر خفيف .. لا يوجد أي تفسير أخر يا عبدالله .

عبدالله: ولكن الديزل المتوفر لدينا في الوطن هو نوع واحد يستعمل للشاحنات والسيارات الخفيفة .

أنا: لا تستعجل، وتذكر بأن لدينا بأبوظبي المصافي البترولية التي تنتج كل أنواع المشتقات البترولية ومنها الديزل بأعلى جودة ومواصفات عالمية .. ولا يوجد شيء لدينا غير مدروس يا ابني، نحن كلنا ثقة في مؤسساتنا العاملة بكل جهد وجد  لتوفير منتجاتها لنا وللأسواق الاقليمية ... والملاحظ بأن لم يشتكِ أحداً من تلك المنتجات الوفيرة والممتازة .

فاطمة: هل سنمضي اليوم بطولهُ في هذه المحطة؟ اليس أمامنا طريق طويل وضيق ومملوء بالثلوج يا باباه ... أنا تعبت وأرغب في الاستحمام والنوم .

أنا: هذه طبيعة البشر، عندما يأكل الانسان كميات كبيرة يراوده الاحساس بالتعب والرغبة في النوم والاستراحة ... هذا كله بسبب انتقال الدماء إلى المعدة الملئى بالاكل .. واضافة لذلك المشي الطويل ... فالك طيب يا فاطمة .. يالله إلى السيارة .. وبعد مدة وصلنا إلى منطقة سنن وإلى الفندق .. وما أحلاك يا نوم .

صباح اليوم التالي .... رن هاتف فاطمة ... وفجأة الخادمة (سوما) تتصل من أبوظبي يا فطوم كبير كبير مشكلة .. تقصد بأن المشكلة كبيرة .. القطة Aoushi ضاعت بحثنا عنها بكل المنزل ولم نجدها !

ونقلبت ابنتي فاطمة وتغيرت ورتفعت الضغوط بسبب ضياع القطة Aoushi .

فاطمة: أبحثوا بالمجالس والصالات والغرف وتحت وفوق الاثاث .. كل الردود تؤكد عدم وجودها بالمنزل .. وأدخلتنا القطة Aoushi في ضغوطات بسبب ضياعها ونحن نبعد عنها 6000 ميلاً في سويسرا، هناك من يبكي في الخفاء وهناك من فقد تركيزه ومزاجه .. يا خبر لم نكن نتوقعهُ .. يا هذي مصيبة وحلت علينا بسبب القطة Aoushi .

أنا: طيب .. يا فاطمة دعينا ننهي الرحلة والمتبقي فيها أسبوع .



فاطمة: سأحاول يا أبي .

ذهبنا إلى وسط قرية قشتاد والخواطر مكسورة .. ولا يوجد ما يتحدثون عنه! وأنا أحاول خلق القصص والمواضيع لجذب انتباههم بأننا لا نزال في سويسرا وجمال المكان .. وكتشفت بأنني أحدث الجدران .. القلوب والحواس والمدارك كلها مع القطة Aoushi .

أنا: يا فاطمة أرجوكِ تفهمي لبرنامجنا .. نحن في شهر العسل لشقيقكِ عبدالله وزوجته نورة .. ولا يجب أن نتصرف كالأطفال ونخرب هذه الطلعة الجميلة التي تجمعنا جميعاً لأجمل فترة لهم .

اليوم التالي: فاطمة: تحزم حقيبتها .. ماذا تفعلين يا فاطمة؟

فاطمة: أنا سأغادر إلى أبوظبي لوحدي ونتم كملوا الطلعة ! 

أنا: ومن سيسمح لكِ بالعودة لوحدكِ؟ هناك مشوار إلى مدينة جنيف وهناك تغيير في المواعيد وهناك برامج شركة الطيران ستتغير ! وقد تكون الطائرات ممتلئة ولايوجد حجز ، وقد لانجد مقعد بالطائرة وقد لا نجد حتى حجز بأحد فنادق جنيف للمكوث يوم أويومين إلى أن نجد الطائرة .. وماذا نفعل بهذا الفندق المحجوز لمدة عشرة أيام متتالية والاسئلة لا تنتهي .

فاطمة: انهارت وبدأت تبكي كالأطفال بسبب القطة اللعينة Aoushi .. أنا ضائع بين حقوق ابني في هذه الطلعة وشهر العسل وبين ابنتي المتعلقة بقطتها Aoushi وبين هذه المشكلة الغير متوقعة أبداً ... يا من يابله من حلاله علة !!!!

أنا: عندي حل يا فاطمة ... سنغادر سويسرا جميعنا إلى أبوظبي بعد غد .. وغداً لدينا طلعة لمدينة لوتزيرن الجميلة ...

فاطمة : انشالله يا أبي .. بشرط أن أقوم بعمل الحجوزات الجديدة من اليوم لضمان وجود مقاعد .. وتمت الاتصالات بمكتب طيران الاتحاد بجنيف وتم شرح ظروف العودة المفاجأة .. وأتت الموافقة مع حسبة جزئية تكلفة اضافية على تذاكرنا وعتماد الموعد الجديد للعودة بسبب القطة Aoushi ... 

توجهنا إلى مدينة لوتزيرن الجميلة .. كل شيء جميل في تلك المدينة .. من بحيرتها واسواقها ومحطة قطاراتها وميادينها والجسر الخشبي الذي تعرض للحريق قبل سنوات (جسر الحب) .. وابنتي فاطمة أبداً ليست معانا بسبب شرودها تجاه تلك القطة السيامية التي ربتها من صغرها وتعلقت بها .. سألت ابنتي فاطمة مرة عن لو تزوجت ورفض زوجها أخذها للقطة Aoushi معها إلى بيت الزوجية، ماذا كانت ستفعل في تلك الحالة ... ردت علي بأنها ستطلب الطلاق ولا أن تبتعد عن القطة Aoushi .. الحكمة قالت: تأتيك المصائب من حيث لا تعلم .. يا سبحان الله .

الحقيقة تقال: جميعنا بالمنزل نحب تلك القطة Aoushi .. يعني عاملة جو بالبيت ومدللة إلى أخر مستويات الدلال .

استغرقتنا الزيارة لمدينة لوتزيرن اربع ساعات ونصف إلى الرابعة عصراً تقريباً ومن ثم عدنا إلى قشتاد .. ولكن واضح بأن هذه الزيارة لم تكن فرحة وسعيدة مثل زيارتنا لزيورخ بسبب ضياع القطة Aoushi بأبوظبي .. كان في خاطري أفتح محاضرة طويلة بسبب تعلق أحد أفراد العائلة بقطة .. بالسيارة ونحن في طريق العودة لقشتاد .. وكتشفت أني لو فتحت هكذا محاضرة سيبدأ البعض في البكاء والزعل .. ولكن السكوت على أن أفتح صفحة قد لا تنتهي بسبب القطة لا بركةٍ فيها .

واليوم التالي الجميع يوضبون حقائبهم في الصباح الباكر تجهيزاً للعودة إلى أبوظبي .. صاحبت الفندق متفاجأة وأنا ما أعرف ماذا أقول لها .. ثم رديت عليها بأن أمور طارءة حدثت بالوطن ويتعين علينا العودة .. ووعدتها بالعام القادم سنعود ونسكن فندقها الدافىء .. وطلبت منها أن تخصم كل المبلغ إن ارادت للعشرة أيام لأنهُ ليس ذنبها بل هو ذنبُنا نحن بسبب القطة Aoushi .. ولكنها كانت راقية في كل شيء .. وقالت مستحيل أفعل ذلك .. ولكننا ننتظركم العام القادم وناولتها بطاقتي الشخصية التي تحتوي على العنوان والارقام وصندوق البريد .. وشكرتها مبتسماً .. أما البقية فهم في انشغال تحميل الحقائب بالسيارة .. والأستعجال جعلهم ينسون بعض الاحذية وبعض الملابس وأكياس الشوكولاة وأشياء نسيناها بسبب تلك القطة Aoushi .


وبعد ساعة ونصف وصلنا مطار جنيف ومباشرة إلى موقف تسليم السيارات المؤجرة وأخذ الباص إلى المطار .. وكان الادخال في الساعة الثانية عشر ظهراً .. ودخلنا بعد تسليم كل الامتعة .. مطار جنيف يظلمنا في موقف الطائرة .. الطائرة تقف في أخر الكاريدور الطويل والطويل والطويل إلى الاخر .. لماذا ؟ لا أعرف . . جلسنا بجانب الاسواق الحرة بالمطار لأخذ بعض المشروبات والمياه .. ثم دنوت على فاطمة وقلت لها أنا لازلت عند وعدي لكِ .. هيا نذهب إلى أقسام الساعات أو أي شيء أخر أنتِ ترغبين به يالله .. قالت أولاً أنا أسفة على كل ما حصل يا والدي يا حبيبي أنا أعلم مدى كبر قلبك وأعلم بأنك تسعى لأرضاء الجميع وأكثر .. ولكن ماذا أفعل أحب تلك القطة وربيتها من كل قلبي وداريتها إلى أن سارت قطعة مني ياوالدي .. وأنا أردد أعلم أعلم يا فطوم .. حقيقة خيرتها بين ساعة قيمتها في حدود ال30,000 الف درهم أو خاتم بناتي حديث قيمته 80 درهم تقريباً .. ففضلت الخاتم على الساعة الغالية .. وبعد ذلك ذهبت فاطمة إلى مديرة محل العطور والشوكولاة وطلبت من المديرة بتجميع كل كمية الجولدن بار شوكولاة المتوفر في ذلك القسم بالمطار وشوكولاة الكوينز او الدراهم (على شكل العملات) ووفروا كرتون كبير لصف تلك الكمية به .. وستوزع على كل زميلات العمل والصديقات وما تبقى سيبقى بالمنزل .


أنا: الرحمة بأوروبا يا فطوم .. نشفتي الاسواق الحرة بمطارات أوروبا .. هذا وسفرك لأربع أيام فقط ! كيف لو كان لشهر أو شهران ؟ الحق يقال أينما حلوا الناس الطيبين تبقى لمساتهم واضحة .. أما أنا فكتفيت بمجموعة أفتر شيف ممتازة بعبق الليمون (فرش) والمعاريس طلبت منهم العذر وعليهم التعويض في هذا السوق .. وقلت لإبنتي نورة يا الغالية وزوجة الغالي عبدالله هذه فرصتك .. عندك الضوء الاخضر عليك بالزين وما تردكِ إلا يديكِ .. ابتسمت وقالت يا عمي مايحتاي أنا أعرفك .. أنته لا ترتاح الا برضاء الجميع .. ولكن سأخذ مجموعة عطور أعرفها .. وعليكِ يا نورة بالشوكولاة أيضاً.. الربع هناك ينتظرون الصوقة .. أنا سبق وكلمت المديرة بأن تجمع الفواتير كلها والسداد من بطاقتي الائتمانية .. ثم أتى البيجنق عن رحلتنا وعلينا الاستعداد للرحلة التي ستصل أبوظبي في السادسة صباحاً .

قبل الركوب بالطائرة وصل أتصال يشير بأن القطة Aoushi ظهرت من مخبأها.. وأن ميثاء ستجلب القطة Aoushi معها إلى المطار غداً أثناء وصولنا بأبوظبي دار الظبي دار زايد دار الجميع .


تمت .... محمد غيث بن مهاه المزروعي


















الاثنين، 15 يونيو 2015

جزيرة صير بني ياس .. قصة قصيرة

قصة قصيرة: ترويجية لإمارة أبوظبي ومواقعها السياحية (جزيرة صير بني ياس) وتدور أحداثها في جزيرة صير بني ياس وبعض المناطق .

ترددت سلامة قبل أن تنطق بخجل عن موضوع زيارتهم لجزيرة صير بني ياس، ثم قالت: نحن عائلة حقيقةً لم نعرف الانطلاق والسفر والرحلات البعيدة بسبب التزام الوالد، هو لم يكن ملتزم بأعمال تجارية أو غيرها، ولكنه ملتزم دينياً، أي أنه من البيت للمكتب في أحدى الدوائر الحكومية ويعود، وطبعاً من المواظبين على الصلاة بالمسجد، لدرجة أنه يأم بالمصلين عند توعك الامام صحياً .. ونزور بعض الاهل والاقارب مرة في الشهر أو كل شهران .

أما غير ذلك فلم نرى شيئاً إلى أن تزوجت شقيقتي الكبرى عليا من أحد أبناء جيراننا، شاب ملتزم راقي خريج ولكن نشط، محب للزيارات والرحلات .... ومرة فاجأنا سعيد زوج شقيقتي بأنه سيأخذنا إلى جزيرة صير بني ياس، والتي لا أعلم شيئاً عنها إلا ما أشاهده في التلفاز بأنها تحتوي على أكبر حديقة أو محمية للحيوانات مفتوحة طليقة، وبأنها من لمسات المرحوم الوالد الشيخ زايد رحمة الله عليه، وفكر بها قبل أن تفكر المنظمات العالمية بها، أي أنه اختار جزيرة متكاملة، وتحيط بها المياه من الجهات الاربع لكي لا تتسرب منها الحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض .

جميعنا فرحين لهذه الدعوة من شقيقتي وزوجها سعيد، سنغادر ثاني أيام العيد لجزيرة صير بني ياس، ولنمكث بها ثلاثة أيام متتالية، صراحة جميعنا متحفزين لهذه الطلعة إلا والدي الذي فضل أن لا يغادر المنزل، وغالباً ما يردد بأن هكذا طلعات هي مضيعة للوقت والاموال وملهاة عن أشياء كثيرة مهمة في الحياة .

وعندما خرجت من غرفتي تفاجأت بالجميع ، أقصد أخواني وأخواتي وكلٍ منهم مجهز حقيبته الصغيرة !!  يا جماعة باقي اسبوعان على العيد! قالوا: هذا حدث كبير في العائلة .. ولا تلوميننا على هذا الاستعجال والاشتياق لهذه الرحلة الموعودة .

الوالد يرى هذه الفرحة في أعيننا، وأيضاً من خلال نظراته نعلم بأنه متألم لعدم اخراجنا من البيت في كل تلك المناسبات أو غير مناسبات، ونعلم أيضاً لخوفه علينا، ولكن نحن كبرنا وتخرجنا ، يعني بأمكاننا تحمل مسئولياتنا لوحدنا .

وبعد الغداء جلست معه (الوالد) بصالة المنزل، وبادرته بالكلام .. أنت أولاً أجمل أب .. وأرقى أب .. ويحفظك ألله لنا، ولكن أيضاً يا أبي نحن من حقنا أن نتمتع في حياتنا وخصوصاً في هذا العمر مع شقيقاتي وأشقائي، ونحن ذاهبون مع شقيقتنا عليا وزوجها سعيد صاحب الاخلاق الحميدة والذي يخاف ألله في كل شيء، هو مثلك تماماً يا أبي، وبعدين كلها ثلاثة أيام إلى تلك الجزيرة السياحية وأنا أسميها سياحية ثقافية، أما أشقائي لهم هدف اللعب على شواطئها الجميلة والبيضاء .

هل أنت يا أبي مطمأن لنا في هذه الرحلة؟

الاب: نعم يا ابنتي سلامة، أنا مطمأن وليوفقكم ألله، وأيضاً لأرى الفرحة في عيونكم، أنا يا ابنتي سلامة بعد وفاة والدتكم الغالية خففت خروجي خوفاً عليكم وحفاظاً لكم، ولهذه الاسباب حرمت نفسي وحرمتكم متعة الخروج والزيارة اعتقاداً مني بتصرفي هذا أحافظ عليكم، ولكن أنتِ على صواب عندما قلتي أنه من حقكم الخروج والتمتع في مراحل حياتكم المختلفة ... أما أشقائكِ وشقيقاتكِ الصغار فهم أمانة عندكِ يا سلامة .

عندما تكلم والدي وشرح لي عن خوفهُ علينا أيام كنا صغار، رأيت الرضى والثقة في وجهه، وهذه الاشارات هي عبارة عن الضوء الاخضر لنا في هذه الرحلة، والدي رجل مثقف وخريج ولكن ظروف موت والدتي هي التي جعلته يتقوقع بالمنزل لسنوات خوفاً علينا وحفاظاً على صحته من أي نشاط مضر لهُ .. وأثناء ذلك التقوقع بالمنزل تحول إلى معلم درجة أولى لنا، لدرجة أن كل درجاتنا التعليمية ارتفعت من الستينات المائوية إلى التسعينات بسبب المراجعات والمتابعة وكان حفظه ألله لا يترك كبيرة وصغيرة في عموم المواد، حتى عندما كنا بالجامعات، كانت لديه طرق في توفير البحوث المناسبة والمدعمة علمياً والدالة على الهدف المطلوب .

في ثاني أيام العيد نحن جميعنا في قلب المنزل أو صالته الرئيسية من الصباح ننتظر شقيقتي عليا وزوجها سعيد، الان الساعة السابعة والنصف وكلٍ منا بحقيبته وبسبب الانتظار اذكر فطرنا مرتان، أخي عبدالله الصغير يقول بأنه متخصص في صيد القبقوب وأخر يقول: بأنه سيركب الجمل وأخرى ستصور مع الزرافة، لأول مرة أكتشف بأن معلوماتهم عن عالم الحيوان كبيرة جداً، الظاهر بأن الاستعداد للرحلة أخرج كل المعلومات العامة التي لديهم الحلوين .

وعند الساعة العاشرة والنصف صباحاً وصلت شقيقتي وزوجها لأخذنا في أول رحلة حسب ذكري إلى جزيرة صير بني ياس وستمتد لثلاث ليالي متتالية، وكانت أمام منزلنا سيارتان ذات الدفع الرباعي كبيرة، أنا ركبت مع شقيقتي وزوجها لأضمن الحصول على أكبر معلومات ممكنة عن المناطق التي سنمر عليها لأحكيها لوالدي ولكم .

تحركنا من أبوظبي غرباً بتجاه منطقة الضبعية ونفس الطريق يأخذنا إلى بو الابيض ومن ثم إلى طريف والمرفا والهرمية والثميرية وقرين العيش وأخيراً إلى الظنة أو جبل الظنة .. وصادف وصولنا في الساعة الواحدة والنصف، أو بما معناه موعد الغداء، والجميع رشح بأن نتغدا في فندق جبل الظنة، وقبل الغداء بقليل أصر زوج شقيقتي سعيد أن يأخذ الجميع إلى مدينة منطقة الظنة الصناعية، تلك المدينة التي لا أعرف عنها شيء ولم أسمع بها في حياتي، هي مدينة متوسطة الحجم ويقطنها مهندسين البترول، طبعاً بعوائلهم، وفيها المدارس والمستشفيات وجميع الخدمات المكونة للمدينة العصرية، ثم سمعته يقول هذه المدينة هي تحت ادارة شركة أبوظبي للبترول (أدنوك) وهي سياسة جيدة أن تجعل استقرارهم بجانب مواقعهم واعمالهم .

ولكن ما شد انتباهي هو نظافة تلك المدينة وطرقها، وهي عصرية بكل معنى الكلمة، ومن ثم توجهنا إلى فندق دانات جبل الظنة للغدا، فندق خمس نجوم مزدحم والكثير من الاجانب الاوروبيين والامريكيين، وبمجرد جلوسنا على طاولتنا الكبيرة، سمعت زوج شقيقتي سعيد يقول دعونا نذهب إلى البوفيه لملىء الاطباق وننتهي من الغداء قبل الساعة ثلاث والنصف، لأن العبارة البحرية ستقلنا إلى جزيرة صير بني ياس في تمام الساعة الرابعة عصراً .

أنا واخوتي انبهرنا بالوبي الكبير وتلك الخدمات الخمس نجوم ونحن في المطعم ومتقيدين بالطابور قبل وصولنا إلى تلك القدور الملئى بمختلف صنوف الاكلات، المشاوي والمقلي والايطالي وغيرها الكثير، رأيت اسماك الكنعد والهامور التي اعرفها بسبب حب والدي لتلك النوعيات بالمنزل، ولكن قررت أن أختار الباستا الايطالية، القليل من الأسبغيتي واللازانيا مع بعض الخضار المسلوقة .

شقيقتي عليا: يا سلامة ... انتبهي لأشقائكِ واضح بأنهم خلطوا الغداء مع الحلو !! فضحونا، شقيقك حمد حامل كأس كوكتيل الربيان ويركض بين الطاولات .

معليش يا عليا .. هذه أول زيارة لهم وفرحانين .

المهم عدت الامور على خير وكانت تجربة مفيدة لنا، ثم غادرنا الفندق متوجهين إلى موقع العبارة البحرية التي ستأخذنا إلى جزيرة صير بني ياس، ونزل كلٍ منا يسحب حقيبته متوجهين إلى العبارة والغبطة تأسرنا، تصورو أول مرة في حياتي أصل إلى هذه النقطة في وطني الحبيب، وأول مرة اختبر هذه الطلعة بالعبارة، الكل يتظاهر بأنه متعود على هذه الرحلات والحقيقة تقول خلاف ذلك، وكل منا يناظر أخيه وأخته وبتسامة الفرح تعلو الوجوه، أما زوج عليا فهو ايضاً مرتبك من ارتباكنا، رن أحد أجراس العبارة، وزاد الطين بلة كما يقال، من ركب جرى إلى الداخل ومن لم يركب هرب بعيداً خوفاً من تحركها، و ردت الفعل هذه فضحت تلك الثقة التي كنا نتظاهر بها، وهات يا ضحك على خيبتنا، ولكن دعونا نتوكل على الله ونركب العبارة الكبيرة .

أنا استسلمت لهذه العبارة وجلست بالمقدمة المفتوحة على الهواء الطلق، ونزعت الشيلة (غطاء الرأس) واطلقت شعري في هذا العليل وروائح البحر وذلك البعد الذي يصل إليه نظري بالافق ، وعند أخذ الزفير وأملىء رئتاي بهذا العبق البحري والرطب، وفي مخيلتي حياة الاجداد وتنقلهم بين هذه الجزر بالضبط، والياسات العالي منها والسافلي وبعيا، والقصص التي كنا نسمعها من الاهل عن أيام الغوص وبعض المناوشات مع الانجليز ومع الجيران، كان زمن تبحث فيه العشائر عن لقمة العيش، حتى لو بالقوة والنهب وغيره ... كانت الحياة صعبة في ذلك الزمان الغابر .

الظاهر مفعول سحر نسيم البحر جعلني اسرح مع ذاكرتي، عموماً تحول نسيم البحر إلى رطب ولكن منعشاً، وكان الجالسون في العبارة يتضاحكون ومبتسمين أشقائي وشقيقاتي وبعض السائحين الاجانب، جاؤا جميعا للاستمتاع بهذه الجزيرة التي لا تزال شبه عذراء.

وبعد عشرون دقيقة نحن بالمرفا الخاص بالجزيرة أو جزيرة الصير، وستقبلنا باص مكشوف ينتظرنا لأخذنا إلى الفندق، وماهي إلا لحظات حتى مر بنا الباص بجانب تلك التضاريس الصخرية، يميناً بر الصير وشمالاً زرقة المياة أو البحر، والباص يتحرك بأقل سرعة ليتسنى للركاب رؤية جوانب الجزيرة، وطبعاً أنشغل الركاب بالتصوير ومشاهدة بعض الحيوانات النادرة والجميلة والتي تعودت على الزوار ولا تخاف البر او الاقتراب ونحن نسير إلى أن وصلنا إلى الفندق وهنا كانت المفاجأة الكبرى ، الفندق لم يكن كما توقعته كأي فندق على أي جزيرة ، البهو (اللوبي) كبير جداً وحديث طبعاً خمسة نجوم بحق وحقيق، ردهة الفندق دالة على فخامة الفندق من أول نظرة، الاستقبال هناك بعيد، التحف والثريات دالة بشكل واضح بأنها عملية متعوب عليها ومستثمرة بشكل جيد ، المساحات شرحة للغاية، المهم نحن سكنا كل اثنان بغرفة، وأتت الاتصالات من غرفة شقيقتي عليا وطرحت فكرة بأن نبقى بالفندق اليوم لأننا بوقت المغرب الان والشمس غربت وغداً صباحاً سيبدأ النشاط وننطلق، والان من أراد العشاء عليه بخدمة الغرف أو النزول إلى المطعم للأكل من البوفية، أما أنا فخترت أن أبقى في الغرفة مع شقيقتي الصغرى وأستحم بعد كل هذا التعب والحركة التي لم اتعود عليها .

شقيقتي  الصغرى عزة: طلبت مني أن أفتح التلفاز لها، إلى أن أنتهي من الاستحمام، وبعدها نجلس ونضع خطة برنامج غداً .

شقيقتي الصغرى عزة: ماذا هناك؟ هم شيئان ، غداً نركب عربات أو سيارات الفرجة على الحيوانات صباحاً إلى موعد الغداء وبعدها نذهب نمشي على الشاطىء لتجميع القواقع لعمل مشروع في مادة العلوم بالمدرسة أو لاحتفظ بهن في المنزل كذكرى عن جزيرة صير بني ياس، ولأنها أول رحلة لنا ... ماهو رأيك يا سلامة ؟

واضح يا عزة أنك حافظة لواجب الرحلة تماماً، ولكن يا عزة هناك أماكن بها العاب مخصصة للي في أعماركم بجانب الفندق .

عزة: تضحك .. نحن شبعنا من هذه الالعاب المكررة، أود اللعب مع الموج ومع قواقع واجري على الشاطىء (السيف) زاركض خلف الشنقوان (سلطعون صغير) كما يفترض بي، أنا في جزيرة والبحر يحيطني من أربع جهات وهل هناك متعة أكبر تشويقاً من البحر والشاطىء يا سلامة ؟

سلامة: كلامك واقعي ما شالله عليكِ .... والان دعيني أتصل بباقي الغرف لأسألهم عن العشاء الي يرغبون بهِ، الكل أجمع على الهبي ميل للاطفال أو وجبة الصغار، وأنا سأطلب كلوب ساندوتيش وننام إلى الغد .

اليوم الثاني صباحاً، الساعة التاسعة على بوفيه الفطور وصل مرشد زيارة وكتشاف الجزيرة يستأذنهم ان كانوا من ضمن المجموعات التي ترغب في  زيارة والاطلاع على الحيوانات بشكل سافاري (الجلوس بالمركبة المخصصة للطرق المتعرجة بين مناطق الحيوانات المختلفة على بر الجزيرة) والسبب هو الحيوانات شبه طليقة حرة والزوار في مركبتهم يتنقلون بينها،  والبرنامج هذا يستقرق من الساعتان إلى ساعتان ونصف، يعني من العاشرة صباحاً إلى الثانية عشر ظهراً، وهناك برامج زيارة تبدأ بالعصر أيضاً .

وجميعنا ردينا عليه بأننا من ضمن الذين سيزورون الحيوانات، وقد نكون أكثرهم رغبة في تلك الزيارة، ورد الجميع نعم نعم أو YES YES والفرحة على تلك الوجوه واضحة بشكل ملفت، بيني وبين نفسي أقول أين أنت يا أبي عن كل هذه المغامرات .... أه ليتك معنا ...  ولكن جميعنا متجهزين بالكيمرات، منها بالهواتف ومنها كاميرات مستقلة والصور ستصلك أينما كنت يا أبي .... وفجأة أسمع شقيقتي عليا تناديني ... يا سلامة ... يالله نحن تحركنا .... أنا سرحت أتخيل والدي بالمنزل لوحده أو قد يكون بسوق السمك والخضروات، أو قد يكون يتابع محطات الاخبار بالتلفزيون أو محطة ناشيونال جغرافيك أبوظبي ... محظوظين نحن جميعنا في مركبة سفاري واحدة، وهذا النوع من المركبات مرتبة بشكل يسمح للركاب بمشاهدة الحيوانات من أرتفاع مناسب وجلساتها مريحة جداً وملائمة، وتحركنا منطلقين .

شقيقتي عزة: واضح بأن البر كبير جداً في هذه الجزيرة الجميلة وهناك مشاريع لا تزال قيد الانشاء ولكن الكثير منها جاهز (شاليهات وفلل وغيرها الكثير) ... وفجأة سمعناها تردد رحمك الله يا بابا زايد .... وكل منا نظر إلى الاخر .... ورددنا جميعاً (الله يرحمه)

أكثر ما شاهدنا هي غزلان الظباء والوعول والدماني وغيرها الكثير، وما لفت الانتباه هي تلك الزرافات الطويلة أكثر أكثر طولاً من ما نشاهده في التلفاز، النعام ومختلف الطيور، ولكن مالفت انتباهي هو ذلك الاهتمام بالطاقة النظيفة، فعلاً هناك توجه كبير للطاقة النظيفة الشمسية، وتلك الالواح تراها في كل مكان، بعد انقضاء ساعتان عدنا إلى الفندق، وشقيقتي عزة تسحبني وتقول لا تنسين شاطىء البحر والقواقع رجاءً .... انشاالله ونتظري لحظة ...
يا عليا إذا بتاخذين لصغار إلى منطقة الالعاب، أنا وعزة سنذهب إلى الشاطىء  .... حقيقة لدينا رغبة في السباحة والجري على الشاطىء لمدة ساعة أو إلى موعد الغداء ... وعزة في خاطرها تجميع القواقع (الصقوع والمحار)

في مياه البحر عزة تقول لشقيقتها سلامة ... أضني يا سلامة عضتني قبقوبة صغيرونة .

سلامة: كل من يطول ما يدخل البحر ويدخله فجأة وعندما تلامس ارجله أي شيء حاد بعوه ولا حصاة يعتقد بأنها قبقوبة، ما شالله عليها جزيرة سيفها نظيف وجميل والبحر معتدل الحرارة، والطيور الحريش والصلال والطليلية مجاربة وايد .. أما لخصيفي والزرعي ما يجارب .

عزة: سأذهب واحفر بيت الشنقوان إلى أن يخرج من بيته لأجري خلفه .

سلامة: يا عزة لا تبعدين، عندك عشرة متر يسار وعشرة يمين ... ثم استلقت سلامة على المياه طافئة مستمتعة بنسائم البحر وعتدال المياه وهدوء المنطقة، كأن الشاطىء لهم هي وشقيقتها عزة، ثم بدأت سلامة في الغناء وهي طافئة على سطح المياه .

سلامة: يا عزة خذي هاتفي وصوريني وأنا طافئة على الماء لأرسلها إلى الوالد ليعرف بأننا متمتعين في رحلتنا، وأيضاً ليعرف بأن يأخذنا معه في المرات القادمة .

عزة: يا سلامة شوفي الشنقوان لكبير بعد أن أخرجته من حفرته (عزة تركض خلف الشنقوان وهي تصرخ منادية سلامة لتشاركها متعة الجري خلف الشنقوان)

في اليوم التالي طرح سعيد زوج عليا فكرة الذهاب إلى جبل الصير لتسلق تلك الجبال المتوسطة الحجم، بشرط أن يبدأون من الفندق عملية المشي ذهاباً وعودة .

وافق الجميع على طلعة (الهايكينغ) أو الاستكشاف للجزيرة مع سلال مخصصة تحتوي على المياه والاطعمة ... سلة لكل شخص ... ومن خلال تلك الطلعة مروا على مواقع قديمة تتخللها بعض الصخور صعوداً ونزولاً ، وشاهدوا أجزاء من سفن خشبية محطمة بسبب الزمن أو أمواج البحر، وستغرقتهم عملية الهايكنغ من الصباح إلى الساعة الخامسة مساءً، وأثناء عودتهم إلى الفندق سمعت سلامة زوج شقيقتها سعيد يقول: علينا مغادرة الفندق غداً صباحاً (الصباح الباكر) حيث أن برنامج العودة أيضاً طويل، ويشتمل المرور بالغربية وغياثي وليواء .

سلامة: بعد أن وصلوا إلى الفندق ... يا صغار عليكم الاستحمام والنوم باكراً أستعداداً للعودة .

في صباح يوم العودة العبارة تغادر الجزيرة الساعة الثامنة صباحاً إلى البر الكبير، يعني الجميع عليهم أن يكونوا في ردهت الفندق الساعة السادسة والنصف وفي السابعة الافطار وبعدها التوجه إلى العبارة .

زوج شقيقتي عليا ، سعيد يقول : برنامج العودة سيستغرق مدة طويلة ! 

شقيقتي عليا تسأل: لماذا مدة طويلة، غالباً ما تكون نفس المدة ؟!

سعيد: يا الغالية أولاً غدانا في فندق قصر السراب بعد المرور على غياثي ومنطقة عرادة في عمق الظفرة ونكون دخلنا ليوا ومنها  سنتجه إلى منطقة حميم مروراً بالمحاضر الرائعة، حصان خنور ، المارية الغربية، انفير، الحومانة، المارية الشرقية، مروان، مزيرعة، الحويلة، وشاه، والثروانية، وجية، وباقي المحاضر إلى أن نصل لحميم .. وسنتغدا في فندق قصر السراب وسنتجه إلى مدينة العين الجميلة والخضراء عبر طريق حميم - العين الجديد ومن ثم إلى أبوظبي .

ويكمل سعيد: ونكون أعطيناهم صورة كاملة عن الغربية والشرقية، ولم يفهم الشباب أن بلدهم أبوظبي ليست صغيرة بل هي كبيرة وكبيرة جداً، وأيضاً كبيرة بعمقها التاريخي، وبمجرد وصولنا إلى ليوا سأحاول أتذكر مواقع القلاع القديمة وسأخذكم إليها لتصوروها وتروها لتبقى في ذاكرتكم إلى الابد، والان دعونا نتحرك إلى عمق الغربية .

سلامة: أنا لم يكن في اعتقادي بأن هناك طريق يشبك ليوا بمنطقة العين، ومتى نفذوا هذا الطريق؟

سعيد: القيادة والحكومة أرتأت بأن لابد من هكذا طريق ليخفف الضغط على الطرق الاخرى ، مثل طريق العين أبوظبي و أبوظبي طريف، تفادياً للازدحامات المرورية وختناقاتهم، واليوم أي شخص يستعمل هذا الطريق يتلمس قلة الازدحامات على الطرق المشار إليها لله الحمد وأيضاً اختصاراً للوقت و مد عمر الطرق ، الحكومة أعطت أوامرها لأي نقل ثقيل يجب أن ينقل عبر القطارات لأطالة عمر الطرق، كما هو معمول به في جميع دول العالم المتحضر .

عليا: تصدق أنا أول مرة أشاهد مدينة غياثي، ما شالله لدينا اراضي واسعة وكبيرة، هل تعتقد يا سعيد بأن هناك امكانية في استقلال هذه الاراضي كمناطق استثمارية عالمية مثلاً؟

سعيد: نعم، بأمكانهم وضع خطة مستقبلية استثمارية كما تعلمين هناك منشئات منطقة الظنة وهناك المحطة النووية الاولى بالمنطقة ومستمرة في التوسع إلى أن تصل إلى اربع محطات نووية وقد تزيد حسب الحاجة للطاقة الكهربائية، إذاً جميع التسهيلات متوفرة .

عليا: متى تعتقد سيتحرك مجلس تطوير الغربية ويستقل كل هذه المعارض والمؤتمرات في الدولة وخارجها ليروج عن الغربية، علماً بأن هناك شركات عالمية ضاقت بها المساحات في دولها وتحتاج إلى مناطق أكبر لتتوسع، ونحن كما تعلمون في الوسط بين جميع قارات العالم، يعني موقعنا سيخدم اسيا وأفريقيا وحتى اوروبا، واضافةعملية جذب وهي عدم احتساب ظرائب (فترة سماح) لمدة عشر سنوات، وبأمكاننا اللعب من خلال دوائر التخزين (مخازن) للتأجير على تلك الشركات، أنا سمعت بأن هناك شركات طيران في أمس الحاجة إلى شبه مطارات بمدرجات طويلة جداً لعمل التجارب للطائرات الجديدة، تصوروا إن عملنا أو وفرنا هذه المدرجات والمباني وسوقناها عالمياً كم شركة تصنيع طائرات عالمية ستنتقل بسببها وستنقل مصانعها إلى الغربية مثلاً، نعلم بأن هناك شركات مضغوطة بمحدودية المساحة في دولها وكل عام يمر تنضغت أكثر، وهذا يسري على الشركات الاخرى وليست فقط الطياران، أقصد جميع شركات الخدمات والتصنيع ... عموماً نحن نطرح الافكار والامر يعود لهم، الفرص كثيرة وكبيرة، وما عليهم الا التحرك والتسويق .

سلامة: رأيتم كم استقرقنا من وقت في المسافة الواقعة بين غياثي وعرادة ومضروبة بالعرض، اخذت ساعة ونصف بمنطقة تخلُ من أي شيء تقريباً، فعلاً لابد من أن يستقلوها في شيء مفيد ويعود على الوطن بالكثير .. أقلها ستتوفر الوظائف، وسيكون لدينا المهندسين والمتخصصين .

الموقف العام: السيارة تسير وبعض الاطفال في سبات (نايمين) والمسافة تطول .

سعيد: هل تناظرون هذه القلعة الجميلة ؟

عليا: واضح بأنها قديمة جداً ، قد تكون شيدت قبل ثلاثمائة أو أربعمائة عام، طيب لماذا شيدت أصلاً ؟

سعيد: كما تعلمون .. في ذلك الزمن هناك غزوات وأطماع وحروب، وهذه القلاع شيدت لصد تلك الغزوات .

عليا: ومن شيدها ؟

سعيد: شيدوها أجدادنا وأبائهم ومن قبلهم للدفاع عن الوطن والذود عنه، ولكنهم (أجدادنا) ليسوا جيش نظامي، هم قبائل متعاونة ولديهم الغيرة على وطنهم وشرفهم والولاء للقيادة في ذلك الزمن، وكان كل ذلك النشاط دون مقابل، أي أنهُ لاتصرف رواتب لهم، هي فقط العزة والغيرة على تراب الوطن ، وهذه من أعلى درجات الانتماء وهناك الكثير من الاجداد فعلاً ضحى بدمائه في سبيل أن ننعم نحن اليوم في هذا الوطن الكبير .. وبأمكاننا أن نلخصها في كلمة واحدة وهي (الولاء الحقيقي للوطن)

ويكمل سعيد: حقيقةً في ذلك الزمن لا يوجد لدى القيادة ما تعطيه، بل أجدادنا هم من يدعمون الوطن والقيادة من شدة ولائهم وحبهم للقيادة والوطن، وفي هكذا مراحل تنعدم الماديات والمصالح الشخصية وغيرها ... ولا يبقى إلا الولاء والتعاون الشريف بينهم.

سلامة: من أين لهم ليدعموا الوطن والقيادة ؟

سعيد:  ركزي معي يا سلامة ... من لديه نخيل ويوان يعطي من أنتاجها ومن لديه حلال (الجمال والاغنام وغيرها) أيضاً يعطي منه ومن يغوص بالبحر يعطي من مارزقهم الله، وفي حالة صيد الؤلؤ تسمى (الحاصلة) وهي تعادل نصف كمية الؤلؤ المصيود أو المجمع من البحر ، علماً بأن عملية الغطس او (الغوص) من أخطر عمليات كسب الرزق، والتهديد يأتي من أسماك القرش وغيرها من الاسماك، ومن إنقطاع الاوسجين، يعني حقيقةً تغادر السفينة بخمسين رجل وتعود بثلاثين أو أقل في بعض المرات، نعم كانت المسألة خطرة للغاية .

عليا: وكيف للحكومة أن تتأكد بأن هذه هي الكمية الحقيقية ؟

سعيد: زمان يا حبيبتي عليا، الاهالي لديهم شيء أسمه (الذمة) وهم أصلاً يعرفون مخافة ألله في كل شيء ... لأن الولاء والحب والانتماء جميعها متوفرة .. وجميعها تقود إلى الذمة الخالصة، أنفسهم نظيفة، إذاً لا توجد شكوك أبداً .
وها نحن وصلنا منطقة أو محضر مزيرعة، ومزيرعة هي تتوسط ليوا أو تتوسط محاضر ليوا وبها أيضاً قلعة جميلة .

سلامة: الساعة الحادية عشر ظهراً، متى سنصل إلى قصر السراب ؟

سعيد: نحتاج إلى أربعون دقيقة لنصل إلى محضر حميم ومن ثم ننعطف يميناً إلى قصر السراب، هو فندق يتخذ لون الصحراء ورمالها وموجود على عمق خمسة كيلومتر في الصحراء من الطريق العام، ولكن يعتبر خمسة نجوم لما لهُ أو يحتوي على جميع التسهيلات ، أجنحة وفلل وشاليهات وأحواض سباحة خاصة وعامة ومجموعة كبيرة من المطاعم وقاعات الاجتماعات والمحاضرات والمؤتمرات وأيضاً الحفلات وغيرها الكثير، أنهُ عجيب وغريب وجميل أيضاً .

المنظر خلاب .. الأخضرار في كل أتجاه والمزارع ممتدة وأكثر ونحن نسير بسرعة معتدلة، وعندما نمر او نسير بين كل هذه المزارع والكثبان الرملية الجميلة يستشعرها تحكي لهُ قصصها أو كأن التاريخ يحاول أن يتواصل بالحاضر عبر أحاسيسنا، سقطت دمعة من عيني وأنا أتذكر الاولين الذين خلفوا لنا هذا الوطن الجميل رحمهم الله جميعاً .

سعيد: هذا نحن وصلنا إلى الفندق أو فندق السراب بعمق الصحراء .

عليا: يا سلامة صحيهم من نومهم ليستعدوا للنزول اخوتك .


نزلنا جميعاً وهممنا بالدخول في تلك القاعة الرهيبة، كأنه أحد قصور هارون الرشيد .. ثم بحثنا عن طاولة عائلية كبيرة وكثيرة العدد ... أما لصغار فذهبوا جميعاً إلى البوفية قبل الجميع .
ثم تناقلنا إلى البوفية الواحد بعد الاخر .. وطلبت من لصغار (الاطفال) عدم مغادرة الطاولة والمحافظة على هدوئهم .. ووعدتهم بغداء طيب ويعجبهم كالعادة .

وكلما اقتربت من البوفية ظهرت لي كميات من حافظات الطعام كبيرة جداً وممتدة لعشرين متراً تقريباً وبشكل دائري، يعني حسبوا حساب الجميع، وليغطوا جميع الاذواق، الشيء الذي يجعلك تشبع قبل أن تختار أو تعرف ماذا تحتوي كل هذه الحافظات الفضية الكبيرة .. وأكثر من ذلك أكتشفت بأن هناك بوفية خاص بالاطفال .. وقلت في داخلي يا حظهم من أطفال.. وبوفية أخر أو ثالث يحتوي على كل ما طاب من الحلويات ، وأصناف أول مرة أراها في حياتي ... ثم عدت للبوفيه الاول وخترت البرياني بالحم، والهيل أو بنكهة الهيل وأيضاً على الطريقة الهندية، وخبز النان أو التنور الساخن .

انتهينا من الغداء وذهبنا إلى إكتشاف اسرار هذا الفندق العجيب والجميل، ما أعرف كيف أشرح لكم أو قد يطول الشرح، جميع وكل ما يتوقعهُ الانسان وأكثر متوفر في قصر السراب وجربوه، واضح بأنه استثمار كبير ومتعوب عليه .... وقبل أن نغادر اقترحت عليا أن نأخذ وجبة الحلو أو بالاحرى الايس كريم وفي نفس الوقت أخذت الاطفال إلى الحمام بعد تلك الوجبة الكبيرة والمدعومة بالايس كريم ضروري الحمام .

وطريقنا يطول إلى مدينة العين عبر الطريق الوسيع والجديد (حميم - العين) (حقيقةً لا يوجد طريق يربط حميم - بالعين في الوقت الحالي ، وأنا تعمدت وضعة بالقصة ليلفت أنتباه المسؤولين عن أهميته مستقبلاً) ومن ثم إلى أبوظبي ... وقد نصل إلى مدينة أبوظبي في العاشرة مساءً .

غادرنا فندق قصر السراب إلى مدينة العين الغالية علينا جميعاً عبر الطريق الجديد ليوا - العين، وهذا الطريق أول تجربة لي وقتصر الكثير من المعاناة، فعلاً طريق عالمي وواسع ومحمي ومطعم بمحطات الوقود وهناك موتيل بوسط المسافة ومجموعة محلات وتجارية مع عيادة طبية والكثير من الخدمات، والحقيقة تقال،  الان فعلاً ربطوا مدن ومناطق الوطن بشكل مدروس ... شكراً لهم ولمن فكر ونتبه للحاجة ولكل هذه الانجازات .... وبعد ساعة وصلنا إلى مدينة العين، وكانت مناشدة الاطفال في أن تكون أول محطة لهم هي حديقة الحيوانات الكبيرة بالعين، بشرط أن تسمعوا الكلام وأن تتقيدو بالتعليمات، وتمتنعو من لمس شباك الاقفاص الخاصة بالحيوانات ... أتفقنا؟ .... أتفقنا .

سعيد: نحتاج لسبعة تذاكر، وعلينا شراء بعض المياة المعدنية .

عليا: أيام عيد واجازات وهذه الفرص التي تتوفر لديهم لأفراح الاطفال .

الموقف العام: مقهى الحديقة مليان من العوائل، وأحد أبناء تلك العوائل شاهد سلامة وهي مهتمة بالاطفال أشقائها الصغار والماراة التي تبذلها معهم، أعجب بها وفي نفس الوقت توجه إلى سعيد وطلب منه رقم الهاتف، تفاجأ سعيد من هذا الموقف، ثم رد عليه الشاب أحتاج رقمك في خير بأذن الله تعالى .. وساعتها لم يتردد سعيد في اعطاء الشاب رقم هاتفه، ثم استمرت العائلة في زيارة مناطق الحيوانات المختلفة بالحديقة لأكثر من ساعتان ونصف .

عليا: يا سعيد في خاطري ناخذ لفة إلى العين مول وأيضاً نتعشى ونعشي الاطفال بأحد مطاعم المول وبعدها نتحرك إلى أبوظبي .. لايزال الوقت مبكر وطويل، وفي خاطري أن نزور سوق العين قبل المول لشراء الحناء والبهارات (بزار العين) يا سلام رد سعيد .

سعيد: حشى !! أنتِ إنجلبتِ خالتي العيوز، حناء وبهارات العين !! هيه صدقج نحتاي لومي العين بعد الخضر للسلطات وخصوصاً سلطة لرويد، وذكريني با ناخذ جفير رطب (جفير - سلة من خوص النخل للحمل) انشالله يسدنا اسبوعين، إلى أن نزور العين أو حد من الربع يطرشلنا (يبعث لنا) من رطب الدباس .

ها نحن وصلنا إلى سوق العين، هلموا بالنزول يا شباب، ماشالله على الروائح، الجاشع او السحناة المختلطة بروائح البهارات .. فعلاً اسواق عريقة، ومن هذه الروائح بأمكان أي إنسان أن يميز عمر هذا السوق، السوق القديم يختلف عن المولات ومحلات ومقاهيها، يا جماعة عندكم أربعون دقيقة لننتهي من التسوق، هناك العين مول في الانتظار وبعده العشاء، من الان أرى بعض التعب على وجوه الاطفال، عموماً هذه ليلتنا الاخيرة وبأذنه تعالى ستكون لنا الكثير من الطلعات والرحلات .

انتهينا من سوق العين العريق ، وروائح الحناء والبهارات بدأت تفوح بالسيارة، ولكنها تذكرني بتاريخ طيب بالماضي، واضح الازدحام .. وشديد أمام العين مول وأراه من نسبة عدد السيارات المتوقفة وعدم وجود الفرصة للحصول على موقف، دعونا ننتظر إلى أن تتحرك أحدى السيارات لنأخذ مكانها .

سعيد: يا عليا أنتِ خذي المجموعة معكِ إلى المحلات والمطاعم التي ترغبون او تفضلون .. أما أنا سأبحث عن وزرة وغتر في تلك المحلات الرجالية، كل ما نويت الشراء نسيت موضوعهن، أما اليوم ماضني سأنسى، وسألتقيكم بالمطعم، رجاءً لا تقصرين معاهم، خذيلهم كل ما في خاطرهم يا عليا ولا تنسون الايس كريم بشوكولاة ... عندما كنت صغير كان خاطري في الايس كريم دائماً .. ابو عود المصاص، قبل أن تصل كل هذه الانواع الجديدة .

وبعد مرور ساعة ونصف غادرنا إلى أبوظبي وكل منا وزنه طن بسبب العشاء، ناظرتني عليا وعلى وجهها ابتسامة، منها الرضى ومنها على شكلي وانا ممتعد بسبب الكل الزائد، ولكن حين أناظرها أرى سحر عينيها الجميلة وتشعلني بالطاقة، جميلة، بسيطة، بريئة .

والان سأحيل تكملة الموضوع إلى سلامة بطلة القصة .

سلامة: وصلنا إلى أبوظبي بالسلامة، وحلفت عليا إلا أن تعطيني القليل من الحناء والبهارات العيناوية، وفجأة الوالد واقف على الباب وواضح بأنه افتقدنا جميعاً وبأمكاني أن احكم على ذلك من خلال ابتسامة أبي عندما يكون حقيقةً فقدنا، ولكن تلك الابتسامة تجعلني أحس بالذنب لأننا تركناه وحيداً، ارجو أن يكون هو أيضاً استمتع بوقته ، عموماً الان علي أن اجعل البقية يغادرون إلى غرفهم وينامون، وغداً هناك مجموعة من صديقاتي خططن لزيارتي وشترطن أن يتغدن عندي بالمنزل، وعلي أن أفكر في ماذا أطبخ لهن، واتصلت بأحداهن لتصل منزلنا في الصباح لتشاركني المطبخ وتحضير الوليمة والسلطات والمحاشي، الوالد معزوم لدى الجيران بيت بو بدر على اسماك، وهذا فرصة لصديقاتي لأخذ راحتهن  بالمنزل معي، وراودتني فكرة عجن وخلط الحناء اليوم ووضعة بالثلاجة، وغداً سيكون مفاجأة البنات وهي عليهن أن يتحنن، أما بزار العين غداً سيلعب في الوجبة الرئيسية .

اليوم الثاني .. وصلت عفراء صديقتي في الساعة الثامنة والنصف صباحاً .. جزاها الله خيراً لتساعدني في تحضير الغداء، وجميعهن وصلن في الحادية عشر قبل الظهر، ووكلت صديقتي مريم على ادارة شؤون الحناء، عليها أن تحنيهن الان الان قبل الغداء والغداء سيكون في الساعة الثانية والنصف أو في الثالثة، وساعتان أو ثلاث كافية أن يرسم مفعوله على الايادي ةالاصابع، جميعنا ست بنات وكمية الحناء ستكفي المجموعة، أنا وعفراء سنتحنا بعد الغداء . 

في تمام الساعة الواحدة وصلت شقيقتي عليا وهي تناديني بصوت مرتفع في صراخ وخوف وفرحة .

سلامة: ماذا حدث ؟!  خوفتيني ... عسى ماشر؟! ... هيا تكلمي يا عليا ... وعليا تناظرني وتناظر هذه المجموعة من البنات وعينيها زائقتان .

عليا: يا بنات إشهدن على كلامي هذا .... صديقتكن سلامة تم طلب يدها اليوم أو قبل ساعة من الان .

سلامة: مستغربة .. ماذا تقولين يا عليا ؟!

عليا: اتذكرين الشاب بمقهى حديقة الحيوانات، ذلك الشاب الوسيم الطويل الذي لم تفارقكِ نظراته، طلب رقم هاتف سعيد ونحن لن نلاحظ، وسعيد اعطاه الرقم بعد عدة أسألة، اتصلوا أهله .. تلك الحريم الذين كانوا بالمقهى .... أتذكرين؟

سلامة: نعم اذكرهم، وكانن لابسات بوتيلة (نوع معين من القماش معروف بالامارات) ولكن شو هذا ؟! كله سار بسرعة، الموضوع أمس فقط أو امبارح .

عليا: صدقيني إن لم يكن جاد لما اتصل اليوم، وهذا دليل جدية هذا الشاب، وعلى فكرة .. الشاب حاصل على الماجستير، ويعمل بوظيفة قنصل بوزارة الخارجية، ولم يسبق لهُ الزواج .

الوضع العام: رمت سلامة كل ما في يديها وذهبت إلى غرفتها وأغلقت الباب، أما عفراء استمرت في انهاء الغداء وشاركتها عليا المطبخ، وباقي البنات مصدومات بالخبر والحناء في ايديهن .

أتصلت عليا بالوالد وأخبرته بالموضوع (مسكين أخر من يعلم) انبسط وضحك وقال هذا كلهُ بسبب الحناء أو حناء العين خيره يتبعهُ ، عموماً الله يوفق الجميع، أنا يا ابنتي لا أمانع ابداً ولعل الله يحط البركة فيهم ونفرح بعيالهم (أطفالهم) وأما سلامة (العروس) أنا على يقين بأنها ستكون أماً حريصة على بيتها وعلى زوجها وأطفالها .

تم تحديد يوم الزواج وتزوجت سلامة، ثم اقترح زوجها بطي أن يكون شهر العسل في اعلبي جبال الالب لسويسرية ... رفضت سلامة الفكرة على اساس انها مكلفة وبعيدة، ثم طلب منها بطي زوجها أن تقترح أي مكان وهو على استعداد أن يلبي طلبها .

سلامة: شهر العسل الخاص بي عشرة أيام، خمسة منها في جزيرة صير بني ياس وخمسة منها في فندق قصر السراب في ليوا .

ثم وقف زوجها بطي وقبلها على رأسها وقال لكِ ما طلبتي يا حبيبتي الغالية سلامة .

تمت ..... محمد غيث بن مهاه المزروعي .