الأحد، 29 نوفمبر 2015

خصيفي الحالة ..... قصة قصيرة

(الخصيفي هو طير أو الطائر الحزين أو المالك الحزين، كما يسمى عربياً )

 بو خليفة منذ نعومة أظافره وهو يرافق والده إلى طلعات صيد السمك نهاية كل أسبوع، ويجد بو خليفة كل المتعة والاستفادة وأيضاً رفقة الوالد، لكسب القوة والصبر والخبرة وليكون كا والده يوماً .
بو خليفة الصغير غالباً ما يستعد من يوم الثلاثاء في ترتيب القطعة (شبك الصيد) مع خيوط الحداق (خيوط صيد الاسماك) وتنظيف الثلاجات أو برادات ، ويهتم بجميع اللوازم المطلوبة والمهمة مثل الخيمة الصغيرة ، ويقوم بكل ذلك بعد عودته من المدرسة، أما يوم الاربعاء فهو يوم نقل كل تلك المعدات إلى البانوش (المركب الصغير) وتمضية بعض الوقت في تجربة وتشغيل مكائن البانوش وتركها تعمل لمدة قصيرة تكفيه لتنظيف البانوش وتعبئته بالمياه النقية والتي تكفي لليلتان على تلك الجزيرة (الحالة) الجميلة (جزيرة لخصيفي) سميت حالة لخصيفي لأنها تحتوي على ذلك الطائر الوحيد على تلك الجزيرة أو الحالة، ولهذا السبب أخذت أسمه .

بو خليفة الصغير يحب تلك الجزيرة بسبب شواطئها النظيفة ومياه بحرها الزرقاء بسبب انعكاس السماء عليها، وغالباً ما يكون سعيداً مع والده عندما يذهبون صباحاً لتجميع بعض الاخشاب الطافئة واللائثة على الشاطىء لتساعدهم في اشعال النار وليتسنى لهم طبخ ما لذ وطاب من الاكلات والاسماك الطازجة، أما بو خليفة الصغير لديه هواية تعيين تقوب (الشنقوان) (نوع من أنواع السلطعون البحري والرملي) غالباً ما يكون مسكن الشنقوان في ذلك الثقب بالرمال، عندما يحفر الشنقوان لهُ منزل يكون بجانب منزله تل صغير من الرمال والذي يدل على مكان ثقبه، وعادة بوخليفة الصغير حفر تلك الثقوب ليخرج ذالك الكائن أو الشنقوان (حقيقة أغلبنا نحن أبناء أبوظبي كنا نمارس تلك الالعاب عندما نرافق أهالينا في رحلاتهم لتلك الجزر) وبعد خروج الشنقوان يا يجري خلفك يا أنت تجري خلفه ، وهذا ما حدث مع أبوخليفة الصغير .

بوخليفة الصغير يقول في نفسه بأنها أجمل لعبة يا أن يخرج الشنقوان على يدي أو عندما تسقي الماية (عندما يمد البحر) سيخرج من حفرته .

والدهُ: في الخامسة صباحاً بعد الصلاة مديت القطعة (نشرت الشبك) والان في العاشرة صباحاً موعد اخراج القطعة بأسماكها إن كان حظنا قوي اليوم، ولكن أنا أتمنى أن تكون الكمية مناسبة للودام (أن تكون كافية للغداء) للولد وأبيه، أما غداً أرجو أن تكون الكمية وفيرة لتعبئة ثلاجاتنا وارجو أن تكون كمية الثلج أيضاً كافية لضمان وصوله للمنزل طازج بأذن ألله .

وصل البانوش لمنطقة القطعة .... الوالد يقول لبوخليفة الصغير:  أنت اسحب القطعة (الشبك)  وأنا أفك الاسماك وارميها بالثلاجة كالعادة، ولا تستعجل في السحب، الوالد: يا ألله بعطاياك يا كريم ياألله ويردد يا ألله بعطاياك ... بوخليفة الصغير يقول هناك ثلاث سمكات متوسطة الحجم .... الوالد: لا ... هذه عنافيز كبيرة ... وهكذا تكون أحجامها عندما تكون كبيرة وممتازة للشوي .

ويصرخ بوخليفة الصغير: الحق الحق ... هناك يا والدي شيء كبير وثقيل !!

ضحك الوالد وقال: هذه سمكة اللخمة متوسطة الحجم ولسنا في حاجة لها .... الابن: هناك سمكة متوسطة وتلمع .... الوالد: هذه سمكة اليب وستكون مناسبة للعشاء الليلة، هذا يكفي لليوم، نحن يا أبني اليوم نبحث عن الودام فقط لي ولك .... أما عملنا وصيدنا الكبير سيكون غداً بأذن ألله تعالى .

الوالد: ضع القليل من الثلج على الصيد ... أما سمكة اللخمة اعد رميها إلى البحر قبل أن تموت أو تضعف .

بعد مرور عشر سنوات تخرج أبو خليفة من الجامعة ... وتوفي والدهُ ولم يتبقى من تلك الابوة والترابط الا الذكريات .

أبو خليفة ليس الصغير، بل كبر وأصبح رجل، ولكن ميلولهُ للبحر لا يزال كبير وكل تلك الذكريات لا تزال كألأفلام تدور في رأسه، أو لاتفارقهُ، وحالة لخصيفي تناديه بطبيعتها وبذكرياتها الجميلة والمشوقة، وصديقه الشنقوان أيضاً يناديه ليجري خلفه أو العكس .

في احدى الايجازات سأل بو خليفة جميع أصدقائه إن كانت لديهم الرغبة في زيارة حالة لخصيفي معهُ أو في طلعة رحلة لليلتين في أجواء روعة في سحرها وجمالها بقمرها ونجومها بالليل، وبشواطئها البيضاء وزرقة مياهها نهاراً وبخيراتها الوفيره من الاسماك .... لم يستجيبوا لتلك العروض ... وقال في نفسه هم لم يجربوها أو لم يأخذهم أحد إلى هناك في صغرهم ... وقال في نفسه .. وما أدراني قد لن تعجبهم ولن يستأنسوا لزيارتها، أما أنا فهي في دمي وبيني وبينها ترابط قوي ... بل إنها جزء مني ومن ذكرياتي وطفولتي ... ولن أستسيغ نهاية أي أسبوع بدونها .. أصبحت هويتي وهوايتي .. وأرجو من ألله أن يمدني بطولة العمر ليرافقني  أبنائي يوماً لحالة لخصيفي إن تزوجت يوماً .

وكالعادة ابوخليفة استعد هذا الاسبوع من يوم الثلاثاء في توضيب معداته وخيوطه وقطعته (الشبك) مع تنظيف البانوش ... استعداداً ليوم الطلعة وهو يوم الخميس ولوحده ... لأسباب كثيرة ومنها استعادة الذكريات وأيضاً الابتعاد عن صخب المدينة وتمضية ليلتان ولا في الاحلام .

بعد كل التجهيز وتعبئة الوقود من محطة الانتركونتننتال بأبوظبي انطلق برفقة مساعد طباخ المنزل (محيي) .... استغرقت ساعتان الرحلة إلى جزيرة لخصيفي بسرعة معتدلة .. وصلوا قبل المغرب .. انشغل ابوخليفة في نصب الخيمة وفي نفس الوقت طلب من (محيي) تجميع بعض الحطب (الخشب) لأشعال النار ... بو خليفة من النوع الذي يعتمد على نفسه في إنزال العدة والبرادات وبعض خيوط الحداق (الصيد) مع الييم (الطعم) وكما علمه المرجوم والده .. إن وصل متأخر لجزيرة لخصيفي .. عليه بؤأس الحد للصيد السريع للودام أو ودام العشاء .. أما محيي فانشغل في اشعال النار وتجهيز الخضار والسلطة .. محيي يعلم بأن أبو خليفة يستلذ السلطة حامضة .. وعليه أكثار الليمون بها .. أما أبوخليفة انشغل في الحداق وفي نفس الوقت يتأمل الغروب وستعجال مغادرة الشمس .. ولم يتبقى منها إلا تلك الخيوط الذهبية .. كأنها تلوح لهُ مودعة ... ثم شرد قليلاً بالتفكير في والده ورفيق عمره .. وقال في نفسه كم أنا محظوظ وكم أنا استفدت من والدي أشياء كثيرة وأولها الاعتماد على النفس والايمان بالله .. ثم قال الخبرات التي أستفدتها لم تقتصر على البحر فقط .. بل حتى ادارة المنزل فعلياً .. اليوم أنا من يقوم بصيانة كل شيء تقريباً .. الانابيب والكهرباء والطلاء .. وكانيتذكر توصية والده .. بأن لم يتحرك ستنهار قواه وستضمر عظلاته وسيسكنهُ العجز قبل الشيب .

وفجأة سمع أبوخليفة صوتاً .... ليس صوت محيي .. بل صوت يشبه صوت والده .... وتلفت حوله يميناً وشمالاً ولم يكن بجانبه أحداً  ... أو كان هناك طائر لخصيفي .. ثم قال مستحيل أن يكون ذلك الطائر يكلمني !!

ثم سمع الصوت يقول: طولت ثلاثة اشهر لم اراك يا صديقي .

أبو خليفة يرد: من أنت ؟ وماذا تُريد مني؟  ثم أنتبه بأن الصوت صادر من طائر لخصيفي .... لم يصدق ما يسمع ويرى ...

أبو خليفة لا يخاف ...لأنه يعلم بأن الدنيا والحياة مسيرة من الخالق كما هي لهُ ... هي أيضاً لغيره .

ثم أقترب لخصيفي أكثر تجاه بوخليفة .... وقال: لا تخف أنا علمني والدك الكلام رحمه ألله .... وكان يعلم بأن الطبيعة تكفينا جميعاً ... ودون أن نتنازع عليها .

ورد ابوخليفة على الخصيفي : ولكنك تنطق بنفس نبرة صوت أبي؟!

لخصيفي: هل تلوم الببغاء عندما يسجل نبرات الصوت لكل من بالبيت؟ أنا مثلك تعلمت منه اشياء كثيرة أيضاً ولست أنت من تعلم منه فقط .

ثم أكمل الخصيفي: هل تعلم بأننا في نفس العمر، أنا عرفتك من أول زيارة قمت بها لزيارتنا في جزيرتنا ... أو عندما كنت صغير ووالدك فرح بك .. كان يحملك على كتفه ويدخلك البحر ليزيد ثقتك ويعلمك السباحة ... كما كان والدي يعلمني أنا السباحة أيضاً ... أذكر بأنك تحفر الشنقوان وأنا اطير عالياً مع والدي ونضحك بشدة عندما كان الشنقوان يجري خلفك .... ثم كبرت قليلاً وكنت سريع الجري .... وكل ما تعبت أنا من الطيران ونزلت على السيف (الشاطىء) كنت أنت تجري خلفي وأعاود الطيران هروباً منك .... أما والدي فكان فرحاً على ردات فعلك تجاهي ... والدي يريدني كل الوقت أطير أحلق لأزداد قوة ... وجريك خلفي أعطاني تلك القوة في الطيران .

أبو خليفة: أسمعني ... في ذلك الزمن كان هناك الكثير من الطيور ومنها لخصيفية والزرعي واللوه والصر وهناك الطائر الكبير الدمي والطليلية .... ولكني لم أسمع طائر يتحدث أو يحدث البشر !! والان قل لي ولا تخف ... نحن جميعنا خلق ألله ... هل أنت من الجن مثلاً ؟ 

لخصيفي يرد: أنا لا أعلم أن كنت من الجن أو من الطيور أم ماذا فعلاً ... لأن مواهبي متعددة .

أبو خليفة:  لحظة يا بو خصاف .... دعنا نجرب إن كنت طائراً فقط أو طائراً من الجن ... أنا الان أحاول أن أصيد ثلاث أو أربع سمكات للعشاء ... واحدة لك يا بو خصاف وثلاث لنا .... هل بأمكانك أصديادهم ؟

الخصيفي : أنا أبن البحر وأصطاد متى أوريد .... أسحب خيطك وستجد فيه هامورين تكفيكم للعشاء الليلة يا بو خليفة ... وأنا لي طلب يقول الخصيفي: طلبي هو أن تعود لزيارتي كل أسبوع كما عهدتك يا صديقي .... وأن أنشغلت اجعلها كل أسبوعان مرة ... كي لا أكون فعلاً الطائر الحزين !

سحب بوخليفة الخيط وكان الخيط ثقيلاً جداً ... وبعد جهداً جهيد أظهر بو خليفة الهامورين .... ثم قال للخصيفي سأنادي الطباخ محيي لأخذ الهامورين .... بأمكانك أن تطير لعشر دقائق وثم تعود لنكمل الحديث .

وصل محيي وقال: هذا تمام ارباب ... اليوم سيضبط عشانا ... الاهامور الاول مرق والثاني مكبوس .

أبوخليفة: تمام يا محيي وكثر من اللومي اليابس مع البصل والثوم بالمرق ... وعندما يجهز كل شيء صوت علي  يا محيي أنا سأبقى هنا .

بعد عشر دقائق عاد الخصيفي وقال: أرجو أن تعجبك الهوامير يا صديقي . 

أبو خليفة: يمازح لخصيفي ... يا بو خصاف أين والدك ؟

قال لخصيفي: أنا أيضاً والدي مات .... ولكن لم يمت موتة طبيعية مثل والدك ... بل مات بطلقة نارية من بندقية أحد الرحالة ... وحرمتني تلك الطلقة والدي العزيز وصديقي الوحيد .... وبعد موته تعلقت بوالدك وكان نعم الوالد .... كان والدك عندما يراني على رأس الحد كان يرمي لي ببعض الاسماك الصغيرة التي لا تأكلونها أنتم لصغر حجمها ... أما أنا فكنت سعيداً بها .... مرات قليلة ومرات كثيرة جداً .... في حقيقة الامر كان والدك يعلم بأني صغير السن ولا يمكنني الغطس في الاعماق .... وأسبوعاً بعد أسبوع زاد الترابط بيننا ... ويوماً قال لي والدك بأن ابني سيزور الجزيرة لوحده وكم اتمنى أن تكون ونيساً لأبني في المستقبل وأن  تنفذ كل طلباته .. جميعها ...دون تردد منك ... على فكرة .. والدك وأنت فقط من يعلم بأن هذه حالة لخصيفي!

أبوخليفة: الأن بدأت توضح الصورة لي يا بو خصاف .... أولاً اسمح لي أقدم لك تعاوي في وفاة والدك العزيز لخصيفي الكبير ومالك هذه الجزيرة وما عليها وما تحتها وما في مياهها .... الف رحمة عليه .... وثانياً أرجو أن تمتد هذه الصداقة بمتداد أعمارنا يا بو خصاف العزيز .... ويكمل أبو خليفة : أوعدك يا بوخصاف أن أكون صديقك من هذه اللحظة .... ويرد أبو خصاف: وأنا سأكون صديقك وأكثر من ذلك بكثير .... أبو خليفة: قد أحتاجك يا بو خصاف غداً في صيد وفير ومن نوع معين  من الاسماك .

لخصيفي: أنت لا عليك ... غداً مد الشباك أو القطعة وحدد أو تمنى النوع الذي ترغب به من الاسماك ... ولك ما تتمنى .... أنا يا بوخليفة لن أخذلك أبداً .... ثم أكمل لخصيفي: هل تعتقد بأني كبرت؟ أقصد أخذت حجم الخصيفي الكبير ولا أحتاج إلى ستة شهور أخرى؟ 

أبوخليفة : يا صديقي العزيز عليك أن تفهم شيء مهم في هذه الحياة .... أو ربما في عالم البشر لا تقاس الامور بالحجم إنما بالمفعول ... مثلاً في عالم البشر قد يكون الانسان ضخم الجسم وصغير الدماغ .... ولكن اسمع مني فقط إقبل ما عطاك ربك من اشياء وقد تكفيك لتعيش سعيداً .

أبو خصاف: يا صديقي ... ونعم بالله .... ولكن في عالمنا نحن الطيور الامور تختلف قليلاً ... أنت لم تفهم قصدي ... أنا في سن يتعين علي الحصول على نصفي الاخر ... أنتم تتزوجون ونحن نحصل عليها إن كانت أجسامنا مكتملة ... بطول الجناحين وبالقوام الجيد وبالريش المصفوف وبكميات الهدايا من الاسماك التي نقدمها للنصف الاخر .... هل فهمتني يا صديقي ؟؟

أبو خليفة : الان فهمتك .... الظاهر هم هذا الموضوع منتشر على كل خلق ألله في هذه الدنياولكن يا بو خصاف أنت في نظري مكتمل وواضح المعالم الذكورية بشكلك الجميل وحجمك كبير مقارنة مع غيرك من لخصيفية  .

أبو خصاف أو لخصيفي: ماذا عنك يا بوخليفة؟ متى تتزوج ومتى سأرى ابنك أو ابنتك تركض على جزيرتي ؟

أبو خليفة: يا صديقي يا لخصيفي نحن نقول الحياة قسمة ونصيب .... متى أراد ألله أن أجدها ثق بأنني سأجدها ... ولكن علي أن أأسس نفسي أولاً ، أقصد أن أحصل على وظيفة تتماش مع تخصصي لكي أبدع بشكل مريح في خدمة وطني الغالي والعزيز ... وهذا وأنا مسؤول عن جميع أفراد عائلتي الكبيرة (أهلي) والوالدة والاشقاء والشقيقات والمنزل الكبير .

لخصيفي: لا عليك ... من هذه اللحظة أنت في مأمن وستحصل على كل ما تتمنى يا صديقي .... هناك نصيحة واحدة فقط ... وهي أن تتذكرني قبل أن تقدم على أي شيء مهم في حياتك ... إن كنت ستتذكر هذه النصيحة لن تكون هناك عقبة في حياتك حتى البنت التي ترغب في الارتباط بها .... فقط تذكرني وبدون أن تتفوه بأي كلمة عني أو عن صداقتنا ..... اتفقنا؟

أبوخليفة: اتفقنا يا صديقي .

لخصيفي : أنا تعب وعلي أن أنام .... يومنا غداً طويل .... استودعك ألله يا صديقي .

بو خليفة في نفسه ... أنا محظوظ بهذا لخصيفي .. وهناك الكثير من البنات أتمنى الزواج من واحدة منهن، وهناك الكثير أرغب في تحقيقه وطموحاتي لا حدود لها ... كم أنا محظوظ بقوة هذا لخصيفي .... شكراً يا رب .

رفع صوته بو خليفة لمحيي .... يا محيي أغرف العشاء رجاءً ... والسعادة واضحة على وجهه ومنتشيء والمعنويات المرتفعة .. التي جعلت محيي يلاحظها ويبتسم ... ويقول لبوخليفة ... كم يا ارباب أتمنى أن أراك هكذا سعيد دائماً إنشاء ألله . ... وانبساطك ينعكس علينا نحن الفقراء ... يا سيدي ولائي قوي جداً لأسرتك .. بسبب مساعدة والدك يوماً لي في بناء منزلنا في ماليبار بالهند .... عندما سمع بأن تكلفة المنزل ستصل لثلاثين ألف درهم لثلاث غرف والملاحق ... قال المرحوم والدك .. لا نجعل عدد الغرف ست غرف والحمامات سته والخدمات والملاحق مقابل خمسون الف درهم .. نعم وتفقنا مع المقاول بالمليبار بالهند .. ولهذه الاسباب حقيقةً يا سيدي أتمنى لك السعادة والنجاح والتوفيق .. يا رب .

شكراً يا محيي .. رد عليه أبوخليفة .... وضع محيي السرود (بساط يوضع عليه أواني الاكل ومصنوع من خوص النخيل) ... أبوخليفة يأكل من تلك الهوامير كأنه يأكل أول مرة ... هوامير لذيذة في طعمها وفي طزاجتها ... ويردد يا سلام عليك يا محيي ... هذا الاكل الطيب .... بعد أن شبع وغسل يديه ... أمر محيي بأن يفؤش لهُ المدة أولاً ثم يفرش الفراش عليها خارج الخيمة على بعد عشرة أمتار ..... تسائل محيي !! لماذا يا أرباب؟!! لمن تترك الخيمة؟ الخيمة لك يا محيي، ونحن في شهر مايو أو شهر خمسة  ... وأنا أبحث عن الهواء العليل تحت النجوم .... كأنه يعلم أبوخليفة بأن منظر النجوم في سماؤها من على جزيرة لخصيفي وبعيداً عن أنوار المدينة شيء ولا بلأحلام من ابهارهُ وجمال المنظر الخلاب .... أبوخليفة استغرق نصف ساعة وهو مركز على النجوم وعلى النيازك .... أما المنظر يختلف عن منظر النجوم التي نراها ونحن في المدينة .... كثافة النجوم وكل تلك التفاصيل ، وليست فقط في الاعلى السماء ، بل تحولت كالقبة الكونية تتلألأ من بداية الافق حتى نهايتها، نهاية الافق من الجانب الاخر .. كلها تتلألأ بروعتها الاخاذة ، وقليلاً قليلاً ونام أبوخليفة بعد أن طلب من ربه أن يحفظه ... ببعض الادعية القصيرة ... بعد أن تأكد لخصيفي بأن صديقه نام ... حل قريباً منه ونام هو أيضاً .

وفي اليوم الثاني من الرحلة الكل في أتم الاستعداد لمد القطعة وبعد الانتهاء من مدها ... ذهب أبو خليفة بمعية محيي إلى موقع ممتاز للحداق ..... وكان يتذكر الموقع بسبب البوهة الطافئة التي سبق ووضعها والده منذُ زمن بعيد (البوهة تعني جزء من قطعة فلينية مربوطة بحجر في حجم الكرة المتوسطة ولا تراها إلا أن كنت قريباً منها ومن الموقع تماماً مع معاينة أخر طرف من الحالة وأنت على بعد ميلين بالبحر ... (خطط أهل البحر) .... لهم الحق في ذلك لكسب أرزاقهم .

تذكر أبوخليفة توصية لخصيفي في أن يتذكرهُ  فقط ويرمي الخيط أو أن يقدم على ماينوي عليه، تذكرهُ ورمى في أن يحصل على سمك اليب الكبير، (عالمياً أسمه Jack Fish ) وبعد لحظات أصطاد اليب الكبير .... تم رمي ثانية وفي باله الهامور متوسط الحجم وعلى الفور اصطاد الهامور ... أبو خليفة لايزال مستغرب حقيقة الامر !!!  ثم فكر في قوة لخصيفي وقال الات سأرمي بدون طعم على أن يصيد صبيطي كبير ... وماهي إلا لحظات وشتد الخيط وكان في نهايته سبيطي كبير وسمين .... وقال يا خسارة لم أتمنى نوع الاسماك التي أرغب في القطعة أو الشبك ، وقال في نفسه أرجو يا لخصيفي أن يكون الشبك ممتلىء بسمك الجش والصافي ولشعوم وبعض ليبوب .... وعند عودتهم بعد الحداق ... وصلوا إلى موقع القطعة أو الشبك ولم تظهر منه البويات الاطراف ... يعني كل البوه بالوسط دام (دام تعني غاطس تحت الماء) بعمق متر تقريباً بالبحر بسبب كثرة الاسماك الحية والطازجة .

محيي يا أرباب هذا واجد  وكثير !!! 
أبوخليفة : مايهمك يا محيي أسماك الفريج (منطقتنا) على لخصيفي  .

أبو خليفة حقيقة بينه وبين نفسه لم يعطي لخصيفي قيمته الحقيقة أو مقدرته .. وواضح بأنه لا يزال يتوهم أو جاهل بالمقدرة لهذا الطير العجيب ... ولكن المسألة تطول ، وستمروا في المتابعة ومقابلة المفاجأت .

بو خليفة: ما شأالله .... هذه الكمية كبيرة من الاسماك، ونفس النوعية التي تمنيتها .
تفكير بو خليفة لم يتوقف وهو يفكك الاسماك من الشبك أو القطعة .. في باطن عقله يقول ماذا لو طلبته مركز مرموق بالحكومة وماذا لو طلبته ذهب وأموال  والماس؟! هل يعقل كل هذا؟!  أنا في حلم أو علم؟! طيب: كيف أحافظ على هذا الطائر أو لخصيفي وماذا لو هجمت عليه مجموعة طيور كبيرة بسبب انثى ..... والعادة الطيور والحيونات تتعارك فيما بينها ... هناك حل .. سأطلب منه الذهاب معي والعيش بمنزلنا .... لا .. حرام .. هو طائر يعشق الطبيعة والحرية .. وبالاضافة إلى ذلك لدينا قطاو (قطط) بالمنزل والواحد منها يقارب حجم النمر وقد يكون أقوى من النمر .... لا لا يستحسن أن يكون بعيد في جزيرته، وهو اعطاني نصيحته عندما اتمنى شيئاً ما علي إلا أن أتخيلهُ (لخصيفي) وأتمنى ... على كل حال عندما أتصل سأتمنى تمنيات كثيرة .

أبو خليفة: يا محيي .. هذه كميات لا تستوعبها الثلاجات ولا يكفيها الثلج المتوفر لدينا .... لايوجد حل إلا أن نلم الشبك بما فيه وأنت اركض ولم ادواتنا والخيمة ... سنغادر الان إلى أبوظبي وإلا سنخسر كل هذه الكميات الجيدة والنخبة الراقية يا محيي .

محيي: ضروري  يا  أرباب اللحين لازم نروح (نذهب) إلى أبوظبي .

أبوخليفة أنطلق مسرعاً إلى أبوظبي عائد بكل هذا الخير من الاسماك ... وصل أبو خليفة في الوقت المناسب ... محيي وسواق والطباخ والخادمات والكل يوزع اسماك على الجيران إلى أن تخلوا ونتهوا من كل الكمية لله الحمد .

اليوم التالي: أبو خليفة: قدم جميع أوراقه ال CV لشركة بترول أبوظبي (أدنوك) .... وقبل أن يُسلم الاوراق تذكر لخصيفي وتمنى من لحصيفي المساعدة في نجاح الامر .. وأن يجد القبول لديهم ... ثم قال مدير شؤون الموظفين أو ال H R بأننا سنتصل بك في الاسابيع القادمة ... وثم غادرهم ببتسامة الوثوق في النفس .... وماهي إلا ثلاثة أيام حتى أتاه الرد بالقبول وعليه زيارة دائرة ال I T بالشركة لمقابلة مدير الدائرة غداً في العاشرة صباحاً .

بو خليفة من الساعة السابعة وهو يستعد في اليوم التالي  ... طبعاً لمقابلة مدير الدائرة .... البس الابيض أو البيج .. الغترة الحمراء أو البيضاء .. ألبس الحذاء أو نعال التميمة .. نفس اللون أو أكسر الالوان .... في تمام العاشرة أبوخليفة في مكتب سكرتيرة مدير الدائرة .. وماهي إلا لحظات حتى خرج مدير الدائرة من مكتبهِ يرحب ببوخليفة .... حياك ألله يا بوخليفة .... نورت الشركة ، نحن نبحث عن أمثالك منذ فترة طويلة .... تصور يا بو خليفة ال CEO وصاني عليك شخصياً  ... حتى قال بعد أن أنهي المقابلة معك ، هو شخصياً يود في مقابلتك ... وهذه عمرها لم تحصل في تاريخ الشركة .... وبعد نصف ساعة من السوالف  مع مدير الدائرة .. توجهوا سوياً إلى مكتب رئيس الشركة ... وخرج رئيس الشركة شخصياً لمقابلة أبوخليفة .... أبوخليفة في قمة الاندهاش من هذه المعاملة ... يرحبون بي كأنهم يعرفونني منذ زمن طويل .... أبوخليفة هل فعلاً هذه قوة مفعول تأثير لخصيفي .... وبعد مرور أسبوع .. أبوخليفة في مكتبه بالبرج الجديد لشركة أدنوك والتي لم تنتقل لهُ رسمياً بعد ... والمكتب مطل على البحر وفندق قصر الامارات ... منظر يجعلك تذهب لمكتبك في الخامسة صباحاً ولا تغادره إلا بعد أن ترى شمس الغروب .

وبعد أسبوعان تقدم أبو خليفة لطلب يد عفراء المهندسة في شركة زادكو ، وتم القبول من أول ما تقدم  وبعد مرور شهر تزوج أبو خليفة من المهندسة عفراء ..... وإلى الان وأمور أبوخليفة في أرقى حالاتها وأكثر .

وأثناء ما كان بالمجلس مع مجموعة من الاصدقاء وزملاء العمل .. سألهُ أحد أصدقائه عن مكان تلك الاسماك الطبيعية والطيبة التي جلبها لهم قبل شهر  .

وما كان من أبو خليفة حتى أخبرهم عن موقع حالة لخصيفي بالضبط وأين يجدونها وبعد كم جزيرة ومن خلال أي زاوية . !!

وفي أول نهاية  أسبوع ذهبوا مجموعة أصدقاء أبوخليفة دون علمه .. وأحدهم عندما يزور الجزر غالباً  يكون لديه قطعة سلاح (الشوزن) أو بندقية الخرطوش .... أمضوا الليلتان وعادوا .. وعند أول جلسة بالمجلس ..... وعندما دخل أبو خليفة عليهم ضحكوا جميعاً .... ثم قال صديقه عبيد .. تلك الحالة أو الجزيرة يا بو خليفة لا يوجد بها أسماك .. نصبنا الشباك وحدقنا وشخطنا للهوامير ولم نتوفق أبداً يا بو خليفة .... مستحيل كميات الاسماك التي أتيت بها أنت ربما أن تكون من تلك الحالة مستحيل .... ولم نجد بها شيء ولا حتى طيور ....  خلفان: أصطاد طائر واحد فقط .... أرتفعت نبضات قلب أبو خليفة عندما سمع كلمة طائر واحد فقط .... ثم سأل عن نوع الطائر .. رد عليه صاحب البندقية أخصيفي وحيد .
وحقيقة كنت أجرب الشوزن ، وقلت سأجربها في الخصيفي ... تصور يا بو خليفة ماذا فعلت الشوزن بالخصيفي .... تقطع إلى أجزاء لا يتخيلها الانسان الطبيعي ... وتناثر على المنظر العام أجمع . 

وبمجرد سماع  أبو خليفة عن ماذا فعلوا بالخصيفي ... أو في حقيقة الامر هو من تسبب في قتله للخصيفي بأخبارهم عن جزيرة أو حالة الخصيفي ..... صرخ أبو خليفة على الجميع وخرج يبكي كالمجنون ويلطم رأسه ووجهه .

وتسببت حالة أبوخليفة  النفسية في تركهُ لو ظيفتهُ .. ثم طلبت عفراء زوجته الطلاق بعد مرور ستة شهور على مكوث  أبو خليفة بمصح عقلي ..... وبعد مرور ثلاث سنوات  سمع الجميع بأنه توفى أبو خليفة في مصح عقلي .. ألله يرحمه .  

تمت القصة ... وعلى موعد جديد مع قصص .... بن مهاه (محمد غيث بن مهاه المزروعي )