الأحد، 7 سبتمبر 2014

كيف تكونت الديمقراطية

قصة (أثينا) عاصمة الحضارة الهيللينية ومركز الحوار الفكري والطرح الفلسفي ، بجدالها ومناظراتها .

قصة طويلة، بدأت بالصراع ضد جارتها إسبارطة في حروب أُطلق عليها (حروب البلوبونيز) كانت عقيدتها الدولتين السياستين مختلفتين، فبينما أتخذت أثينا (الديمقراطية) نظاماً سياسياً لها، آمنت أسبارطة بحكم الاقلية المختارة من الارستقراكيين

 أقلية استطاعت أن تسخر الاغلبية لبناء جيش قوي قوامه الشعب والعبيد، حتى أنها بذلت الأموال الطائلة لشراء الصبية من العبيد لتدريبهم وتأهيلهم عسكرياً للحروب، فصار لها جيش من أقوى الجيوش .

أما أثينا فإنها سعت لأن تكون ديمقراطيتها متقنة ومنضبطة، فوضعت نظام إكليسيا Ecclesia الجمعية العامة، وهي المصدر الأعلى والجهاز الرسمي للسلطة . تقابلها المحكمة العليا (ديكاستيريا) Decasterya المكونة من ألف مواطن يقومون على درء الفساد والرشوة من خلال سن التشريعات ومراقبتها . كان نظام الانتخاب، بشكل أو بآخر، يفرض الرشوة ويعجز عن رفض الاستغلال بين النائب والناخب . وعلى الرغم من سن القوانين وتغيير التشريعات، بقي مرض الرشوة والاستغلال مكينا في جسد النظام الديمقراطي .

حتى وصل الأمر بالمحكمة العليا إلى أن تعلن عن تغيير نظام الانتخاب بعد أن كان عن طريق (الاقتراع) إلى أن يكون بطريقة (القُرعة) كانت تلك أخر محاولات (ديكاستيريا) لكي تجعل الرشوة باهظة التكاليف، حتى على أثرى الاثرياء .

إلا أن الامر لم يقف عند هذا الحد، بل تفشى مرض أخر في ديمقراطية أثينا لم يكن آنذاك في الحسبان هو (اليماغوغية) (Demagogy) واصطلح بأنها (حكم الغوغاء) وكان يطلق على نواب الشعب الأثيني لقب (الخطباء) وكان لخطبهم تأثير على العامة، حيث كان الخطباء أشبه بالصحف اليومية في زمننا هذا، وسنرى لا حقاً كيف كان لحكم الغوغاء أثره في سقوط أثينا .

بدأ الشك في النظام السياسي يراود حكماء أثينا حال هزيمة أثينا من إسبارطة في الحروب البلوبونيز التي إستمرت ثلاثين عاما (430 - 400 ق - م) لقد ثار المثقفون الأثنيون على الحزب الديمقراطي الحاكم، ولكن ثورتهم باءت بالفشل . قاد تلك الثورة المسلحة (كريتياس) تلميذ سقراط وعم أفلاطون. من هنا بدأت أصابع الاتهام تشير إلى سقراط .

كان سقراط شخصاً بسيطاً في معيشته، حيث جعل (الاجورا) وهي ساحة المركز في أثينا، مأوى لهُ ، فأهمل بيته وزوجته وعياله، في سبيل البحث عن الحقيقة، عن طريق منهج (الوليد) وهو توالي الأسئلة المنطقية على خصمه عن شيء قال: لا أدري. انطلقت فلسفة سقراط من الشك في كل شيء ، وتجرأ في فلسفته على الدين والدولة . كان تعدد الآلهة دين أثينا والديمقراطية نظامها السياسي ، أما هو فقد آمن بإله واحد ودعا إلى الفضيلة، فالقوانين التي تسير على هوى الغوغاء ليست كافية لردع الفساد والرذيلة .

لقد كان سقراط يؤكد أن كثيراً من الفساد والرذائل كانت تمارس بحكم القانون، وقد دعا أيضاً إلى ترك النظام الديمقراطي والاستعاضة عنه بنظام حكم النخبة من العقلاء والحكماء . من هنا رأت أثينا بقيادة الحزب الشعبي الديمقراطي إسكات كل نقد لسياسة الحكومة فحكمت على سقراط بالموت .

بعد موت أستاذه ومعلمه سقراط، ساح أفلاطون في الارض غربا ثم شرقا، طالباً المزيد من الحكمة والمعرفة . كتب أفلاطون كتابه في السياسة الذي اشتهر بعنوان (جمهورية أفلاطون) ذلك الكتاب الذي سطر فيه أراءه السياسية، صرح فيه بأكثر من موضع بديمقراطية النخبة، تلك النخبة قوامها الحكماء ومتعلمو فنون القيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويشترط أفلاطون في ما يشترط وجوب بلوغ المرشح سن الثلاثين، والافصاح عن ذمته المالية، وألا يكون من طبقة التجار (إن الذين يشغلهم جمع المال والسعي وراء الثروة لا يصلحون لحكم الدولة) أو قادةالجيوش، (فربما يستخدم جيشه ويقيم حكومة عسكرية ديكتاتورية) .

لم يكن هذا الرأي الأخير رأي أفلاطون وحده، بل شاركه في هذا الاتجاه كثيرون، منهم زينفون مؤرخ تلك الفترة .

كانت هزيمة أثينا في الحروب البلوبونيزية أمام إسبارطة، ثم اضطرارها للدخول في تحالف عسكري معها ضد الزحف الفارسي، سبباً في ضعف الدولتين . وبرغم تقهقر الفرس واندحارهم، فإن كلتا الدولتين عانت رهقاً من اوضاعها الاقتصادية. لم تعِ أثينا الخطر الداهم حولها، فقد كان فليب المقدوني يراقب الأ حداث عن كثب . كان الأثينيون يرون المقدونيين برابرة بدائيين، ويحتقرونهم باحتقار ديكتاتورية ، حكم فليب عليهم، ففي كل محفل وفي كل مؤتمر تعلو أصوات خطباء أثينا بالشتائم ضد نظام الطاقية الرجعي، كان فليب صبوراً ضد خطب ديموسيثنيس النارية، وكان حراكه سرياً عندما دس جواسيسه في المدن اليونانية لشراء أصوات وذمم العامة والخاصة، السياسيين وقادة الجند، بحيث شكل قوة سياسية له من مواطني أثينا تدعو إلى التحالف مع مقدونيا .

اضطر ديوسثنيس تحت صغط الجمعية العامة (إكليسيا) أن يكون ضمن وفد التفاوض الذاهب الى مقدونيا لعقد أتفاق مع ملكها فليب . كان الوفد مؤلفا من عشرة خطباء، وصلوا إلى بللا Pella عاصمة مقدونيا، واستُقبلوا بالحفاوة والترحاب . وقد لاحظ ديموسثنيس أن الخطاب السياسي لرفاقه قد تغير، لقد أصبحوا أقوى دعاة التفاهم مع مقدونيا، فاتهمهم بالفساد وتلقي الرشوة من العدو . غير أن ديموسثنيس لم يكن فوق الشبهات، فقد أقترح ارسال وفد إلى كسرى الفرس أردشير الثالث لكي يطلب منه عقد حلف ثنائي مع أثينا . لكن فليب كان أسرع، إذ عقد معاهدة صداقة وعدم اعتداء مع الفرس،  وحسم فليب المقدوني الأمر حين شن هجومه على أثينا في معركة خيرونيا Chaeronea ، فأصبح بعدها زعيماً لبلاد الإغريق . بعد ذلك، ليس بغريب أن يختار فليب لتربية ابنه الإسكندر أعظم فلاسفة العصر أنذاك، تلميذ أفلاطون، أرسطو طاليس الذي كانت أخلاقه الأرستقراطية كفيلة بأن تجعله مؤدباً لأبناء الملوك .

لم يكن أرسطو موحداً كأستاذه بل كان وثنياً، كما لم يكن من دعاة الديمقراطية بأي شكل من أشكالها، فعيشته جعلته يرى في الدكتاتورية واقع حال لا بد من المصالحة معها .

والقضية المُلحة التي أطرحها على هذه الموقع هي: هل الديمقراطية أفضل نظام للحُكم ؟ وإذا كان الجواب (نعم) فهل تُمارس بإطلاقها حتى تحت حُكم الأغلبية من الغوغاء، أم تكون على حسب ما يراها سقراط ديمقراطية مقيدة، وحسب رأي أفلاطون ديمقراطية النخبة؟ أم هل يا ترى يكون النظام الفردي (الأوتوقراطي) هو الأفضل، أو بين هذا وذاك ؟ . 

لست صاحب الموضوع وأنما أعتبرهُ أثراء للموقع ..... بن مهاه .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق