الاثنين، 29 سبتمبر 2014

موضوع قرأته ... فأعجبني

المبالغة عند العرب  .

اعتاد العرب على المبالغة وعاشوا عليها وصدقوها، واعتبروا المزايدة والمبالغة جزءاً من الحقيقة حتى المؤرخين القدامى لم تلق كتاباتهم رواجاً عالمياً بسبب هذه المبالغة، فهذا المؤرخ ابن جرير الطبري يتحدث في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) عن سيدنا آدم - عليه السلام - فيقول إن طوله كان يبلغ من الأرض إلى السماء وإن رأسه كان يحتك بالسماء من فرط طوله وهذا سبب الصلع الذي يصيب أبناءه، وأنه كان يخطو الخطوة الواحدة يعبر بها البحر، فكان سيدنا آدم طويلاً ولكن هل من المعقول أن تكون نسبة طوله بهذا الشكل؟ 

ويتحدث الكامل في كتابه (الأثير) أيضاً عن القصة نفسها فيقول إن سيدنا آدم - عليه السلام - كان طوله ستين ذراعا، وإنه كان يسمع أصوات الملائكة ويشم رائحة الجنة وإنه كان يخيف حيوانات البر وملائكة السماء، فهل هذا كلام يصدقه عقل عن نبي من أنبياء الله ؟!

نحن نعلم جميعاً أن بداية الخلق ولم يرها أحد، فكيف حصل على هذه المعلومات، مع أنها لم تذكر في القرآن الكريم؟ وحينما تحدثوا أيضاً عن غزو بغداد ذكروا الكثير من الأخبار والحكايات عن وحشية المغول وكيف أنهم حولوا نهر الفرات من اللون الطبيعي إلى اللون الأحمر وأنهم وضعوا الكتب جسراً عبروا عليها النهر، فهل هذا يصدقهُ بشر؟ وما كمية الدماء هذه التي تحول نهراً يجري إلى اللون الأحمر؟ وما هي كمية الكتب التي تغوص في قلب النهر وتصبح جسراً يعبرون عليه ؟!

إننا لم ننكر وحشية المغول وقسوتهم التي تعودوا عليها، نظراً لحياتهم البدائية، ولكن أن تصل إلى هذه الدرجة فهذا كلام فيه كلام، وإذا تحدثنا عن الشعر فحدث ولا حرج، ففيه أكثر المبالغة وإن كانت المبالغة مقبولة في الشعر، وذلك لقولهم (أجمل الشعر أكذبه) ولكنها أيضاً وصلت حدود غير مألوفة وأحيانا خارجة، فهذا الشاعر أبو نواس يمتدح خليفة فيقول: وأخــفت أهـل الـشـرك حـتـى أنه .... لـتخـافـك النـطف الـتـي لـم تـخلـق  ومن ذلك أيضاً قول ابن وهيب في مدح الخليفة المأمون : 
وبـدا الـصبـاح كــأن غــرتـه .... وجـه الخــليفـة حــين يُمتـدح .
وهذان بيتان لا يحتاجان إلى تعليق لما فيهما من فرط المبالغة والتملق لصاحب السطوة والنفوذ، إما رغبة في عطاياه أو خشية من بطشه، وهذه كانت حال معظم الشعراء في هذه العصور، باستثناء البعض الذي كتب شعراً جميلاً وقوياً، ومن الشعراء من كتب في الغزل وتفنن في إظهار المحبوبة على أحسن حال وأجمل أوصاف وأرق أخلاق، وكانت الطبيعة وحياة الصحراء من اهم مقومات هذا الشعر، فهذا الشاعر يقول لمحبوبته ويصدق نفسه من فرط الخيال الذي عاش فيه، حيث الطبيعة الأندلسية الساحرة .
حـجـبـوهـا عــن الـريـاح لأنــي .... قــلـت يــا ريــح بـلـغـيهــا الســلام .
فهل يستطيع أحد أن يحجب أحداً عن الريح؟! وهذا الشاعر يقول واصفاً محبوبته وحبه الهائم بها : أحـبـهـا وتــحـبــنـي .... ويــحـب نــاقـتـها بــعـيـري .
وهذا امرؤ القيس يقول في بيت شعر اعتبروه أكذب ما قالته العرب، متحدثاً عن محبوبته:  تـنـورتـهـا مـن أزرعــات وأهـلـهـا بـيـثـرب .... أدنــى دارهــا نــظر عــالــي

فيقول إنه رأى محبوبته وهي تسكن في أزرعات في المدينة ودارها بيثرب، فهل يستطيع الرؤية من كل هذه المسافة؟! فهذه حالنا يا عرب إذا أحببنا أحببنا بشدة وإذا كرهنا كرهنا بشدة وإذا انتقمنا انتقمنا بقسوة، ليس عندنا أي حال من تقبل الآخر، فهل يأتي علينا اليوم الذي نعرف فيه كيف نقيم أنفسنا ونقيم غيرنا ونتخلص من هذه المبالغات والمزايدات؟! أم أنه مكتوب علينا دائماً أن نظل نقول كما قال عمرو بن أم كلثوم: 
ونـشــرب إن وردنــا المــاء صـفـوا .... ويــشــرب غـيـرنــا كــدرا وطـيـنـا ... إذا بـلـغ الـفـطـام لـنـا رضـيـع ... تـخـر لـه الجـبـابـر سـاجـديـنـا .

صاحب الموضوع - كمال القدح - واعتبرهُ إثراء للموقع ..... بن مهاه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق