الثلاثاء، 11 فبراير 2014

طلبة المدرسة والبطل مسكين - قصة قصيرة

المدرسة الفلاحية الموقع شاطىء أبوظبي قبل زمن الكورنيش وأواخر الستينات، طبعاً لا توجد وساءل المواصلات او باصات المدرسة، لايوجد الا لاندروفر واحد لجلب المعلمين للمدرسة، واما الطلبة فعليهم الوصول مشياً او على اي وسيلة يرونها مناسبة، اما أنا وبعض الاصدقاء فلدينا وسيلتنا وهي عبارة عن (البطل مسكين) والبطل مسكين هو عبارة عن حمار مسالم ويعرف طريقة الى المدرسة ، والبطل مسكين لا يحمل طالب واحد ، وانما ثلاثة طلاب في أنٍ واحد، وكان سريعاً في جريه، يعني يصل قبل قرع الجرس ..... لحظة أسف لايوجد جرس بمدرستنا في ذلك الزمن!
عندما تسقي المايه او (المد البحري) تمتلىء الفصول الدراسية الستة بالبحر وتعلوا وجوهنا الابتسامات، المد البحري يعني أجازة .. يعني العودة للمنازل الى أن تجف الفصول . ... مجموعتنا لا تعود للمنازل بل لدينا برامج أخرى نفعلها ... واولها صيد الاسماك ... لاننا أبناء تلك المنطقة من أبوظبي هذا يعني بأننا على علم بكل صغيرة وكبيرة بها ... هناك مخابىء على شاطىء البحر لا يعرفها الا نحن ... بها كل أدوات صيدنا من الشباك (الليخ) والحبال وخيوط الصيد الاخرى .... هذا يعني لا نعود الى المنازل الا بكميات كبيرة من الاسماك ..... أبوظبي عبارة عن أحياء صغيرة من سعف النخيل متشابهة .... قصر الحصن هو الوحيد بالجص والحجر .

ولم ننتقل من المدرسة الفلاحية الى بعد أن قررت الحكومة بأنشاء مشاريعها هناك (أول كورنيش وشارعهُ وأتذكر شركة الخرافي التي قامت بالمشروع ) وبعد تجهيز المدرسة الشرقية الواقعة بشارع حمدان قبل تسميته شارع حمدان وقبل سفلتته، المدرسة الشرقية كانت مقابلة لمنزل (الشيخ حمدان بن محمد ال نهيان) والذي هو اليوم حمدان سنتر بشارع حمدان . عموماً تم تغيير مسمى المدرسة الى مدرسة محمد بن القاسم بدل المدرسة الشرقية لاسباب لا نعلمها، علماً بأني أفضل أسم المدرسة الشرقية على أسم مدرسة محمد بن القاسم. لاننا غير متعودين على هذا الاسم الغريب (القاسم) وبعد دراستنا للتاريخ عرفنا من هو محمد بن القاسم (من أدخل الاسلام وحمل رسالته الى كل من الهند والسند وما جاورهما) .

عموماً البطل المسكين لا يزال موجود في تلك الفتره، فترة توفر سيارات النقل من والى المدارس، ولكن عملية واستهواء ركوب البطل المسكين كانت هواية أكثر منها وسيلة توصيل الى المدرسة . والى أن تطورت الامور بشكل متسارع بأبوظبي .

بعد مرور عشرون عاماً: الجميع ينتظر المدير العام للمدرسة والذي غالباً يثر القلق لدى الجميع .... الكل يدقق في أوراقه ويتحاشى مقابلة المدير ولسانه السليط .... الا الاستاذ بو اسماعيل .... سأل المدير عنه بصوته الجهوري .... وركض الجميع يبحث عن أبو أسماعيل .... أبو أسماعيل بين صناديق الاوراق القديمة بالمخزن القديم للمدرسة ويبحث عن مجموعة أوراق قديمة ..... ولكن عفن تلك الاوراق وروائحها ابعدت كل من كان يبحث عن أبو أسماعيل .... الا هو أبو اسماعيل متعود على تلك الروائح العفنة .
ماذا تفعل يا ابو اسماعيل ؟ ...... أبحث عن مجموعة اوراق مهمة .... صناديق حديدية معدنية بالعشرات ومتراكمة لا تغفل ولا تفتح الا بعد جهداً جهيد ..... عشرات السنين تركت بصماتها عليها بلا ترتيب .... روائح الصدا والعفن طردت الاوكسجين من ذلك المخزن الرطب .... يقول أبو أسماعيل بأن الصراصير بالمخزن ذات حجم أكبر من حجم حذائه! .... سأنتهي قريباً من البحث ولكن يجب أن اصل الى تلك الاوراق أولاً .... تسببت تلك الروائح ببعض الدوران والدوخة برأس أبو اسماعيل ... ويقول سأنتهي قريباً ... الصندوق الاول لم تكن الاوراق المهمه به ... الصندوق الثاني أيضاً لا يحتوي عليها ... ووقعت بين يديه بعض الاوراق ... وعادت بذاكرته وبشريط الذكريات الى عقود زمنية مرت و كان يحتوي ذلك الشريط على تلك التفاعلات والاحداث والذكريات من فرح و تعاسة و سعادة .... وفجأة سقط نظره على أربعة تلاميذ كان أستاذاً لهم منذ ثلاثة عقود ... انتبه قائلاً يالها من مفاجأة .

الصورة الاولى للطالب عوض القبيسي .... بنتهاء النصف الاول الدراسي غادر المدرسة بسبب انتقال والده الى المنطقة الغربية حيث يعمل بالماء والكهرباء ... بعد أن سألت المدرسة عنه لمدة طويلة .... وبعثت بعدد كبير من الطلبة للبحث عنه وتبين بأنه وعائلته أنتقلوا الى الغربية .
وأما الصورة الثانية فكانت للتلميذ محمد بن غيث بن مهاه المزروعي كاتب القصة .... الذي انتقل الى عدت مدارس مختلفة بين مدينة العين وأبوظبي حسب ظروف العائلة ووالده وتنقلاته بالعمل وبخدمة الوطن في تلك الفترة .... فترة بداية حكم سمو الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان وتطورها العمراني .

أنتظر كثيراً مدير المدرسة أبو سالم .... وقرر الذهاب الى المخزن لمقابلة أبو اسماعيل هناك ومعرفة لماذا كل هذا التأخر بالمخزن .... 

أبو اسماعيل يناظر الصورة الثالثة وهي لاحد تلاميذه الاذكياء والمواضبين على تلك الدروس المتراكمة والمكررة .... وهي للتلميذ حمد العامري .... يالله يقول ابو اسماعيل هذا التلميذ هو اليوم سفيرنا بأمريكا وصدرت لهُ عدت كتب في السياسة والاقتصاد ... وهو بدرجة دكتور وسفير ومرات يحاضر بالجامعات ..... ماذا يحدث؟! السنوات تمر كأنها أيام ... وانا يا بو اسماعيل لا ازال مدرس فقط بمدرسة اعدادية متوسطة لا أكثر ولا أقل ..... ويقول بينه وبين نفسه هذه ارادة الله ومشيئته ... انا سعيد في حياتي وهذا كل ما ارجوه .
الصورة الرابعة والاخيرة: نعم نعم أنا أتذكر هذا الطالب او التلميذ المشاغب والمتهور والكسول دراسياً .... ومع ذلك كنت اساعده بالدرجات لكي ينجح وتفرح به عائلته ... ولكن هو كثير الفوضة مع المعلمين والتلاميذ بالمدرسة ولا اعتقد في يوم ان يصل الى مستوى يؤهله للحصول على وظيفة ..... ويسمع أبو اسماعيل صوتاً جهورياً يأتي من الباب .... اين انت يا ابا اسماعيل؟ ..... ولماذا كل هذا التأخير ؟ الى أن اقترب الصوت ... أهلاً يا ابو سالم يا سعادة المدير ..... ماذا لديك ؟ احتاجك بمكتبي الان  المجلس التعليمي  طلب مننا تجهيز تقارير عن احتياجات المدرسة من معلمين جدد وبعض الاقتراحات عن المناهج والكتب وبعض الافكار التي قد تدعم موقف مدرستنا لديهم بالمجلس التعليمي .
ولكن لحظة ماذا بيديك وماهية تلك الصور؟ .... وماذا تفعل بها؟ .... هل تعلم لمن هذه الصورة يا ابو اسماعيل؟ .... لا لااعلم ولكن اتذكر هذا التلميذ كان مشاغب لدرجة كبيرة .... هذا انا يا ابو اسماعيل .

بن مهاه.

هناك تعليق واحد: