الجمعة، 28 فبراير 2014

ألامطار الاخيرة و صمعى ليوا ... قصة قصيرة

ليوا جنوب أبوظبي .. ألمنطقة الغربية ..... وعد أبو مطر أبنه الصغير مطر بأخذه معه بعد يومين الى الغدير المائي بسبب الامطار الاخيرة ..... بقلب الصحراء ، خارج محاضر ليوا من الجنوب، منطقة لا تبعد كثيراً عن (تل مرعب) حيث تكون بها غدير مياه عذبة كثيرة وكبيرة، وعمل أبومطر مركب شراعي وأسماها (صمعى ليوا) وهي عبارة عن محمل او مركب بطول متر ولهُ شراع ابيض اللون .

وجعلهُ مفاجأة لابنه الصغير مطر ، أبو مطر كان يعلم بأن تلك المنطقة بالتحديد ستعمل غدير المائ، نسبة لكمية الامطار التي هطلت على (منطقة الغربية لابوظبي) وخصوصاً ليوا، وسبب علمه المؤكد هو مرافقته لابيه أيام زمان بالسنين الخوالي وعندما كانوا يرعون أبلهم بها، لذلك هو متأكد ودون شك بأن لابد أن يكون الغدير كبير والطبيعة بجانبه خضراء ودنياها ربيع ومناظرها خلابة وساحرة .

رتب أبو مطر خيمته وأكد على أم مطر وباقي الاطفال بتجهيز انفسهم لهذه الطلعه المخطط لها والجميلة وبأجواء غائمة باردة مملوءة بالاوكسجين النقي ، الطلعة ستستغرق عدة أيام كاملة 3 - 4 أيام ، أم مطر ماذا عسانا نأخذ معنا يا بو مطر؟ ..... خذي مير يكفي لاسبوع يالغاليه ..... سنذهب الى مكان لا يعلم به الا الله وأنا فقط .

اليوم الموعود ، أبومطر يالله يا فروخ (يا عيال) اركبوا السيارة ..... أم مطر .. وين بتودينا؟! ..... أخاف أنها منطقة مقطوعة وبعيد عن البشر ! .... افا عليك يالغالية، هذا مكان يحلموبه الجميع .... وحذري اتخبرين حد .... وشرط ان لا تخبري أخوانك عنه رجاءً ..... أبومطر يقود السيارة ساحباً التريلا خلفة مملوءة بكل شيء تقريباً ..... أنشاء الله .. ردت أم مطر ..... يا أم مطر حطيلنا سي دي جابر جاسم وطربينا فوق طربنا هذا .... فرق أبو مطر من طريق الكدش الى طريق أخر هو يعرفه فقط وليس مرسوماً على الارض ، أم مطر وين بتذلفنا؟ اشوفك فرقت عن الطريق؟ ..... افا عليك من خذتك (تزوجتكِ) وأمورنا طيبه ..... وما هناك فرقا لا في حياتنا ولا في طريقنا هذا يالغالية .... أقرأي أية الكرسي وحطي الرحمن في قلبك  ....... وبعد مرور 40 دقيقة وبدون طريق مرسوم على الارض وصل أبو مطر الى غدير الحُب ، غدير أم مطر ..... أم مطر فديتك يالغالي تخبرني كيف تعرف وكيف توقعت ومن متى هذه المنطقة في رأسك ؟ !!!!

أخر مرة زرتها كانت مع أبي قبل ثلاثون عاماً ..... غريب أمرك ولديك ذاكرة قوية يا بو مطر تقول أم مطر...... قبل أن يتوقف بالسيارة أبومطر تعمد أن يزور ويطلع على هذا الموقع وهو يقود السيارة من رأس كثب رملي الى أخر .... علماً بأن الكثبان الرملية صلبة الطبيعة بسبب تلك الامطار ...... أم مطر ....أرجوك أن تناظر كل تلك الغيوم كيف تحولت الى هذا اللون البرتقالي العجيب يا بو مطر .... أكيد يالغالية وبسبب غروب الشمس الجميل أهدتنا هذا المنظر العجيب ..... يا حلوين بعد قليل ستظلم الدنيا ... واحتاج لمساعدتكم في نصب الخيمة وتجميع بعض الخشب الميت فقط ..... وفي الصباح سنذهب الى الغدير ونلعب .... وانا متخوف قد يكون الغدير عميق .... عموماً استمعوا لامكم ولي ..... هناك نخلتان توقف بجانبهما ..... لسبب جمال المنظر .... خيمة ونخلتان وغدير ماء .... هل هناك أجمل من هكذا منظر؟ .... أم مطر ترمق أبومطر بنظرة أعجاب وتقدير او قد يكون شيء ما في خاطرها لم تفصح عنه أمام الاطفال .... ولكنها لاحظت أبومطر وتلك الابتسامة التي تعرفها وتعرف أهدافها .

نزلوا جميعاً من السيارة ذات الدفع الرباعي ..... أنتشروا الاطفال ركضاً وصراخاً ولعباً ..... أنشغل أبو مطر بأنزال الخيمة ..... وسمع ضحكاتها أم مطر .... ولتفت اليها ورأها بدون عباة ولا ما تحتها ونشلت شعرها كالطفلة تركض هنا وهناك خلف بناتها لعباً وغناءً ..... رد عليها أبو مطر حطي العباة على رأسك .... حطها على رأسك أنت تقول أم مطر .... نحن في مكان لا يعلم به الجان الازرق وتطلب مني وضع العباة !!!! أنت في حلم أو علم يالغالي؟ ..... كم حلمت بأن افارق هذه العباة واركض كالطفلة البريئة .... وهذه فرصتي لثلاثة أيام بدون عباة او شيلة ..... أبومطر يضحك ويردد أين أنتِ يا حماتي؟ ..... أغاني جابر جاسم أعطت جو أخر للرحلة وأم مطر تردد كلماتها وهي في سعادة كبيرة .

يا أم مطر حاولي مساعدتي في نصب الخيمة .... انا سأمسك عمود الوسط وانتِ اربطي الزوايا الاربع اما باقي الاطناب سنربطها لاحقاً ..... واحدى الزوايا اربطيها بالنخلة .... وتم نصب الخيمة بأتجاه مباشر الى الغدير .... والان حبيبتي سأذهب بالسيارة لجلب الحطب لاشعال النار ..... سحب التريلا معه وبعد نصف ساعة اتى بها ملئا من الحطب .... وأشعل النار لتدفئة الجميع ..... علماً بأن برودة تلك المنطقة قاسية جداً وتصل الى الصفر في بعض الاحيان وفي تلك الفترة من السنة (شهر واحد) ..... أبو مطر يطلب من أم مطر ترتيب الفرش للاطفال لانه متأكد بعد العشاء سيغلبهم النوم وبعد كل هذا التعب واللعب .

أم مطر .... ماذا في خاطرك مني للعشاء يالغالي؟ على هذا الجو والخيمة لا ينشهى الا مكبوس الدجاج مع الروب والبطاطا المشوية وبلمساتك السحرية سيكون أحلى من أي عشاء باريسي بفندق جورج الخامس او مطعم مكسيم الباريسي .... شتقول يالغالي ؟ .... اسمه مكبوس وليس مكسيم ردت ام مطر ..... توكلي على الله الي تسوينه زين .

تعشوا وناموا الاطفال .... ابومطر .. لدي صديقاتي وهن مجموعة نجوم لا زلت أتذكرهن .... ورؤية النجوم في هذه المنطقة تختلف عن كل مناطق العالم .... دعينا نطفىء الضو جزئياً وتعالي بجانبي وستلقي على ظهركِ حبيبتي لاريكِ صديقاتي النجوم .... وعندما تسلقت أم مطر وناظرت السماء وتلك النجوم الكبيرة والمتلألأة .... فعلاً استغربت المنظر.... هناك نجوم تغطي السماء وكل الافق .... وقال ابومطر لها والان يالغالية تأملي بأننا نطير او نغوص بهذا الفضاء الكبير .... فعلاً يا ابومطر أنا الان اتخيل هذا الشعور ... لانها ليست فوق فقط بل هي في كل مكان هناك نجوم .... والان يقول ابومطر سأريك صديقاتي .... هناك بالجنوب رسمة عبارة عن مجموعة نجوم على شكل وجه امرأة .. وهي أنتِ .... انا لا اراها تقول أم مطر ..... أنتِ مستعجله ولهذا السبب لن تريها أبداً .... اهدءي حبيبتي وركزي وتابعي مع أصبعي .... هن سبع نجوم كبيرة وبينها نجوم متناثرة صغيرة تكمل ذلك الوجه النسائي .... نعم نعم والوجه متجه الى الشمال تقول ام مطر ..... صحيح يا حبيبتي .... ولكن هذا الوجه لا يرى الا في هذه المنطقة .... الانها بعيد جداً عن الاضواء .

أم مطر هل سنمضي الليل نفتش عن النجوم ؟ .... وأم النجوم مستلقية بجانبك حبيبي؟!! .... ورد عليها ابومطر .... دخيل هذه العيون وهذا الجسم الساحر .... هل لي بشيء يا ام مطر ؟؟؟!!!!

وبالصباح الباكر سمع ابومطر الاطفال .... وشم ريحة القهوة .... وكل خمس دقائق ام مطر تتنحنح لتصحيه من النوم بشكل غير مباشر .... أنتوا ما تخلون أحداً يرتاح بنومه .... هذا ليس منك بل من مراقبة النجوم ليلة البارحة يا بومطر ..... يضحك أبو مطر لا لا لا بل من أم النجوم المستلقية بجانبي .... اتعبت نجومها واتعبتني يرد ابومطر . 

هل لي بفجان قهوة يالغالية؟ ..... لدي مفاجأة لمطر والاطفال ..... ماهي يا حبيبي؟ .... سميتها صمعى ليوا ..... وماهي هذه صمعى ليوا؟!! ..... صمعى ليوا عبارة عن مركب بحري بطول متر تقريباً ولهُ شراعان وسأربطه بحبل طويل ليساعدهم في سحب المحمل او الصمعى عندما تبحر الى وسط الغدير ...... أنت دائماً تأتي بأشياء لم نتوقعها كلنا ونهايتها تفرحنا كلنا يا بومطر ..... سترين الان يا حبيبتي ..... تعالي معي الى الغدير وهاتي معك كأس لنشرب منه ونؤكد وصولنا اليه بشربنا مياهه .

لحظة يا بو مطر ..... ارجوك ان تناظر كل هذه الطبيعة الخضراء والجميلة .... يا سبحان الله .... صراحةً لم أكن أتوقعها بهذا الجمال البارحة تقول ام مطر .... ركضت عنه الى الاطفال والغدير الذي يبعد مائة متر من الخيمة .... والتجه ابومطر الى السيارة لحمل الصمعى معه الى الغدير ... ويقول في خاطره ... ام مطر تريدني أن أركض خلفها الى الغدير ... ولكن بعد ليلة البارحة من أين لي الركض .... استهلكتني كما يستهلك البعير .

مطر في السابعة من العمر ..... والاطفال في هذا السن تنطبع هذه الرحلات والالعاب والمناظر في عقولهم وذاكرتهم بشكل يختلف عن الانسان الكبير .... مطر يرى والده يحمل السفينة (صمعى ليوا) وهو يغني متجه الى الغدير ، مما جعل كل الاطفال يتجهون لهُ ركضاً .... وصلوا الى الغدير جميعاً ..... وهنا قال أبومطر اولاً عليكم الاستماع لي ولشرحي لكم عن هذه السفينة الجبارة والتي لن تخذلكم في أبحارها .... اولاً نرفع أشرعتها ونراغب اتجاه الهواء ونوجه تلك الاشرعة الى قلب الهواء، وعليها الانطلاق من جهة دخول الهواء لنضمن ترس اشرعتها وابحارها بشكل مناسب ، وهذا الحبل الطويل لابد ان تكون نهايته بأيديكم ولا تتركوه يفلت عنكم ابداً، ووجوده هو لسحب السفينة عندما تصل الى منتصف الغدير .

ولكن عليكم ان ترددوا هذا البيت ( اشراع ابوية ابيض .... ابيض شرى القرطاس .... محملنا فوق الموي .... شد أنتباه الناس) .... يالله رددوها مرتين ولي بيغلط (يخطىء) لن يلعب بها .... وبقى هذا البيت او الحدوة على السنة الاطفال الى ان شبعوا .

ابو مطر مر بحادث خطير في ايامة الاولى عندما كان يعمل لاحدى شركات البترول وبسبب هذا الحادث بترت ذراعه .... يعني هو بيد واحدة .... ولكن من يعاشرهُ يلاحظ بأنه متمكن من كل شيء  ..... وتعود على الحياة هكذا ... في بعض الاحيان تصعب عليه بعض الامور والتي تستدعي تدخل ام مطر او أحد الاطفال .

وأخر اليوم ..... الابن مطر لم يقبل مغادرة الغدير الا والسفينة معه .... وصل ابو مطر ليحاول حمل السفينة .... ولكنها ثقيلة بعض الشيء .... ثم طلب من مطر ان يربها بشجرة الارطا بجانب الغدير .... وافق مطر على الاقتراح ..... وطلب ابو مطر من ابنه مطر سحب السفينة الى البر .... انتبه مطر الى عدم مقدرة والده في سحب السفينة بيد واحدة ..... قفز وسحبها هو من الغدير وربطها بالرطاه .... وهو يركز ويفكر بوضع أبيه الصحي وبأنه بيد واحدة فقط .... ولكن لديه أحساس بأن والده يحبه الى درجة كبيرة .... قال مطر .... انا اعلم وضعك يا ابي ..... ولكنك ستبقى والدي الحبيب ..... وحتضن والده وسقطت دمعة من عينيه .... وهو يحتضنه .... انا أحبك يا أبي .

بن مهاه













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق