السبت، 22 فبراير 2014

عفراء وعبيد ... قصة قصيرة

وصل الاستاذ عبيد الى منزله تعباً من العمل ، يكتم صراخاً يضج به صدره، مستغرباً .... اذاً أنتهى كل شيء ولم يعد هناك شيء .... قبل أن يهم بالدخول بالفيلا الكبيرة والواقعة بأحد أحياء أبوظبي (أميرة المدن) ..... وقف في المدخل امام درج البوابة الرئيسية مسترجعاً مشهداً كان يتكرر مراراً كلما وصل الى هذه الدرجات من عتبات مدخل الفيلا، يستغفر الله ويفتح البوابة بمفتاحه ويردد بعض جمل الود معلن وصوله .

يا غزالٍ أحبه وودي شوفته، ليعاد ضوانا الليل ودي ضمته .... هي (عفراء) تعودت سماع هذا البيت كلما دخل المنزل .... وتعلم عفراء بأنه يموت فيها حباً، وعفراء تبادله نفس الشعور وأكثر، كل يوم تستقبله عند عودته وتنتظره على ذلك الكرسي الكلاسيكي بجانب الدرج الداخلي للفيلا، وبمجرد دخوله تقف وتتجه اليه بثلاث خطوات وتحتضنه عدت ثوانٍ ويضمها بلهفة وشوق ما خف ولا فتر يوماً طوال عمر زواجهما المديد (ثلاث عشر عاماً)

صعد الدرج متثاقل ودلف الى الغرفة الاخرى التي حولتها عفراء الحبيبة ورفيقة الدرب الى مرسم خاص بها، بعد أن كانت مجهزة بأثاث الاطفال (الذين لم يقدر المولى بقدومهم)

طريقة صف لوحاتها على جدران الغرفة فعلاً تدل على أنها معرض لوحات وجداريات عفراء، ورائحة الغرفة ممزوجة بروائح البخور والطيب المحلي وروائح الالوان الزيتية، توقف عبيد عند اللوحة التي لم تكتمل بعد والتي لا تزال على مسند الرسم الخاص، وهي كانت اللوحة الاخيرة قبل أن تنتقل جميع اللوحات الى المجمع الثقافي بجانب قصر الحصن بأبوظبي لمعرض عفراء الاول ..... اما باقي اللوحات كانت معلقة على جدران الغرفة بشكل غير مرتب و مقصود .

قالت عفراء حبيبي سم بسم الله قبل أن تدخل .... الاسبوع القادم ستنتقل كل هذه اللوحات الى المعرض المصاحب لحتفالات (أبوظبي بقصر الحصن) اما اليوم فهي معروضة لك كلها يا حبيبي ولوحدك، اتشرف بفتتاحك لمعرضي كما افتتحت قلبي وجعلته مسكن خاص بك .

انا متأكدة .. رأيك مهما كان باللوحات سيبقى يعجبني وسأحترمه ومن خلاله ستتقيم هذه اللوحات يا حبي ..... عبيد سأبدا بهذه اللوحة .... عفراء كما تشاء يا حبيبي  .... كانت اللوحة عبارة عن صورة امرأة بحديقة زهور وتقود طفل بيدها اليسار وهي تؤشر الى الطيور .... فهمها عبيد وعلق بأنها جميلة جداً ...... ثم انتقل الى اللوحة التالية وكانت لامرأة على جمل وطفلها بحضنها والغافلة تسير بين الكثبان الرملية .... ولتفت بستغراب لزوجته عفراء ..... ثم أكمل باقي اللوحات ..... والتالية كانت ايضاً لاْمرأة ورجل وهي تشير الى مجموعة العاب للاطفال كأنها تقول ما أجملهم ..... بدا الوجوم على ملامح عبيد وقال بنبرة متحشرجة ..... لم افهم الاشيء واحد .... ردت عفراء ماذا يا حبيبي؟ فلم ينتبه لسؤالها وستمر في مشاهدة باقي اللوحات، بينما وقفت عفراء بمكانها تفكر في تلك الكلمات الغير واضحة منه ..... ومستغربه عدم فهمه لتعابير تلك اللوحات ..... وبينما هي مسترسلة بأفكارها انتبهت ووعت لتلك الصرخة المدوية التي اطلقها عبيد الزوج من صدره وحنجرته .

يا الله سامحني يقول الزوج عبيد، كيف لم أنتبه؟ وكيف لم أفهم؟ كيف؟ كيف؟ حاولت أن تهدئه وأن تحتضنه .... ولكنه دفع بها الى الجانب الاخر من الغرفة ..... أرجوك يا عبيد يا حبيبي ما الذي حدث؟ ولماذا كل هذا الهيجان ؟

هل ترين لوحاتك؟ هل لك أن تشرحي عنوانها او لماذا تهدف؟ انها تشرح تشوقك للاطفال، وجميع اللوحات تقول بأنكِ تعانين حرمان الامومة .

ارجوكِ لاتوضحي لي أكثر، انا تسببت بأنانيتي لكِ بهذا الحرمان ..... ومنعتكِ من اغلى شيء لدى المرأة وهي (الامومة) ...... اين سأذهب من ربي ؟ ..... خرج من الغرفة وهو يبكي كالطفل وينحب كثيراً ..... وردد سامحيني سامحيني يا حبيبتي لم استطع أ، اكون الزوج الكامل سامحيني ..... لم تجدي معي كل العلاجات الطبية ..... وقفزت اليه وحتضنته طويلاً ودموعها بللت كتفه ..... وهي تردد .... أرجوك افهمني لم اقصد .... وأقسم بالله بأني لم أقصد الذي يدور بخلجانك وفكرك ..... أنت الغالي يا عبيد وأنت زوجي الحبيب وأنت حياتي كلها ورفيق دربي الذي ليس لي غيره .

الزوج عبيد انا لا اقبل أن تستمر تعاستك لحساب سعادتي وراحتي يا عفراء .... وهل هناك أنانية أكثر من هذه ؟

وقبل أن ترد عليه أحكم قبضته على لعقال والغترة وغادر الغرفة والفيلا .

وبعد مرور شهر عاد الى تلك الفيلا والغرفة الفارغة الا من لوحاتها الجميلة عفراء، ولكن كل ذلك يفتقد لمسات عفراء وروائحها ( عفراء طلقت وبمنزل ابيها) .... ودلف الى تلك الغرفة التي تسببت في نهاية قصة حب ناعمة وجميلة ومفعمة بكل معان الترابط والحُب الزوجي .

انا اقول مهما تجلى الحب والترابط بأعلى درجاته ومعانيه لا يصل الى الرغبات الفسيلوجية للانسان .... امرأة او رجل وتلك الاهداف والرغبات والامومة الطبيعية والابوة الحانية ..... والاشتياق لهذه النعمة الربانية على البشر .

بعد مرور عدت سنوات أخبارها (عفراء لا تزال تصل اليه بطريقة او بأخرى متتالية ..... تزوجت عفراء بعد سنتان من الطلاق .... ومرت السنين .... واليوم لديها ولد وبنت من زواجها الثاني ومن ابوعيالها الدكتور هلال .

اما عبيد لا يزال يسعد لسعادتها ويفرح لفرحها ..... ولكن من خلال الاخبار وعن بعد شديد وحترام ملتزم للخصوصيات .

بن مهاه














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق